تأسيس المجمع
جاء تأسيس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي تنفيذًا لقرار صادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي انعقد في مكة المكرمة عام 1401هـ الموافق 1981م حيث جاء نص القرار كما يلي:
«إن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث “دورة فلسطين القدس” المنعقد في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 19-22 ربيع الأول 1401هـ الموافق من 25-28 يناير 1981م،
إذ يأخذ في الاعتبار الخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عاهل المملكة العربية السعودية إلى قادة الأمة الإسلامية وزعمائها وإلى المسلمين كافة في كل مكان والذي دعا فيه الأمة الإسلامية وفقهاءها وعلماءها إن يجندوا أنفسهم ويحشدوا طاقاتهم في سبيل مواجهة معطيات تطور الحياة المعاصرة ومشكلاتها بالاجتهاد والاسترشاد بالعقيدة السمحة وما تضمنته من مبادئ خالدة قادرة على تحقيق مصلحة الإنسان الروحية والمادية في كل مكان، والدعوة إلى إنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي يضم فقهاء وعلماء ومفكري العالم الإسلامي بغية الوصول إلى الإجابة الإسلامية الأصلية لكل سؤال تطرحه الحياة المعاصرة،
وإذ يشير إلى ما للعلم والفكر من دور حاسم في تقدم الأمم ورقي الشعوب،
وإذ يذكّر بالدور الحضاري الرائع الذي قدمته الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي، وأثرى به المعرفة الإسلامية، فقاد البشرية إلى النور والهداية، وما زال منبعًا غنيًا وأساسًا صالحًا لدفع حياة الإنسان نحو مستقبل أفضل،
وإذ يؤكد حاجة الأمة الإسلامية في هذا المنعطف التاريخي من حياتها إلى مجمع تلتقي فيه اجتهادات فقهائها وعلمائها وحكمائها لكي تقدم هذه الأمة قواعد أصيلة صادرة عن المنابع الفكرية الإسلامية الخالدة في كتاب الله وسُنة نبيه.
يقرر:
- إنشاء مجمع يسمى (مجمع الفقه الإسلامي) يكون أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وثقافية وعلمية واقتصادية من أنحاء العالم الإسلامي لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهادًا أصيلًا فاعلًا بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي والمنفتحة على تصور الفكر الإسلامي لتلك المشكلات.
- تكليف الأمين العام للمنظمة بالتشاور مع رابطة العالم الإسلامي لاتخاذ اللازم نحو وضع النظام الأساسي لهذا المجمع وتقديمه لمؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي القادم لدراسته واتخاذ الإجراءات اللازمة نحو إقراره».
كلمة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-:
وقد أقر المؤتمر الثالث عشر لوزراء الخارجية النظام الأساسي لمجمع الفقه الإسلامي، والذي عقد في نيامي عاصمة النيجر في الفترة 3-7 ذو القعدة 1402هـ الموافق 22-26 أغسطس 1982م، ودعا إلى عقد مؤتمر تأسيسي عام للمجمع في مكة المكرمة يتم إقرار النظام فيه، بعد الاطلاع على أي ملاحظات عليه من الدول الأعضاء. وقد عقد المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة برعاية صاحب الجلالة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- ملك المملكة العربية السعودية في الفترة 26-28 شعبان 1403هـ الموافق 7-9 يونيو 1983م، وجاء في مطلع التقرير العام وقرارات المؤتمر التأسيسي للمجمع القول:
«بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
- انعقد بحمد الله تعالى المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة فيما بين 26 و28 شعبان 1403هـ (7-9 من شهر يونيو 1983م) تحت رعاية صاحب الجلالة الملك فهد بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، ورئيس مؤتمر القمة الإسلامي الثالث.
- وبانعقاد المؤتمر التأسيسي أصبح مجمع الفقه الإسلامي حقيقة واقعة باعتباره إحدى الهيئات المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي تنفيذًا للقرار رقم 8/3-ث(ق-أ) الذي أصدره مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد في مكة المكرمة والطائف بالمملكة العربية السعودية، فيما بين 19 و22 من شهر ربيع الأول 1401هـ (25-28 من شهر يناير 1981م) وهو القرار الذي قضى بإنشاء المجمع.
وجاء في خطاب جلالة الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- ملك المملكة العربية السعودية، في افتتاح المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي:
«بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أصحاب الفضيلة والمعالي
أعضاء المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي العالمي.
أحييكم بتحية الإسلام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأرحب بكم أجمل ترحيب في هذا البلد الأمين، مهد الرسالة، وقبلة المسلمين، وأسأل الله أن يسدد خطاكم ويجعل التوفيق حليفكم.
إن اجتماعكم هذا يعتبر بداية حقيقية لمرحلة تاريخية هامَّة من تاريخ أمتنا الإسلامية، مرحلة يتخطى فيها شرف خدمة الشريعة الإسلامية حدود الجهود الفردية والإقليمية، ويجتاز الحدود السياسية في أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة الأمة الإسلامية في هذا المجال.
أيها الأخوة الكرام:
إن روح العمل الجماعي هي الصفة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة جميع التحديات، وان المؤشرات تدل على أن الأمة الإسلامية قد وضعت أقدامها على طريق تصحيح المسار والعودة إلى رحاب العقيدة في ظل تضامن أبنائها. فلقد كان مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي عقد في رحاب الكعبة المشرفة وما تمخض عنه من نتائج وقرارات ومن بينها القرار التاريخي الذي أصدره زعماء العالم الإسلامي بإنشاء مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي نشهد اليوم افتتاح مؤتمره التأسيسي … لقد كان ذلك المؤتمر فرصة طيبة وانطلاقة واعية وجادّة لأمتنا الإسلامية نحو تحقيق ما تصبو إليه من عز ومنعة لتشارك بفعالية وتواصل دورها الطليعي في بناء الحضارة الإنسانية وتحقيق العدل وتخليص الإنسان من ظلم الإنسان.
إننا نؤمن جميعًا -أيها الأخوة- أن الإسلام دين يخاطب العقل، ويناهض التخلف في شتى صوره وأشكاله، ويشجع حرية الفكر، ويستوعب منجزات العصر، ويحض على متابعتها، كما أن الإسلام وهو يضع قواعد السلوك الإنساني فإنه ينظم العلاقات الاجتماعية والدولية على أساس من الرحمة حيث يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
لقد تطورت العلاقات الإنسانية، ولكن الفكر الإنساني قد قصر عن استقصاء آلام الإنسان، وعن تحقيق آماله في الرخاء والسلام، فأصبح ذلك الفكر في حاجة إلى ضابط الرحمة. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أتم علينا نعمته -سبحانه وتعالى- بكامل دينه الذي ارتضاه لنا، وكانت الشريعة الإسلامية هي الثروة الحقيقية الكبرى في العالم الإسلامي، حفظت عليه ذاتيه في أحلك الظروف التي كان يعاني فيها من الهجمات الشرسة على تراثه وحضارته وإنسانيته.
أيها الأخوة أعضاء المؤتمر:
إننا نشهد في وقتنا هذا أجراء من جسد الأمة الإسلامية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة وأفغانستان وهي تئن تحت وطأة الظلم والبغي والعدوان، كما أن مقدساتنا في القدس يدنسها الغاصب المحتل الذي سفك الدماء، واحتل الحرمات وشرد الملايين من إخواننا المسلمين. إن ما أصاب الأمة الإسلامية من ضعف ووهن ما كان ليصيبها لو أنها تمسكت بهدى كتابها الكريم وسنة نبيها الهادي الأمين، لكن الابتعاد عن صعيد الإسلام كان العامل الأول والفاعل المؤثر لما تقاسي منه أمة الإسلام اليوم من تحديات شرسة من جانب أعدائها الذين يعملون باستمرار وإصرار على انتزاع الأمة الإسلامية من أحضان عقيدتها، لأن الخصوم يدركون أن لا قوة للمسلمين إلا بتمسكهم بمعطيات هذه العقيدة، إن عدم التمسك بالعقيدة هو مصدر الخطر الذي يتهدد اليوم ديار الإسلام ويحيط بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنني أعتقد أن البداية السليمة لبناء وحدتنا تتمثل في نبذ الخلافات بين المسلمين وتصفيتها بروح الأخوة الإسلامية عملًا بقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا). وقوله تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). كما أن البداية الحقيقية لقوتنا تعتمد على قدرتنا على مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية العالمية بحلول إسلامية مستلهمة من روح الشريعة السمحة ومتجاوبة مع احتياجات العصر.
أيها الإخوة الكرام:
قبل أكثر من نص قرن تمت الدعوة لعقد أول مؤتمر إسلامي لبحث أمور الأمة والتشاور فيما يحقق مصالحها وذلك على أثر توحيد هذه البلاد تحت راية التوحيد بقيادة الملك الراحل عبدالعزيز طيب الله ثراه. ثم تتابعت الجهود إلى أن تم إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وانطلقت في بلاد المسلمين صحوة إسلامية مباركة تستهدف الرجوع إلى الإسلام: إلى تعاليم القرآن الكريم وهدى السنة الشريفة. لقد أعادت الصحوة إلى كل مسلم اعتزازه بدينه الحنيف، وانتماءه الحضاري المشرف، وماضيه المشرق المجيد.
إن هذه الصحوة تعبر عن نفسها بأشكال تختلف باختلاف المجتمعات الإسلامية، ولكن مضمونها الأساسي واحد وهو الاقتناع بضرورة إيجاد حلول إسلامية لمشكلات العصر. إن بعض النظم الأخرى قد تستطيع إيجاد بعض الحلول لبعض المشكلات في بعض الأحيان، ولكن قيمة عقيدتنا الإسلامية ليست في كونها تمدنا بالحلول الشاملة فحسب، وإنما قيمتها في أنها تقدم لنا هذه الحلول وتقدم معها أيضًا القوة الكفيلة بتحقيقها وحمايتها. ونحن نرجو أن يواكب الفكر الإسلامي هذه الصحوة لضبط حركتها على حكم الله في كافة المجالات.
إننا نلحظ أن تفرق المسلمين قد أدى إلى تورع العلماء عن مواجهة ما جدّ من مشكلات الحياة برأى يجتمع عليه علماء المسلمين. واليوم ترون -أيها الأخوة- كثرة الأحداث وكثرة السؤال، وقد تراكمت المشكلات، ورغم وفرة العلماء والفقهاء المجتهدين في كل زمان ومكان إلا أن الخطب جلل والمسئولية أما الله أكبر من اجتهاد إنسان فرد فيما يجدّ من الحوادث حتى يدعم هذا الاجتهاد قبول العلماء بعد استقصاء البحث والنظر في الفقه القديم والجديد. وفي هذا الصدد فان الدعوة لإنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطول الأمة الإسلامية حيث تجد فيها الإجابة الإسلامية الأصيلة لكل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل اسعاد البشرية عامة والمسلمين خاصة وذلك يقتضي حشد جهود فقهاء وعلماء وحكماء ومفكري العالم الإسلامي للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات هذا العصر من واقع شريعتنا السمحة لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسك بها والتزام حكمها “ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون”.
إن بيان حكم الله ووجوب الخضوع له حكمًا ومحكومين سوف يؤدي إلى حقن الدماء وحفظ الأموال وصيانة الأعراض، كما أن بيان حكم الله سوف يجعل المسلمين دعاة رحمة وأمن ولسوف يوجه جهودهم ضد عدوهم في وقت تتداعى فيه الأمم على حضارتنا وتراثنا وأمتنا.
إن روح التعصب أبعد شيء عن الإسلام، إذ أن التعصب من مثارات البغضاء، ومن أسباب التفرق والتمزق الفكري، وقد حرم الله علينا ما يثير البغضاء والعداوة بين المسلمين. والحقيقة أن التعصب لا معنى له في الإسلام، لأن المسلم إنما يلزم بحكم الله، والعبرة في استظهار الحكم بدليله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم طبقا لضوابط الاستنباط وأصوله الشرعية التي يعرفها العلماء والفقهاء.
ولقد التزمت المملكة العربية السعودية هذه الروح في تنظيمها القضائي اقتداء بالسلف الصالح من أئمة المسلمين، وصدرت بذلك تعليمات محددة من جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز تقضي بأن المسائل الخلافية بين المذاهب دليلًا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإننا -أيها الأخوة الكرام- لمطالبون جميعًا بالعمل على توحيد الأحكام في البلاد الإسلامية في كل شئون الحياة على مقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، فذلك هو السبيل الأوحد لتحقيق الوحدة الإسلامية بين الشعوب المسلمة.
وإننا لنعلم أن المهمة شاقة وأن الأمانة ثقيلة ولكن الأمل فيكم كبير.
فسيروا على بركة الله، واحملوا أمانتكم، واستمدوا العون من الله.
وأنني أحمد الله الذي أسعدني بأن أشهد اجتماعكم في هذا اليوم الذي تتحقق فيه أمنية غالية طالما تمنيناها ويتمناها كل مسلم صادق الإيمان.
وفي الختام أتوجه إلى الله العلي القدير ومن جوار بيته العتيق بالدعاء أن يرزق الجميع الفقه في دينه والعمل بشريعته وأن يكون مستقبل أمتنا الإسلامية خيرًا من حاضرها، وأن يلهمنا سبيل الصواب وطريق الرشاد وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا إنه سميع مجيب. والله الهادي إلى سواء السبيل.
وفقكم الله وسدد خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله بركاته.»
وقد قام معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي في حينه الأستاذ الحبيب الشطي بمخاطبة الملوك والرؤساء في دول منظمة المؤتمر الإسلامي لترشيح ممثليها في هذا المجمع، وتم ذلك بصفة عامة، وعقد المجمع دورته الأولى في 26 صفر 1405هـ الموافق 19 نوفمبر 1984م والتي كانت دورة تنظيمية وتخطيطية لعمل المجمع المستقبلي.
وقد تم إدخال بعض التعديلات على النظام الأساسي واعتمد بشكله النهائي. وطلب المؤتمر التأسيسي عقد الدورة الأولى للمجمع في فترة لا تتجاوز الخمسة أشهر، وقام باعتماد الميزانية التقديرية الأولى للأمانة العامة للمجمع والتي بلغت 2,274,060 دولار أمريكي بمساهمات اعتمدت من الدول الأعضاء مع الدعوة للتبرع بسخاء للمجمع.