بيان للتأكيد على وحدة الأمة رغم تعدد مذاهبها وضرورة الابتعاد عن كل ما يثير الاختلاف والتنازع بينها

الحمد لله رب العالمين القائل سبحانه: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[سورة آل عمران، الآية 103]، والصلاة والسلام على رسوله الكريم القائل: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).[رواه مسلم]، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه أجمعين، ومن اقتدى به وسار على هديه إلى يوم الدين، وبعد:

فإن مجمع الفقه الإسلامي الدولي وهو يتابع بألم بالغ وأسف عميق مظاهر الاختلاف والتنازع بين أتباع بعض المذاهب، وبخاصة بين بعض علماء الشيعة وبعض علماء السنة في بعض بلاد المسلمين وعبر وسائل الإعلام المتعددة، ليذكر بخطورة هذه الممارسات والتصريحات لما يترتب عليها من آثار بالغة الخطورة على وحدة الأمة وقدرتها على مواجهة أعدائها، وتعاملها مع ما تتعرض له من تحديات على مختلف الأصعدة والميادين. ويعرب المجمع عن قلقه من أن يؤثر ذلك على الجهود التي تبذل لتعميق العلاقات الأخوية بين أتباع المذاهب الإسلامية بعيدا عن التعصب المذهبي والانغلاق الفكري؛ حرصا على مصلحة المسلمين العليا في الظروف البالغة الصعوبة التي تمر بها الأمة، وذلك تنفيذا لما ورد في البيان الختامي والقرارات الراشدة التي أصدرها مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الثالث الذي انعقد بمكة المكرمة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ­أيده الله­ في الفترة (5، 6) ذو القعدة 1426هـ الموافق (7، 8) ديسمبر 2005 حيث جاء في البيان الختامي: “دعا المؤتمر إلى مكافحة التطرف المتستر بالدين والمذهب، وعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية، وأكد تعميق الحوار بينها وتعزيز الاعتدال والوسطية والتسامح”. وجاء في القرار الخاص ببرنامج العمل العشري لمنظمة المؤتمر الإسلامي في المحور الرابع من القضايا الفكرية والسياسية بعنوان تعدد المذاهب:

1- التأكيد على ضرورة تعميق الحوار بين المذاهب الإسلامية وعلى صحة إسلام أتباعها وعدم جواز تكفيرهم وحرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ما داموا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وببقية أركان الإيمان ويحترمون أركان الإسلام ولا ينكرون معلوما من الدين بالضرورة.

2- التنديد بالجرأة على الفتوى ممن ليس أهلا لها مما يعد خروجا على قواعد الدين وثوابته وما استقر من مذاهب المسلمين، وهذا يوجب التأكيد على ضرورة الالتزام بمنهجية الفتوى كما أقرها العلماء، وذلك وفق ما تم إيضاحه في الأمرين في قرارات المؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد في عمّان في شهر تموز 2005م، وفي توصيات منتدى العلماء والمفكرين التحضيري لهذه القمة، والذي عقد بدعوة من خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، خلال الفترة 9 إلى 11/9/2005م).

وقد أكد قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 152 (1/17) بشأن الإسلام والأمة الواحدة والمذاهب العقدية والفقهية والتربوية، الصادر عن الدورة السابعة عشرة المنعقدة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) عام 1427هـ، الموافق 2006م على أن اختلاف العلماء من أتباع المذاهب هو اختلاف في الفروع وبعض الأصول، وهو رحمة. كما أكد على الاعتراف بالمذاهب الإسلامية والحوار والالتقاء وتقوية الروابط فيما بينها، ونبذ الخلاف بين المسلمين. ودعا إلى توحيد كلمتهم، ومواقفهم، واحترام بعضهم لبعض، وتعزيز التضامن بين شعوبهم ودولهم، وتقوية روابط الأخوة التي تجمعهم على التحابّ في الله، وألاّ يتركوا مجالاً للفتنة وللتدخّل بينهم. امتثالا لقول الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 10].

وقد كان معالي أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي قد دعا إلى اجتماع لأئمة المذاهب بتاريخ 24/5/2008م للتداول في أسلم الطرق وأفضل الإجراءات لتنفيذ ما ورد في برنامج العمل العشري في هذا الخصوص، وقد انتهى المجتمعون إلى تكليف مجمع الفقه الإسلامي الدولي بوضع خطة شاملة لموضوع التقريب بين المذاهب، يلتزم الجميع بتنفيذها، وقد أعدّ المجمع هذه الخطة، واعتمدت في الاجتماع الثاني بتاريخ 28/6/2008م، وستعرض على مؤتمر حاشد ينظمه المجمع بالتعاون مع المنظمة لاعتمادها، والعمل على تفعيل إجراءات تنفيذها في التقريب بين أتباع المذاهب على جميع الأصعدة وفي كل الميادين، وقد كان من مسلمات هذه الخطة ضرورة الامتناع عن كل مجالات التبشير بأي مذهب في مناطق المذاهب الأخرى، في إطار الاحترام المتبادل والحرص على عدم القيام بما يثير مظاهر الاختلاف والتنازع.

وقد رحب بذلك وأكد عليه المجلس الاستشاري العالمي للتقريب بين المذاهب، العامل في إطار المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “الآيسيسكو”، والتي تعمل في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي.

فليلتزم الجميع بذلك بكل جد وإخلاص وحرص على ما يعمّق معاني الوحدة، ويبعد كل ما يمكن أن يثير الاختلاف والتنازع. قال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[سورة الأنفال، من الآية 46].

 

أ. د. عبدالسلام العبادي

أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى