قرارات وتوصيات الدورة الخامسة والعشرين لمؤتمر مجلس المجمع

يعلن مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي قرارات وتوصيات الدورة الخامسة والعشرين لمؤتمر مجلسه التي انعقدت برعاية كريمة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، خلال الفترة الواقعة ما بين 29 شهر رجب إلى 3 من شهر شعبان لعام 1444هـ الموافق 20-23 من شهر فبراير لعام 2023م بفندق هيلتون بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.

هذا، وقد افتتح أعمال الدورة صاحب السمو الأمير سعود بن عبدالله بن منصور بن جلوي، محافظ جدة، نائبًا عن صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، بحضور معالي السيد حسين إبراهيم طه، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، ومعالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المستشار بالديوان الملكي، عضو هيئة كبار العلماء، إمام وخطيب المسجد الحرام، رئيس المجمع، ومعالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، وبمشاركة ما يقارب ثلاثمائة (300) عالم وعالمة من أعضاء المجمع وخبرائه قدموا من أكثر من خمس وستين (65) دولة من الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي ودول المجتمعات المسلمة.

وعلى مدار أربعة أيام ترأس معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس المجمع جلسات الدورة التي بلغت خمس عشرة (15) جلسة، وذلك لمناقشة مئةٍ وخمسةٍ وستين (165) بحثًا أعدَّها أعضاء المجمع وخبراؤه حول موضوعات مهمة تعدُّ في هذا العصر من أهمِّ النوازل والمستجدات المعاصرة التي تنتظر الأمَّة الإسلاميَّة والعالم من المجمع إصدار قرارات متينة تتضمن بيانًا وافيًا لأحكام الشريعة فيها، وتقديم توصيات رصينة تشتمل على حلول ناجعة لتلك النوازل والمستجدات.

ولله الحمد، فقد تمكَّن مجلس المجمع بعد الاستماع إلى ملخصات البحوث المقدمة إلى الدورة، والمداولات والمناقشات التي دارت حولها إلى إصدار سبعة عشر (17) قرارًا يضاف إلى قراراته السابقة البالغ عددها مائتين وثمانية وثلاثين قرارًا ليصبح، بفضل الله وتوفيقه، مجموع قرارات المجمع مائتين وخمسة وخمسين (255) قرارًا.

ومن أهم القرارات والتوصيات الصادرة قرار بشأن بيان حكم التعليم بشقيه الديني والدنيوي للذكور والإناث، حيث أوضح مجلس المجمع بشكل صريح وواضح أن التعليم بشقيه الديني والدنيوي حقٌّ شرعيٌّ للذكور والإناث كما قررته النصوص الشرعيَّة واتفقت الأمة عبر العصور على وجوب تعليم البنين والبنات، مما يجعل حرمان أي منهما من أي نوع من أنواع التعليم النافع مخالفة صارخة للشريعة الإسلاميَّة، كما دعا المجلس إلى الرد على الفتاوى الشاذة المخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة التي تمنع البنات والفتيات من التعليم والتعلم، كما دعا إلى معالجة سائر الإشكالات والعقبات التي قد تحول دون تمكين البنين والبنات من التعليم والتعلم، مشيدًا بالدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي التي جعلت تعليم البنين والبنات مرتكزًا لنهضتها وتقدمها. وأصدر المجلس قرارات مهمة بشأن أحكام جائحة كورونا المستجد وأثرها على العبادات والأسرة والجنايات والمعاملات والعقود والالتزامات، كما أصدر المجلس قرارًا بشأن ظاهرة الصلاة بغير العربية التي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة في بعض الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، ودول المجتمعات المسلمة، حيث أكد المجلس بعدم جواز الصلاة بغير العربية مطلقًا، وببطلان الصلاة بترجمات معاني القرآن الكريم، وترجمات معاني الأذكار الواجبة في الصلاة، ودعا المجلس ولاة الأمر في الدول الأعضاء بالمنظمة إلى تعزير كل من يدعو أو يصلي بغير العربية، ودعا أيضًا جهات الإفتاء، والعلماء، والأئمة، والخطباء، والدعاة إلى بيان خطورة هذه الظاهرة التي تقف وراءها جهات ومنظمات مشبوهة معادية للإسلام بهدف إشاعة الفتن بين المسلمين بإثارة النعرات العصبية، وتمزيق وحدة المسلمين، وأكّد المجلس في هذه الأثناء على عدم وجود أي علاقة بين هذه الظاهرة الخطيرة والخلاف الفقهي حول القراءة بغير العربية.

ومن أهم القرارات الصادرة عن هذه الدورة القرار المتعلق بعدم جواز الصلاة خلف الهاتف والمذياع والتلفاز، سواء أكان المأموم قريبًا أم بعيدًا، فلا تجوز الصلاة خلف هذه الوسائل الحديثة لاختلال شروط الاقتداء من اتحاد المكان والزمان بين الإمام والمأموم، وقدرة المأموم على رؤية إمامه أو رؤية من يرى الإمام، وسماع التكبيرات المباشرة، وانقطاع التبعية، فضلًا عما يترتب على ذلك من مفاسد كثيرة منها إبطال السعي إلى الجمع والجماعات، وتعطيل عمارة المساجد.

وبالنسبة للموضوعات المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وضوابط استخدامها، أصدر المجلس قرارًا أكد فيه حرمة نقل المنكرات وبثّها ونشرها وتسجيلها عبر هذه الوسائل وغيرها، وأكد أيضًا على حرمة نشر الأخبار الكاذبة والشائعات وكل ما يضر بالمجتمع في أمنه، واستقراره، وسلامة دينه، وعقيدته، وأخلاقه، كما أوضح المجلس أن إنكار المنكر عبر هذه الوسائل مقيد بمراعاة شروط، من أهمها تحقق المصلحة من الإنكار، وألا يودي إنكار المنكر لمنكر أعظم منه، وألا يكون في الإنكار افتئاتٌ على سلطة ولي الأمر، ودعا المجلس إلى الابتعاد عن استخدام هذه الوسائل أثناء السير بالمركبات كالسيارات وغيرها لما يترتب على ذلك من كوارث كحوادث السير، كما دعا المجلس إلى الابتعاد عن استخدامها أثناء أداء بعض العبادات كالطواف والسعي وغيرها لما في ذلك من انشغال وإلهاء عن العبادة.

وبالنسبة لموضوع اللقطاء ومجهولي النسب، أصدر المجلس قرارًا مهمًا تمثل في التأكيد على كون رعاية اللقيط ومجهول النسب في الشريعة الإسلاميَّة فرض كفاية، ومسؤولية من مسؤوليات الدولة عند عدم وجود كافل لهما، وقرر المجلس أنه يجوز أن يلحق مجهول النسب بمن ادَّعاه إذا لم يكذبه الحسُّ أو العقلُ، كما يجوز أن يلحق بمنْ ثبتَ كونُه ولدًا له بطريقةٍ من طرق الإثبات المعتبرة شرعًا، وأكَّد أنه يُلزَم مَنْ ثبتتْ أُبُوتُهُ بالإنفاق على مجهول النسب، والقيام برعايته، كما قرر أنه ينبغي أن يُعطىَ اللقيطُ ومجهولُ النسب اسمًا حسنًا، ولقبًا حسنًا، ويمنحان جنسيَّة البلد الذي وجدا فيه، منوهًا بأن جميع الحقوق الدينيَّة والمدنيَّة الثابتة لغيرهما ثابتة لهما، ودعا القرار ولي الأمر إلى تعزير كل عيَّرهما، أو حطَّ من قدرهما بما يردعه، وبين القرار عدم جواز تسليم اللقيط ومجهول النسب إلى جهات غير إسلامية، أو أشخاص غير مأمونين، وأوضح المجلس أنه ينبغي لمن يلتقط لقيطًا أو مجهول نسب أن ترضعه زوجته، أو ترضعه من تنتشر الحرمة من رضاعها إيَّاه، كبناته حتى يشعر وقت إدراكه أنَّ له أهلًا يأوي إليهم، ويهتمون برعايته، ويحبونه.

وبالنسبة لظاهرة أطفال الشوارع والأطفال المتسولين والأطفال العاملين في الأعمال الشاقة، أصدر المجلس قرارًا أكد فيه عدم جواز ترك الأطفال يتخذون الشوارع العامة مقر إقامة دائمة أو مؤقتة لهم، أو مصدرًا لكسب الرِّزق، كما أكد عدم جواز استخدام الأطفال في التسول في الشوراع وفي المكاتب وفي المنازل، وعدم جواز تشغيلهم في الأعمال الشاقة التي تعرض حياتهم للخطر، وتحرمهم من حقوقهم في التعليم والصحة والرعاية، ودعا المجلس العلماء والأئمة والخطباء والدعاة إلى تعزيز الوعي بحرمة تشغيل الأطفال في الأعمال الشاقة في المناجم والمصانع والمكاتب والمنازل.

ودعا المجلس العلماء والهيئات واللجان الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة إلى مراعاة إعمال مقاصد الشريعة في المعاملات عند الاجتهاد في المسائل والقضايا والمستجدات المالية المعاصرة مع الالتزام بضوابط شرعية مهمة كعدم مخالفة المقاصد ما هو أقوى منها من الأدلة الشرعيَّة المعتبرة، ومراعاة أنواع المقاصد ومراتبها من حيث الأصالة، والتبعية، ومن حيث الكلية والجزئية، ومن حيث القطعية والظنية، ومراعاة مقاصد الشريعة الكلية الخمسة عند إعمال المقاصد الخاصة بالمعاملات، وتوظيف المقاصد الشرعية للمعاملات المالية في صياغة وتفسير العقود والمعاملات الماليَّة الحديثة، وحلِّ ما ينشأ عنها من نزاع بسبب الجوائح والظروف الطارئة في ضوء مقصد العدل، وغيره من مقاصد المعاملات الماليَّة كالرواج، والوضوح، والثبات، فضلًا عن أهمية العمل بالمقاصد الشرعية للتحقق من واقعية المعاملات المعاصرة، وعدم صوريتها مع مراعاة مآلات المعاملات المالية في ضوء مقاصد الشريعة.

وأما بالنسبة لموضوع تغيير الجنس، فقد بيَّن المجلس أن ما يسمى اليوم تغيير الجنس، ويراد به تحويل ذكر إلى أنثى، أو تحويل أنثى إلى ذكر، حرامٌ شرعًا لأنه تغيير لخلق الله، وتظلُّ الأحكام الشرعيَّة المتعلقة بالذكر والأنثى من واجبات وحقوق دينية ومدنية ثابتة لكل واحد منهما كما كانت قبل إقدام أحدهما على تحويل نفسه ظاهريًّا من ذكر إلى أنثى، أو من أنثى إلى ذكر، وبخاصة فيما يتعلّق بأحكام الحضانة، والنفقة، والميراث، وذلك لأنَّ تحويله نفسه إلى أنثى أو ذكر لا يُعدُّ تغييرًا حقيقيًّا بل هو تغيير ظاهريٌّ كما قرره الأطباء، فلا تأثير له على ما ثبت من أحكام قبل إقدام أحدهما على هذا التصرف، ودعا المجلس الحكومات والدول إلى منع إجراء هذه العمليات، والتوعية بمخاطرها، ونتائجها المدمرة لفاعلها وللمجتمعات، وتوجيه الأشخاص الذين لديهم اضطرابات، أو وساوس في الهوية الجنسية لأسباب نفسية أو غيرها إلى العلاج، كما دعا إلى التوعية بخطورة الدعوات التي تدافع عن الشذوذ الجنسي، وتغيير الجنس، وتهدف إلى نشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة بدعوى الدفاع عن الحقوق والحريات الفردية.

ثمة قرارات وتوصيات مهمة حول دور آليات التمويل الاجتماعي الإسلامي في دعم العمل الإنساني لإغاثة المنكوبين من الكوارث والأزمات، وأحكام تطبيقات معاصرة لقلب الدين، ويمكنكم الاطلاع على جميع قرارات وتوصيات الدورة عبر الرابط أدناه.

والله ولي التوفيق.

 

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى