معالي الأمين العام يحاضر عن تعزيز التعايش ومكافحة التطرف بكلية آل مكتوم للتعليم العالي باسكتلندا

بدعوة كريمة من إدارة كلية آل مكتوم للتعليم العالي بمدينة دندي باسكتلندا ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، محاضرة عامة بعنوان: تعزيز التعايش السلمي ومكافحة الفكر المتطرف، وذلك يوم الخميس 26 من شهر ذي القعدة لعام 1444هـ الموافق 15 من شهر يونيو لعام 2023م.

هذا، وقد استهل معاليه محاضرته بالتعبير عن شكره الجزيل وامتنانه الجميل للكلية على الدعوة، وللمشاركين والمشاركات على الحضور، كما أعرب عن سعادته الغامرة للنقلة النوعية التي شهدتها الكلية في الفترة تحت قيادة واعية وحكيمة لمديرها الموفق بإذن الله تعالى. ثم تطرق معاليه إلى فقرات محاضرته التي لخصها في ثلاثة تساؤلات، أولها: لماذا الاهتمام بهذا الموضوع في هذا العصر؟ والتساؤل الثاني ما هي أسباب التطرف والتعصب؟ والتساؤل الثالث ما هي السبل الناجعة للقضاء على التطرف؟

ونسبة للتساؤل الأول أوضح معاليه قائلًا: ” حقا إننا نتحدث عن هذا الموضوع لإحساسنا العميق بأن الأديان جميعا تشكو من اعتداءات وهجمات أصحاب الفكر المتطرف متمثلة في تصرفاتهم الشائنة المرفوضة وممارساتهم الخاطئة المنبوذة باسم الأديان ظلمًا، وعدوانًا، وافتراءا.. فالدين الإسلامي على سبيل المثال دين عظيم يعلم أتباعه على وجوب الالتزام بتعاليمه الناصعة المتمثلة في نشر قيم المحبة، والرحمة، والرفق، والاحترام، والعدالة.. إن مقتضى الالتزام بهذه القيم يعني أن تسود المحبة كل المحبة بين البشر باختلاف أديانهم وألوانهم وألسنتهم ولغاتهم..، كما يقتضي ضرورة الابتعاد عن جميع أشكال العنف والعدوان على الإنسان بسبب دين أو معتقد أو منهج حياة، ويقتضي أيضًا أهمية نشر الرحمة والوئَام والانسجام بين الناس، والرفق بالضعفاء والعجزة ، والإحسان إلى الأطفال والنساء والمسنين، والتزام العدل في التعامل مع الآخرين.. إن مجازفة أصحاب الفكر المتطرف بهذه القيم الثابتة والناصعة للدين الإسلامي ولغيره من الأديان والشرائع، بل إن اعتداءهم عليها نهارا جهارا هو الذي يدفعنا إلى الحديث عن هذا الموضوع آملين أن يدرك العالم أجمع أن الإسلام بأصوله، وقيمه، ومقاصده، وتعاليمه يقوم على تعزيز العيش المشترك، ونبذ الغلو والتطرف والإرهاب.. وإلى أن يكف أولئك الذين اعتدوا على حرمة هذا الدين عن سفك الدماء، وهتك الأعراض، وإضاعة الأموال، فإننا ماضون في الدفاع عن قيم الإسلام وتعاليمه.. لن نملَّ من الحديث، ولن نكلَّ من التوضيح والتأصيل ما لم يَختفِ التطرُّف، ويَزُلِ الغلو، وينتهِ الإرهاب..” ثم أوضح معاليه أن للتطرف أسبابا متعددة بعضها نفسية، وبعضها تربوية واجتماعية، وبعضها أيضا اقتصادية، وسياسية، وركز على الأسباب التربوية قائلًا: ” إن التأمل في أسباب نشوء وانتشار الفكر المتطرف يجدها متعددة ومتداخلة ومتشابكة، ومن أهمها: الجهل بقيم الدين وتعاليمه، والتأويل الفاسد والباطل للنصوص الشرعية، وانتشار الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. وأما الجهل، فلا يخفى كونه سببا أساسا واضحا للفكر المتطرف إذ إن أكثر ضحاياه جهلة لا يعرفون الإسلام معرفة صحيحة، ويكتفون ببضعة معلومات قليلة وضحلة، ويجهلون جهلا مطبقا قيم الإسلام، كما يجهلون جهلا مركبا مقاصد الشريعة وأسرارها.. وهم كما أخبر الرسول الأعظم، صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:أحداثُ الأسنانِ سُفَهاءُ الأحلامِ يقولونَ مِن خيرِ قَولِ النَّاسِ يقرءونَ القرآنَ لا يجاوزُ تراقيَهُم يمرُقونَ منَ الإسلامِ كما يَمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ..” وبالنسبة للتأويل الفاسد والباطل، فإنه يعد هو الآخر أحد أسباب نشوء الفكر المتطرف ذلك “..لأن الغالب على أصحاب الفكر المتطرف أنهم لا يفرقون بين عام وخاص، ولا بين مطلق ومقيد، ويضربون النصوص بعضها ببعض.. كما أنهم يعتدون على محكمات النصوص والأحداث التاريخية بشكل سافر..” وأما الأحاديث الموضوعة وأثرها في نشوء وانتشار الفكر المتطرف، فإن ذلك واضح في هذا الفكر، إذ ” إن كثيرا من الأفكار والآراء التي ينشرونها مبناها على الأحاديث المكذوبة على رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، ويجد المرء حضورا لهذا في سائر الأحاديث التي يستندون إليها لمنع المرأة من التعليم، والعمل على إقصائها من المشاركة في جهود البناء والنهضة والتقدم والتطور للأوطان، وكذلك الحال في عدد من الأحاديث المكذوبة التي تجعل الأصل في العلاقة بين المسلم وغيره.. ” وعلى العموم، هناك أسباب أخرى لا يتسع المقام لسرده.

وبالنسبة للتساؤل الأخير، أوضح معاليه أن العلاج الأمثل والأنجع والأدوم يكمن اختصارا في توفير التعليم النوعي الصحيح الشامل الذي يتضمن مقرراته تمكين النشء من اكتساب القيم التي تنير لهم الدرب، وتعزِّز لديهم التعايش السلمي فكرا وسلوكا وممارسة، كما تجعلهم ينبذون كل أشكال العنف والعدوان والإقصاء والظلم والكراهية بسبب دين أو معتقد أو لون أو لغة، إنه التعليم الذي يقوم على ترسيخ الإيمان بكرامة الإنسان، وبحريته، وبحقه في اختيار معتقده بكل حرية ورشاد، ويؤمن بأن الناس صنفان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، له ما لك، وعليه ما عليك..”

وختم معاليه محاضرته بتأكيد القول: ” إن المسلمين مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن يبرزوا من خلال أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم كون الإسلام دين السلام والمحبة، والرحمة، والعدل، والرفق، والإحسان، والاحترام، وتحقيقا لذلك، فإنه يتحتم عليهم جميعا في كل زمان ومكان محاربة كل فكر يدعو إلى العنف والكراهية والإقصاء بقوة، ولا يحترم التنوع والاختلاف والتعددية التي يعدد آية من آيات العالمين مصداقا لقوله تعالى: ومن آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآية للعالمين..”.

هذا، وقد أجاب معاليه عن عدد من الأسئلة التي طرحها المشاركون مؤكدا على أن حجم التحدي الذي تشكله حاضنة الفكر المتطرف الإقصائي يجب أن يواجه بخطاب تجديدي مستنير واع ومستوعب، ومدرك للآثار الوخيمة المترتبة على مستقبل الأمن والأمان والاستقرار والازدهار للشعوب والمجتمعات، ولذلك ” فإن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البشرية اليوم بسبب نشوء وانتشار هذا الفكر لدى كثير من أتباع الأديان والمعتقدات من مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم تتطلب أن تتضافر الجهود الفكرية وتتكامل الخطى العلمية المدروسة لمكافحتها، ودحضها، ودحرها إنقاذا للعالم والبشرية من ويلاته ومآسيه”.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار