
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وبعد،
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السادسة والعشرين المنعقد خلال الفترة الواقعة ما بين 6 – 10 من شهر ذي القعدة لعام 1446هـ، الموافق 4 – 8 من شهر مايو لعام 2025م بمدينة الدوحة بدولة قطر، وانطلاقًا من مسؤولياته الشرعيَّة والإنسانيَّة، والأخلاقيَّة، واستنادًا إلى مرجعيته الفقهية العليا، ومكانته العلميَّة الراسخة، يُعرب عن بالغ قلقه، ورفضه، واستنكاره الشديد، لما يتعرض له الشعب الفلسطيني الشقيق -في عموم الأرض المحتلة، ولا سيما في قطاع غزة- من عدوان إسرائيلي وحشي متواصل، بلغ من البشاعة والتجرد من الإنسانيَّة مبلغًا لا نظير له في التاريخ المعاصر، وأفضى إلى مجازر جماعيَّة، ودمار شامل، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وخرق فاضح لكل المواثيق الدوليَّة والقيم الأخلاقيَّة.
ففي مشهد يفطر القلوب، ويهز ضمير العالم، تستمر آلة حرب الاحتلال في استهداف المدنيين الأبرياء، نساءً وأطفالًا وشيوخًا، وتدمير المستشفيات والمدارس ودور العبادة، وإحكام الحصار، وتجويع السكان، وحرمانهم من الماء والدواء والغذاء، حتى تجاوز عدد الشهداء والجرحى والمفقودين مائة وثمانين ألفًا، في جريمة مكتملة الأركان لا يمكن وصفها إلا بأنها إبادة جماعيَّة مبرمجة، وعقاب جماعي لشعب بأسره، لا لشيء إلا لأنه يتمسك بأرضه، ويدافع عن كرامته، ويرفض الاحتلال.
ويؤكد المجمع أن ما تتعرض له غزة اليوم، وسائر مدن فلسطين، ليس عدوانًا طارئًا، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الجرائم، والاعتداءات المتكررة التي تهدف إلى تهويد الأرض، وتشويه التاريخ، وطمس الهوية، وفرض الأمر الواقع بالقوة والإرهاب، ويُدين بأشد العبارات التصريحات الاستفزازيَّة، والدعوات المتكررة إلى تهجير سكان غزة، في استخفاف صارخ بكل القيم الدينيَّة والإنسانيَّة، واعتداء فجٍّ على حق الشعوب في البقاء والحرية والكرامة.
إن صمود الشعب الفلسطيني الباسل، وتشبثه بأرضه رغم الجراح، وتمسكه بحقه المشروع في المقاومة والدفاع، لهو شهادة على مكانة هذا الشعب، وعدالة قضيته، وصدق نضاله، وإرادة الحياة المتجذرة في أعماق تاريخه ووجدانه.
وإزاء هذا المشهد المأساوي، يؤكد المجمع من جديد أن الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، وعن أرض فلسطين، وتمكين أهلها من إقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، وعاصمتها القدس الشريف، هو فريضة شرعية، وضرورة إنسانيَّة، واستحقاق قانوني لا يقبل التنازل ولا التأجيل.
ويُعرب المجمع عن تقديره البالغ للجهود الدبلوماسيَّة المشكورة التي تبذلها اللجنة الوزاريَّة الإسلاميَّة العربيَّة المنبثقة عن القمة الإسلامية بقيادة المملكة العربيَّة السعوديَّة في دعم مشروع إقامة الدولة الفلسطينيَّة المستقلة، كما يثمِّن المساعي المخلصة لدولة قطر وجمهوريَّة مصر العربيَّة في الوساطة، وتخفيف معاناة المدنيين، ووقف نزيف الدم الفلسطيني في غزة والضفة، وتثبيت دعائم التهدئة، وفتح المسارات الإنسانيَّة، وفقًا لقرارات الشرعيَّة الدوليَّة، وانتصارًا للحق الفلسطيني الأصيل.
كما يدعو المجمع الدول الإسلاميَّة، حكومات وشعوبًا، إلى الخروج من دائرة التنديد إلى دائرة الفعل، وتحمُّل المسؤوليَّة الكاملة في نصرة فلسطين ماديًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا وقانونيًّا، وتفعيل الآليات الدوليَّة لملاحقة مجرمي الحرب، ووقف سياسات الاحتلال، وإسناد الشعب الفلسطيني بكل الوسائل الممكنة في معركته الوجوديَّة.
ويوجه المجمع نداءً إلى المجتمع الدولي، وإلى كل أحرار العالم، أن يقوموا بواجبهم الإنساني في إنقاذ شعب يُباد على مرأى ومسمع العالم، وأن يكفّوا عن سياسة الكيل بمكيالين، وأن يترجموا الشعارات إلى أفعال، احترامًا لكرامة الإنسان، وصونًا للسلم العالمي، وإنقاذًا للضمير الإنساني من الشلل.
وأمام هذا المشهد المظلم، لا ينسى المجمع أن يبث في النفوس الأمل، ويذكّر الأمة بوعد الله القاطع الذي لا يتخلف: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}، فإن الاحتلال مهما طال زائل، والظلم وإن تجبَّر مهزوم، وإن مع العسر يسرا، وما النصر إلا من عند الله.
فصبرًا يا أهل فلسطين، فإنكم على الحق، وإن دماءكم لن تذهب سُدى، وإن نصر الله آتٍ لا محالة، والعاقبة للمتقين، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي
الدوحة 10 من شهر ذي القعدة لعام 1446هـ الموافق 8 من شهر مايو لعام 2025م
اقرأ ايضا
آخر الأخبار










