بيان مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن العدوان على فلسطين المحتلة
8 مايو، 2025
 | 

الحمدلله‭ ‬رب‭ ‬العالمين،‭ ‬والصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬على‭ ‬المبعوث‭ ‬رحمة‭ ‬للعالمين،‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد،‭ ‬خاتم‭ ‬النبيين‭ ‬وإمام‭ ‬المرسلين،‭ ‬وعلى‭ ‬آله،‭ ‬وصحبه‭ ‬أجمعين،‭ ‬وبعد،

فإن‭ ‬مجلس‭ ‬مجمع‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬السادسة‭ ‬والعشرين‭ ‬المنعقد‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الواقعة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬6‭ – ‬10‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬ذي‭ ‬القعدة‭ ‬لعام‭ ‬1446هـ،‭ ‬الموافق‭ ‬4‭ – ‬8‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬لعام‭ ‬2025م‭ ‬بمدينة‭ ‬الدوحة‭ ‬بدولة‭ ‬قطر،‭ ‬وانطلاقًا‭ ‬من‭ ‬مسؤولياته‭ ‬الشرعيَّة‭ ‬والإنسانيَّة،‭ ‬والأخلاقيَّة،‭ ‬واستنادًا‭ ‬إلى‭ ‬مرجعيته‭ ‬الفقهية‭ ‬العليا،‭ ‬ومكانته‭ ‬العلميَّة‭ ‬الراسخة،‭ ‬يُعرب‭ ‬عن‭ ‬بالغ‭ ‬قلقه،‭ ‬ورفضه،‭ ‬واستنكاره‭ ‬الشديد،‭ ‬لما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الشقيق‭ -‬في‭ ‬عموم‭ ‬الأرض‭ ‬المحتلة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭- ‬من‭ ‬عدوان‭ ‬إسرائيلي‭ ‬وحشي‭ ‬متواصل،‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬البشاعة‭ ‬والتجرد‭ ‬من‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬مبلغًا‭ ‬لا‭ ‬نظير‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر،‭ ‬وأفضى‭ ‬إلى‭ ‬مجازر‭ ‬جماعيَّة،‭ ‬ودمار‭ ‬شامل،‭ ‬وانتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وخرق‭ ‬فاضح‭ ‬لكل‭ ‬المواثيق‭ ‬الدوليَّة‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقيَّة‭.‬

ففي‭ ‬مشهد‭ ‬يفطر‭ ‬القلوب،‭ ‬ويهز‭ ‬ضمير‭ ‬العالم،‭ ‬تستمر‭ ‬آلة‭ ‬حرب‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬الأبرياء،‭ ‬نساءً‭ ‬وأطفالًا‭ ‬وشيوخًا،‭ ‬وتدمير‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمدارس‭ ‬ودور‭ ‬العبادة،‭ ‬وإحكام‭ ‬الحصار،‭ ‬وتجويع‭ ‬السكان،‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬والدواء‭ ‬والغذاء،‭ ‬حتى‭ ‬تجاوز‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء‭ ‬والجرحى‭ ‬والمفقودين‭ ‬مائة‭ ‬وثمانين‭ ‬ألفًا،‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬مكتملة‭ ‬الأركان‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬إلا‭ ‬بأنها‭ ‬إبادة‭ ‬جماعيَّة‭ ‬مبرمجة،‭ ‬وعقاب‭ ‬جماعي‭ ‬لشعب‭ ‬بأسره،‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬إلا‭ ‬لأنه‭ ‬يتمسك‭ ‬بأرضه،‭ ‬ويدافع‭ ‬عن‭ ‬كرامته،‭ ‬ويرفض‭ ‬الاحتلال‭.‬

ويؤكد‭ ‬المجمع‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬غزة‭ ‬اليوم،‭ ‬وسائر‭ ‬مدن‭ ‬فلسطين،‭ ‬ليس‭ ‬عدوانًا‭ ‬طارئًا،‭ ‬بل‭ ‬حلقة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الجرائم،‭ ‬والاعتداءات‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تهويد‭ ‬الأرض،‭ ‬وتشويه‭ ‬التاريخ،‭ ‬وطمس‭ ‬الهوية،‭ ‬وفرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬بالقوة‭ ‬والإرهاب،‭ ‬ويُدين‭ ‬بأشد‭ ‬العبارات‭ ‬التصريحات‭ ‬الاستفزازيَّة،‭ ‬والدعوات‭ ‬المتكررة‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬استخفاف‭ ‬صارخ‭ ‬بكل‭ ‬القيم‭ ‬الدينيَّة‭ ‬والإنسانيَّة،‭ ‬واعتداء‭ ‬فجٍّ‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭.‬

إن‭ ‬صمود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الباسل،‭ ‬وتشبثه‭ ‬بأرضه‭ ‬رغم‭ ‬الجراح،‭ ‬وتمسكه‭ ‬بحقه‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬والدفاع،‭ ‬لهو‭ ‬شهادة‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب،‭ ‬وعدالة‭ ‬قضيته،‭ ‬وصدق‭ ‬نضاله،‭ ‬وإرادة‭ ‬الحياة‭ ‬المتجذرة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬تاريخه‭ ‬ووجدانه‭.‬

وإزاء‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬المأساوي،‭ ‬يؤكد‭ ‬المجمع‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬أن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬المبارك،‭ ‬وعن‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬وتمكين‭ ‬أهلها‭ ‬من‭ ‬إقامة‭ ‬دولتهم‭ ‬المستقلة‭ ‬على‭ ‬ترابهم‭ ‬الوطني،‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشريف،‭ ‬هو‭ ‬فريضة‭ ‬شرعية،‭ ‬وضرورة‭ ‬إنسانيَّة،‭ ‬واستحقاق‭ ‬قانوني‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬التنازل‭ ‬ولا‭ ‬التأجيل‭.‬

ويُعرب‭ ‬المجمع‭ ‬عن‭ ‬تقديره‭ ‬البالغ‭ ‬للجهود‭ ‬الدبلوماسيَّة‭ ‬المشكورة‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬اللجنة‭ ‬الوزاريَّة‭ ‬الإسلاميَّة‭ ‬العربيَّة‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬القمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بقيادة‭ ‬المملكة‭ ‬العربيَّة‭ ‬السعوديَّة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬مشروع‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬المستقلة،‭ ‬كما‭ ‬يثمِّن‭ ‬المساعي‭ ‬المخلصة‭ ‬لدولة‭ ‬قطر‭ ‬وجمهوريَّة‭ ‬مصر‭ ‬العربيَّة‭ ‬في‭ ‬الوساطة،‭ ‬وتخفيف‭ ‬معاناة‭ ‬المدنيين،‭ ‬ووقف‭ ‬نزيف‭ ‬الدم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة،‭ ‬وتثبيت‭ ‬دعائم‭ ‬التهدئة،‭ ‬وفتح‭ ‬المسارات‭ ‬الإنسانيَّة،‭ ‬وفقًا‭ ‬لقرارات‭ ‬الشرعيَّة‭ ‬الدوليَّة،‭ ‬وانتصارًا‭ ‬للحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأصيل‭.‬

كما‭ ‬يدعو‭ ‬المجمع‭ ‬الدول‭ ‬الإسلاميَّة،‭ ‬حكومات‭ ‬وشعوبًا،‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬التنديد‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬الفعل،‭ ‬وتحمُّل‭ ‬المسؤوليَّة‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬نصرة‭ ‬فلسطين‭ ‬ماديًّا‭ ‬وسياسيًّا‭ ‬وإعلاميًّا‭ ‬وقانونيًّا،‭ ‬وتفعيل‭ ‬الآليات‭ ‬الدوليَّة‭ ‬لملاحقة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب،‭ ‬ووقف‭ ‬سياسات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وإسناد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة‭ ‬في‭ ‬معركته‭ ‬الوجوديَّة‭.‬

ويوجه‭ ‬المجمع‭ ‬نداءً‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬وإلى‭ ‬كل‭ ‬أحرار‭ ‬العالم،‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بواجبهم‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬شعب‭ ‬يُباد‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬العالم،‭ ‬وأن‭ ‬يكفّوا‭ ‬عن‭ ‬سياسة‭ ‬الكيل‭ ‬بمكيالين،‭ ‬وأن‭ ‬يترجموا‭ ‬الشعارات‭ ‬إلى‭ ‬أفعال،‭ ‬احترامًا‭ ‬لكرامة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وصونًا‭ ‬للسلم‭ ‬العالمي،‭ ‬وإنقاذًا‭ ‬للضمير‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬الشلل‭.‬

وأمام‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬المظلم،‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬المجمع‭ ‬أن‭ ‬يبث‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬الأمل،‭ ‬ويذكّر‭ ‬الأمة‭ ‬بوعد‭ ‬الله‭ ‬القاطع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتخلف‭: {‬وَلَيَنصُرَنَّ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مَن‭ ‬يَنصُرُهُ‭}‬،‭ ‬فإن‭ ‬الاحتلال‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬زائل،‭ ‬والظلم‭ ‬وإن‭ ‬تجبَّر‭ ‬مهزوم،‭ ‬وإن‭ ‬مع‭ ‬العسر‭ ‬يسرا،‭ ‬وما‭ ‬النصر‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭.‬

فصبرًا‭ ‬يا‭ ‬أهل‭ ‬فلسطين،‭ ‬فإنكم‭ ‬على‭ ‬الحق،‭ ‬وإن‭ ‬دماءكم‭ ‬لن‭ ‬تذهب‭ ‬سُدى،‭ ‬وإن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬آتٍ‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬والعاقبة‭ ‬للمتقين،‭ ‬والله‭ ‬غالب‭ ‬على‭ ‬أمره،‭ ‬ولكن‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭.‬

وصلى‭ ‬الله‭ ‬وسلم‭ ‬على‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد،‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وصحبه‭ ‬أجمعين‭.‬

مجلس‭ ‬مجمع‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭ ‬الدولي

الدوحة‭ ‬10‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬ذي‭ ‬القعدة‭ ‬لعام‭ ‬1446هـ‭ ‬الموافق‭ ‬8‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬لعام‭ ‬2025م

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى