الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
استعرضت أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجزع بالغ الأحداث المؤلمة المتمثلة في الاقتتال بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا، حتى آل أمرهم إلى القيام بتفجيرات استهدفت المساجد والكنائس ومؤسسات الدولة المختلفة، وأسفرت عن مقتل العشرات من الموطنين، صغارا وكبارا، أطفالا ونساء، دون التفات إلى النداءات التي تنطلق من علماء الإسلام والهيئات العلمية والدينية داعية إلى الكف عنها.
لقد كان الكثيرون من أهل نيجيريا من ذوي السبق إلى الدخول في الإسلام في القرن الأوّل الهجري/ التاسع الميلادي، ومنذ قرون متطاولة يتعايشون بسلام وأمان، مسلموهم ومسيحيوهم، وعمّ فيهم التسـامح وقبول الآخر، واحترموا الخصوصيات الدينية على اختلافها، وعليهم الآن أن يستمروا كما كانوا عليه؛ التزاما بالمبدأ القرآني: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[من الآية256،سورة البقرة]، وليكن شعارهم قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90]. والحق سبحانه وتعالى يقول لأهل الإسلام: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الآية8،سورة الممتحنة]. ومعلوم أن البر هو أعلى درجات حسن المعاملة، والقسط هو أعلى درجات العدالة.
ولا شك أن الممارسات العدوانية التي تحدث الآن تترتب عليها مفاسد عظيمة وفتن كبيرة، وتفتح الأبواب للمتربصين بهذه الدولة المهمة في قارة إفريقيا لتنفيذ مؤامراتهم التي تلحق الضرر بمواطنيها أجمعين. ومجمع الفقه الإسلامي الدولي انطلاقا من موقعه الإسلامي، ومن إحساسه بواجب العلماء الناصحين يدين هذه الجرائم ويدعو إلى التوقف عنها فورا؛ حفظاً للدماء والنفوس التي عصمها الله عز وجل وحرّمها، ويُذكِّر بالنهي الوارد عن قتل غير المسلمين من المعاهدين والمستأمنين فيما رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)[أخرجه البخاري]. فكل من دخل بلاد الإسلام بأمان، فإنه يجب تأمينه حتى يرجع إلى بلاده، لقول الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)[من الآية6،سورة التوبة]. وفي الحديث دليل على أن قتل المعاهدين والمستأمنين يعتبر من كبائر الذنوب وأن عقوبته مغلظة. كما لا يجوز للمسلم إعانة أحد على هدر دماء الأبرياء من غير المسلمين، لأنّه يعتبر تعاونا على الإثم والعدوان. وإذا جرى من مواطن غير مسلم اعتداء أو جناية فيجب أن يحال للعدالة لتتولى إصدار حكمها فيه، لا أن يُقدم بعض عامة المسلمين على قتله وإيقاع العقوبة عليه.
وبناء على توجيهات الشرع الحنيف كتابا وسنة، فإن المجمع بالإضافة يؤكد على ما يأتي:
أولاً: لا يجوز شرعاً قتل غير المسلم المستوطن أو الوافد المستأمن الذي يدخل الدولة أو يعيش فيها آمنا.
ثانياً: إن الجميع مدعوون إلى الوقوف صفا واحدا أمام محاولات إثارة الصراع والتوتر بين المسلمين والمسيحيين، وهو ما يوجب على المرجعيات الإسلامية والمرجعيات المسيحية التدخل ببذل كل ما في وسعها لإيقاف هذا المسلسل الدامي الخطير، الذي لن يخرج منه غالب، ولن تحظى من ورائها أية جهة بمكسب، والعمل على إزالة أي توتر ديني ونزاع مذهبي بين شعب نيجيريا.
ثالثاً: إن جميع مواطني نيجيريا مسلمين ومسيحيين، ولاة أمر ومحكومين، زعماء القرى وسكانها، شيوخ القبائل وأفرادها، مطالبون شرعاً بتغليب المصلحة العليا للشعب النيجيري، وبدرء المخاطر عنه، وبتحمل مسؤولياتهم في بذل كل جهد ممكن، والقيام بالواجب الديني والوطني للإصلاح بين الأطراف المتقاتلة.
رابعاً: يناشد المجمع الدول الإسلامية والدول الصديقة والمنظمات المعنية لمساعدة نيجيريا على الخروج من أزمتها، للعودة إلى دورها المنشود.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي
الأستاذ الدكتور أحمد خالد بابكر
اقرأ ايضا
آخر الأخبار