بيان مجمع الفقه الإسلامي الدولي يستنكر تخاذل المجتمع الدولي لإنهاء أزمة الشعب السوري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

لازالت وبكل مرارة وأسف تداعيات “القضية السورية” التي مضى عليها ما يزيد عن “أربعة سنوات ونصف” تتفاقم لحد يفوق الوصف والخيال المأساوي من تدمير شبه تام للمدن والأرياف السورية، وقتل وتشريد وتهجير لأهلها داخل سورية وخارجها, وها نحن نشهد بكل صدمة وحزن وأسف، والعالم يتابع معنا لقطة أخرى من المآسي الإنسانية الكبرى عبر صورة جثة الطفل “إيلان الكردي”, وهو ملقى على وجهه قذفته الأمواج البحرية على شاطئ البحر المتوسط, وقد قضى غريقا مع شقيقه ووالدته، وسلسلة الفواجع من الغرقى في البحار تتابع منذ عامين من المهجرين في قوارب التهريب بحثا منهم عن الأمان والكرامة والحرية الإنسانية وحق الحياة الذي يفتقدونه, ومنهم من قضى اختناقا داخل شاحنة على حدود دولة أوربية, دون أن يتحرك العالم بقوة وحزم لإنهاء أسباب الفواجع, وتوقيف المسؤول عن أهوالها.

إن مجمع الفقه الإسلامي الدولي يطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤلياته القانونية والأدبية والإنسانية والعسكرية تجاه هذه المأساة الأكبر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية, وفق تقارير الأمم المتحدة, ويشدد على ضرورة التحرك الدولي والإقليمي العاجل لإنهاء أزمة الشعب واللاجئين السوريين من جذورها, وتأمين الحماية للشعب السوري في وطنه بتوفير مناطق آمنة، وفرض حظر على الطيران والصواريخ طويلة المدى، وتمكين هذا الشعب الأبي من حريته وأمنه، وحقوقه وكرامته، مما سيضع حداً لتداعياتها المأساوية داخل سورية وخارجها، وذلك بدل الصمت العالمي والإقليمي المريب السائد حتى الآن تجاه هذه المأساة التي طال ليلها واشتد أوارها، وعظمت فواجعها، والشعب السوري يقضي العشرات منه في كل ساعة حرقا أو تحت أنقاض الدمار وأهوال الخراب والنار، أو الغرق في طريق الهجرة لملاذ آمن، أو الموت من ضراوة البرد والحرمان، بينما العالم كله يكتفي بمشاهدتهم وهم يئنون أو يموتون دون أن يتحرك بوازع من ضمير أو إنسانية لإنقاذهم وحل القضية من جذورها، وستبقى هذه المأساة وصمة عار في جبين الإنسانية والمجتمع الدولي لما اقترفوه من تقصير وإهمال إلى حد اللامبالاة والعبثية السياسية في معالجة القضية السورية!.

كما يحذر المجمع من تداعيات خطيرة محلية وإقليمية وعالمية نتيجة المواقف السلبية الدولية والإقليمية تجاه هذه المأساة المريعة والتي قد يصعب تداركها ومعالجتها فيما بعد.

يناشد مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدول الإسلامية، وجميع دول العالم، والمؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الاستجابة الإنسانية الفورية لأنين الأمهات وآهات الخائفين وآلام الجرحى واستغاثة المشردين وصرخات المقهورين، وذلك بنجدتهم وحمايتهم، والوقوف معهم في مطالبهم المشروعة في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، و فتح الحدود لللاجئين منهم المهجرين من بلدهم، وتوفير ملاذات آمنة لهم تتفق وكرامتهم الإنسانية، باعتبار ذلك من أوليات حقوق الإنسان وقت الحروب والكوارث والأزمات.

يعبر مجمع الفقه الإسلامي الدولي عن شكره وتقديره للدول الغربية التي فتحت حدودها واستقبلت المهجرين السوريين، ووفرت لهم المخيمات، واقتطعت من ميزانياتها الوطنية مبالغ لذلك، وكذلك الدول التي تسهم عبر برامج الإيواء والإغاثة الغذائية، والرعاية الطبية والتعليمية في رعاية المهاجرين في بلدان الجوار، ويحثها على المزيد من العطاء والمساندة لأكبر كارثة إنسانية منذ منتصف القرن العشرين.

يؤكد المجمع تأييده لما ورد في بيان معالي الأستاذ إياد مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي من “أن جثمان الطفل الصغير إيلان، الذي ألقت به الأمواج على الساحل جثة هامدة، قد عطل لغة الكلام وأخرس كل الألسنة”، وتأكيده أن “هذه الأزمة ليست أزمة سورية أو شرق أوسطية أو أوروبية أو إسلامية، بل هي أزمة إنسانية عالمية تروح ضحيتها أرواح بشرية غالية.”، وتنويه معاليه بجهود “العديد من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ومن أبرزها تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر،” وتحملها العبء الأكبر لتدفق اللاجئين من سوريا، وما خصصته جميعها من موارد ضخمة لإيواء أكثر من “أربعة ملايين” منهم فوق أراضيها، مؤكدا “سعي المنظمة وبالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومع غيره من الشركاء الإنسانيين، إلى مد يد العون لضحايا النزاع في سوريا. إلا أن سرعة تفاقم أزمة اللاجئين السوريين وتعرضهم للوصم من طرف البعض بسبب الدين، أو للمنع من الدخول أو التجاهل معاً من طرف آخرين، كل ذلك يحتم علينا بذل المزيد من الجهود والعمل سوية في هذا الصدد.”، وكذلك مناشدة معاليه المجتمع الدولي برمته “أن يسقط كل الاعتبارات من حساباته، باستثناء “الروح الإنسانية” و”الكرامة الإنسانية”، في معالجته لأزمة اللاجئين السوريين. وأود كذلك أن أذكّر كل البلدان بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية بموجب القانون الدولي بمساعدة هؤلاء.”

ويقدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي عاليا تأكيد معالي الأمين العام عن “استعداد منظمة التعاون الإسلامي للتعاون مع الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، ومع غيرهم من الشركاء الآخرين بغية تسهيل جهود توطين اللاجئين السوريين وإعادة توطينهم وإدماجهم داخل الأماكن التي يمكنهم العيش فيها بأمن وكرامة.

ولكي يتسنى وقف هذه المأساة الإنسانية الكبرى في عصرنا، بكل تجلياتها وأسبابها العميقة، يجب علينا العمل سوية وعلى وجه السرعة”.

إن الأزمات والمصائب والكوارث التي تحل بالشعوب هي التي تكشف مدى صدق التزام الدول والأفراد بالقيم الإنسانية والمبادئ السامية، والوعي الإيماني الأصيل.

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل:

(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة آل عمران: 104

 

أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي

اقرأ ايضا

آخر الأخبار