امتدادًا لسلسلة المحاضرات التي القاها معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو الأمين العام للمجمع في إطار الانشطة الموازية للدروس الحسنية المنيفة ألقى معاليه محاضرة بعنوان “دور الفاعل الديني في التعامل مع القضايا المعاصرة” بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات وذلك يوم الإثنين 14 رمضان 1445هـ موافق 25 مارس 2024م بالعاصمة المغربية الرباط.
هذا وقد استهل معاليه محاضرته بتقديم تعريف مبسط للفاعل الديني قائلاً: “إن الفاعل الديني هو الإمام، هي المرشدة، هو القائد، وهو الموجه، بل هو المرشد، وهو المسدد بالنسبة لكل الأمم، والأمم بكثرة مشاكلها وقضاياها وتكاثر تقلباتها وتطوراتها وتغيراتها دائمًا بحاجة إلى هؤلاء، هم الذين يقدمون لها النصح والتوجيه والإرشاد والترشيد والتسديد، وهم ممن ينطبق عليهم قوله جل جلاله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33] أي: أنه ليس هناك أفضل من الدعوة إلى الله، وإرشاد الناس ودلهم على الخير”، موضحًا أن هذه المهمة الإلهية المقدسة تحتاج إلى مقومات ومرتكزات ينطلق منها ويستند إليها الفاعل الديني في المجتمع، ويكون ممن تصدُق عليهم هذه الآية المباركة: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النحل: 125] حيث ينطلق في تعامله مع هذه القضايا مستحضرًا الحكمة، مستمسكًا بالموعظة الحسنة، متكئًا على المجادلة بالتي هي أحسن، ولا يحيد عن هذه المنهجية العلمية، أوعن هذه القواعد النبوية الناصعة القويمة التي لن يجد لها بديلًا، وكل ما حاد عنها الفاعل الديني، حاد عنها الإمام أو حادت عنها المرشدة، فإنها لن تتمكن من تحقيق الغاية والمقصد من هذه الدعوة التي أؤتمن بها.
كما تحدث معاليه عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها بالفاعل الديني قائلا: ” ليستذكر الداعي والفاعل الديني والفاعلة الدينية على أن كل كلمة يقولها يجب أن تكون هذه الكلمة موجّهة، منسوبة، مسددة بالحكمة، والحكمة وضع الشيء في محله المناسب له، أي: يتكلم إذا كان الكلام سيحقق مقصدًا، وسيعود بالنفع على المتكلم والمتكلَّم والمخاطب وعلى المجتمع، ويسكت ويصمت إذا كان يترتب على كلامه ما يجلب المفسدة، وما يجلب المضرة بهذا المجتمع،(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)”
وأضاف قائلا: ” يجب على الفاعل الديني أن يتعامل مع القضايا بحكمة، وأن ينظر إليها من هذا المنظار، وأن الحكمة تؤدي إلى الموعظة الحسنة، وإن الموعظة الحسنة نتيجة من الحكمة التي تجعلك تختار العبارات المناسبة، تختار المواقف الملائمة، تتجنب التشهير، تتجنب التعيير، تتجنب الاعتداء على الآخر، وتخلص لله – جل جلاله – في هذه المهمة النبوية السامية، في هذه المهمة التي تشرف بها – صلى الله عليه وسلم – والموعظة ليست ذاك الذي يؤجج المشاعر ويدفع الناس إلى بعض الحجج الشرعية التي لا تبنى على علم، لا تعالج مشكلة ولا تقدم حلًا لإشكال في المجتمع” .
كما دعا معاليه في محاضرته إلى الاقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم – والسير على خطاه في منهجه حيث كان يتجنب التشهير بمن يقع في محظور أو مخالفة شرعية، ويدعوه بالحكمة والموعظة الحسنة التي تكون غاية الواعظ أو الواعظة فيها إصلاح من تورط في معصية أو في مخالفة، ولاتكون غايته التشهير به، ولا التشهير بالحكّام ولا بالعوّام ولا بمن يتعامل معه، ولكنها تنبيه وترشيد وتوجيه لهذا الإنسان، كما دعا معاليه الفاعل الديني بالتحلي بسمة اللين في تعامله مع الناس والبعد عن الغلظة والفظاظة التي هي ليست سمة من سماته، وأن يستحضر الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، كما كان منهجه- صلى الله عليه وسلم –، ومنطلق دعوته، والتي جعلت الناس يأتون إليه لا يريدون أن يفارقوه، ولا يريدون أن يتركوا مجلسه، لما كان يلمسون منه من لين الجانب، فقد كان – صلى الله عليه وسلم – كان ليّنا، كان رفيقًا، وكان – صلى الله عليه وسلم – رؤوفًا.
كما تحدث معاليه عن المجادلة بالتي هي أحسن وهي الصفة الثالثة والأخيرة لهذا الفاعل الديني قائلاً: ”إن المجادلة بالتي هي أحسن، أي: الحوار والتحاور والتحادث والمحادثة والتثاقف والتفاكر والتدارس مع الآخر، وهو احترام الآخر، وهو قبول الاختلاف، وهو العمل والإيمان بأن الآخر قد يكون مصيبًا في رأيه، وقد تكون أنت مخطئا، هذه المجادلة بالتي هي أحسن، تجعل الإنسان يترفع عن الاعتزاز بنفسه، عن الاحتقار وعن غمط الآخرين، وعن الازدراء وعن التعالي على من يحاوره. إنه الحوار الذي يتعلمه الإنسان في بيته مع أولاده، مع زوجته، مع أقاربه، مع إخوانه، مع جيرانه، مع كل من يتعامل معه، ويحاوره بالتي هي أحسن”.
وأوضح معاليه أن الفاعل الديني الذي يحمل هذه المواصفات، إنه حكيم في أقواله، وفي سلوكه، وفي تصرفاته، وإنه واعظ بارع في كلماته، في مفرداته، ومحاور متمكن في تصرفاته، لن تعجزه قضية من القضايا، ولن تكون هنالك قضية من القضايا المعاصرة التي ستمنعه من التعامل معها تعاملًا أمثل، محذرًا في الوقت نفسه من التسرع بالإفتاء أو بالحكم على القضايا التي تحدث في مجتمعاته، وخاصة في المسائل التي تعرف بالمسائل العامة التي يتصدى لها عامة أهل العلم من الاجتهاد والإفتاء، وتتصدى لها المؤسسات المؤهلة للقيام بهذه ، لأنه ليس مسؤولا، وليس مفتيًا، انما تقتضي مهمته التوعية، والتوجيه، والتسديد، والتبليغ، يقوم بهذه المهام مستحضرًا الحكمة، والموعظة الحسنة، ملتزمًا بالمجادلة بالتي أحسن على التبليغ والدعوة والتعامل، لأن الفتوى صناعة، ليست في مقدور كل أحد ممارستها، ولكن من أراد أن يقوم بهذه المهام فيجب أن تتوافر فيه بعض الشروط، ويتمكن من العلوم ومن الأدوات ومن الآداب التي تمكنه منها، لأنه مهما بلغ علمه يظل محدودًا في نظرته، محدودًا في إمكاناته، محدودًا في إدراكه لبعض هذه القضايا، وبحاجة إلى غيره، بحاجة إلى عامة المجتهدين، إلى عامة المؤهلين لممارسة الفتوى.
وفي ختام محاضرته جدد معاليه التذكير على دور الفاعل الديني والأدوار المطلوبة منه في المجتمع، وهي أن يوضح للناس، وأن يبرز للناس هذه المحاسن التي خص الله بها الفاعلين الدينيين، والذي خص الله بها الدعاة المخلصين، حتى يصبح المجتمع فيه مجتمعًا سليمًا، مجتمعًا متعاونًا متضامنًا، مجتمعًا متساندًا، مجتمعًا بعيدًا عن التكفير، بعيدًا عن العنف، والتطرف، بعيدًا عن الغلوّ، والتعصب، وبعيدًا عن كل ما يسيء إلى الاستقرار وانتظام أمر الأمة، متمسكين بمنهجه – صلى الله عليه وسلم -.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار