كلمة معالي الأمين العام حول مباركته نجاح القمة الإسلامية الاستثنائية المنعقدة بمكة المكرمة

الحمد لله، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

يشرفنا أن نرفع التهاني والتبريكات لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، حفظه الله ورعاه، ولقادة جميع الدول الإسلامية بمناسبة نجاح القمة الإسلامية الاستثنائية التي تعتبر بحق من أهم القمم التي عقدتها منظمة المؤتمر الإسلامي، فقد كان الإعداد لها مبنيا على تصورات وتوصيات موضوعية وعلمية متجردة أبداها مئات من المفكرين والعلماء الممثلين لشعوبهم بحرية ونزاهة، وكان من فضل الله على المسلمين أن جمع قادتهم في أقدس بقعة على وجه الأرض، بكل محبة وإخلاص، وقد جاءت توصيات المؤتمر وقراراته ملبية لما كان يطمح إليه علماء الأمة الإسلامية وشعوبها، وأخص بالذكر إصدار بلاغ مكة المكرمة واعتماد برنامج العمل العشري المقدم من معالي الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام للمنظمة، وفقه الله. وهي كلها تشير إلى عزم وإصرار كبيرين على العمل بقوة وعلى كل الساحات.

وتتلخص نتائج مؤتمر القمة في الرسالة الواضحة التي أدانت الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، وأكدت للعالم أن الإسلام هو دين الوسطية الذي يرفض الغلو والتطرف والانغلاق، ثم تصميم هذه الدول على التصدي للفكر المنحرف، وتطوير المناهج الدراسية بما يرسخ القيم الإسلامية في مجالات التفاهم والتسامح والحوار والتعددية، وتلك رسالة جلية واضحة لا تقبل التأويل وتقطع الطريق أمام كل من استغل الإسلام لتشويه صورته السمحة.

والمطلوب من الجميع بعد هذه الإدانة الجماعية أن يتصدّوا لظاهرة كراهية الإسلام المتنامية وأن يجرموها، ولظاهرة الإرهاب الذي لا يعرف ديناً ولا شعباً بل هو مما ابتلي بها المجتمع الدولي كله وفي مقدمته دول العالم الإسلامي.

وإنا في مجمع الفقه الإسلامي الدولي لنرحب بالرؤية الجديدة التي قُدمت في مؤتمر القمة الاستثنائي لتطوير مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وتفعيل دوره، والتي تتكون من نقاط أهمها:

  • أن يكون المجمع مرجعية فقهية عليا للأمة الإسلامية، وفي هذا الصدد، يجب اعتماد الكفاءة والأهلية الفقهية والعلمية، باعتبارها معايير للمشاركة في عضوية المجمع.
  • ضمان التنسيق بين هيئات الإفتاء في العالم الإسلامي، من خلال مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
  • تأسيس الفتاوى على رأي الخبراء والمتخصصين من المجمع، وتمكين المجمع من تعيين باحثين متفرغين لتحسين عمله.
  • ضمان إشراك المرأة العالمة في عضوية المجمع، وفقاً لأهليتها الفقهية وكفاءتها العلمية.
  • تأسيس وقف للمجمع تخصص له موارد كافية، يستفاد من ريعها في تمكين المجمع من الاضطلاع بمهامه.
  • وإن مجمع الفقه الإسلامي الدولي لهو الجهاز الشرعي والديني لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد كان تأسيسه منذ ما يقارب خمسة وعشرين عاما، وكان الهدف الرئيس للمجمع والدور البارز المنوط به هو تحقيق الوحدة الإسلامية، وترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، وتوجيههم في كافة نواحي حياتهم إلى العمل بما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية، ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة، والاجتهاد فيها اجتهادا أصيلا، وتقديم الحلول لها، وعرضها عرضا صحيحا مع إبراز مزاياها.

ويعتبر المجمع مركز أبحاث فقهية متقدم، ومعظم القضايا التي تبحث فيه قضايا مستجدة ومشكلة، تحتاج إلى الدرس والاجتهاد، وتصدر فيها الفتاوى والقرارات بعد المناقشة الجادة والمستفيضة في مراحل عدة، من قبل الفقهاء المتخصصين، وبذلك يكون اجتهادهم جماعيا وهو الأكثر تحريا والأقرب إلى الصواب.

ومن أهم نشاطات المجمع:

عقدُ المؤتمرات الدورية التي يجتمع فيها العلماء والفقهاء الأعضاء والخبراء، وعلى امتداد ست عشرة دورة بلغ عدد عناوين الموضوعات التي عرضت في المؤتمرات (116) ستة عشر ومائة عنوانا، قُدّم فيها (780) ثمانون وسبعمائة بحثا، واتخذ فيها (151) واحد وخمسون ومائة قرارا وتوصية.

وتفصيلا على وجه التقريب: (67) سبعة وستون موضوعا اقتصاديا. و(22) واثنان وعشرون موضوعا طبيا. و(3) ثلاث موضوعات في العبادات. و(3) ثلاث تتعلق بالمذاهب الفكرية. و(4) أربع تختص بالإجراءات القضائية. و(5) خمس في العلاقات الدولية. و(2) اثنان في مسائل من علم الفلك. و(5) خمس أصولية. و(5) خمس في فقه الأسرة.

وعدد آخر من الموضوعات المختلفة، واتسمت كل هذه الموضوعات بالأهمية البالغة، وقد نشرت الأبحاث المقدمة فيها في مجلة المجمع، وفي أوعية إلكترونية خاصة، كما ترجم قسم من القرارات إلى لغات عدة منها: الإنجليزية والفرنسية والأردية والتركية والفارسية والروسية والملاوية والهوسا.

وطريقة البحث في القضايا الفقهية المطروحة على مؤتمرات المجمع تتمثل في تكليف عدد من العلماء بدراستها فقهياً، وتقديم أبحاث أصيلة فيها، ثم تعرض هذه الأبحاث على مجلس مؤتمر المَجمَع، وتناقش ما فيها من أحكام عَلنِيًّا في جلسات المؤتمر، ثم يصدر الحكم الشرعي المجمع عليه في القضية في صيغة قرار.

وبهذه المناسبة نرجو من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي التي لم تعين أعضائها المنتدبين في مجلس المجمع بعد أن تسارع بتعيين أعضائها لنتمكن من الاستفادة بعدد أكبر من علماء الأمة من كافة دولها.

وهناك مشاريع علمية يقوم المَجمَع بالإشراف عليها وتنفيذها، ومن أهمها ما يلي:

1) معلمة القواعد الفقهية:

وهي مشروع علمي ضخم، متمثل في جمع شامل للقواعد الفقهية، واستخراجها من مصادر التراث الفقهي ومراجعه، ويعمل هذا المشروع بالاشتراك مع مؤسسة الشيخ زايد بن سلطان -رحمه الله- للأعمال الخيرية والإنسانية بأبو ظبي.

2) إحياء التراث الفقهي والأصولي:

يهدف هذا المشروع إلى دراسة وتحقيق مصادر التراث الفقهي والأصولي، وقد تم نشر عدد كبير من المصادر والمراجع المهمة المتخصصة في الشريعة الإسلامية.

3) منتدى الفكر الإسلامي:

نظرا للأحداث المتغيرة في شتى المجالات، وأهمها المجالات الفكرية والثقافية والسياسية أنشأنا منتدى للفكر الإسلامي، يلتقي فيه نخبة من رجال العلم والثقافة، لدراسة العديد من القضايا المطروحة على الساحة، والتي تضيق عنها بسبب كثرتها دوراتُ المجمع، والهدف المرجو من هذه الندوات تقديم الوجه الصحيح والسليم للإسلام، وإزالة ما يثيره أعداؤه من شبه ومطاعن، وكذلك النظر فيما يكون للناس رغبة في مناقشته وبيان وجه الحق فيه، وقد نظم المنتدى إلى الآن محاضرات عدة نالت استحسانا في أوساط رجال الفكر الإسلامي ورواده.

وبحمد الله وتوفيقه قدّمنا خلال أكثر من عقدين من الزمن كل ما وسعنا تقديمه من خلال الإمكانات المتاحة، وكنا وما زلنا نمارس عملنا بخطة مدروسة طموحة وسباقة، يشرع بدراستها واقتراحها سنويا أعضاء مكتب المجمع الممثلون للدول الإسلامية، ولدى المجمع مشاريع علمية ضخمة ومهمة ومفيدة، بعض منها لم نتمكن من تنفيذه أو إكماله بسبب ضعف الإمكانات المالية المتاحة، وعدم وجود موارد مالية مستقلة له، من أوقاف واستثمارات وهبات وتبرعات فردية ونحوها، وقد أسعدني كثيرا ورود مطالبة تأسيس وقف للمجمع تخصص له موارد مالية كافية، وذلك في برنامج العمل العشري للمنظمة، وإني لأنتهز هذه الفرصة لمناشدة المجتمع الإسلامي حكومات وأفرادا للتبرع للمجمع ودعم مسيرته بأوقاف وتبرعات خيرية يعم نفعها المسلمين كافة.

وإننا في مجمع الفقه الإسلامي الدولي لنعمل بجد على نشر مبدأ الاعتدال في الفكر والسلوك، وإن موقف المجمع واضح وجلي من قضايا الغلو والإرهاب، فقد أصدرنا عددا من بيانات الاستنكار والإدانة والشجب للحوادث الإرهابية فور وقوعها، كما عقدنا عددا من الندوات المتخصصة واللقاءات العلمية مع جماعة من العلماء والمفكرين.

وإن من أوليات عملنا وخططنا في الفترة القادمة هو التركيز على موضوعات أهمها:

– التقريب بين المذاهب الفقهية.
– وتوحيد الفتوى في العالم الإسلامي في القضايا المهمة التي لا ينبغي أن يصدر فيها صغار المفتين الفتاوى والأحكام.
– وكذلك التركيز على التعريف بالوجه الحقيقي الصحيح للإسلام في كل المجالات الشرعية والفكرية والسياسية.
– بالإضافة إلى القضايا التي نركز عليها اهتماما بالغا، وهي: محاربة الفكر التكفيري وقضايا الإرهاب.
ومما يجدر ذكره أنه تم الإعلان عن عقد الدورة السابعة عشرة، في عمان، المملكة الأردنية الهاشمية، في شهر مايو 2006، والموضوعات التي تم اختيارها هي:

1. “الإسلام بيّنٌ، والمسلم كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” وشأن المذاهب العقدية والفقهية بيان أصول العقيدة والطرق العملية للمكلفين في القيام بأعمالهم وتصرفاتهم الدينية.

2. مؤهلات الإفتاء وشروطه وآدابه.

3. موقف الإسلام من الغلو والتطرف ومن الإرهاب.

4. التوفيق بين التقيد بالثوابت وبين مقتضيات المواطنة للمسلمين خارج ديارهم.

5. استكمال النظر في الصكوك بشتى أنواعها:

‌أ- صكوك التأجير.

‌ب- المواعدة في غير المرابحة وبخاصة المواعدة في الصرف.

‌ج- المواطأة أو التفاهم قبل العقد.

‌د- بيع الديون وبخاصة الصرف في دين السلم.

6. أوضاع المرأة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي.

7. علاقات الدولة الإسلامية بغيرها وبالمواثيق الدولية.

8. الضوابط الشرعية للبحوث الطبية والبيولوجية.

ولا يخفى ما تمت إضافته من القضايا الهامة للدرس إلى المسائل الفقهية الشرعية، بحيث تكون الدورة مستجيبة لرسالتها الفقهية ولقضايا الاجتماع الإسلامي بعامة، مما ألحت عليه هذه القمة الاستثنائية.

ولنا أمل في أن هذه القمة الاستثنائية التي عقدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله سيبزغ عنها عصر جديد من التضامن والوحدة إن شاء الله، ليأخذ المسلمون مكانهم الذي يليق بهم في الحضارة الإنسانية، ويعيد الثقة لهم.

ونتقدم بالشكر لأصحاب الجلالة الملوك ولأصحاب الفخامة الرؤساء ولأصحاب السمو الأمراء ولأصحاب المعالي الوزراء ولحضرة صاحب المعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي لما تحملوه من مسؤوليات جسيمة وبذلوه من جهود مضاعفة مخلصة، وتوصلوا إليه من قرارات وتوصيات صائبة. فالمرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية مرحلة حرجة والتحديات التي تواجهها متنوعة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وعلمية شرعية.

وأملنا هو التعاون الجاد مع التوصيات والقرارات التي أعلنت في البيان الختامي الذي اتفق عليه جميع قادة الأمة وولاة أمرها.

وختاما نشيد بالاهتمام الكبير، والدعم غير المحدود الذي يَشرف به مجمع الفقه الإسلامي الدولي من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- لتفعيل دوره وتطوير آلياته، والحث الدائم على اعتماد قراراته وفتاويه. نسأل الله العلي القدير كل توفيق وسداد.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار