بدعوة كريمة من المكتب الإقليمي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بجنوب شرق آسيا ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي يوم الأحد 25 من شهر شوال لعام 1442 هـ الموافق 6 من شهر يونيو لعام 2021م محاضرة بعنوان مدخل إلى الإصلاح والتجديد ضمن برنامجه الموسوم المخيم الصيفي للتدريب والقيادة.
وقد افتتح معاليه محاضرته بالتعبير عن جزيل شكره وفائق تقديره للجهود التوعوية المقدرة بذلها الجيل المؤسس للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، وعلى رأسهم المفكر الكبير الدكتور عبد الحميد أبو سليمان، والدكتور أحمد توتونجي، والدكتور هشام الطالب، والدكتور عمر كاسولي، والسيد أنور إبراهيم، ومن سبقهم إلى دار النعيم من رفافهم الأجلاء المغفور لهم بإذن الله كالدكتور إسماعيل الفاروقي، والدكتور جمال برزنجي، والدكتور طه جابر العلواني، والدكتورة منى أبو الفضل، وحمد الحاج بلقاسم وغيرهم. فقد أدرك هؤلاء المفكرون في وقت مبكر بأن الأزمات المتشعبة والمعقدة التي تعاني منها الأمة الإسلامية والعالم أجمع في هذا العصر أزمة فكرية في الأساس، ولا تعدو بقية الأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوبة أن تكون في حقيقة الأمر انعكاسات وتجليات للأزمة الأم، أزمة العقل المسلم كما عنوان لها ذات يوم الدكتور أبو سليمان أحد أهم مؤلفاته في بداية التسعينات من القرن المنصرم، منوِّها في هذا الصدد بكون المعهد العالمي للفكر الإسلامي نموذجا لفكر الإصلاح والتجديد على مستوى المؤسسات داخل العالم الإسلامي وخارجه.
ثم تناول معاليه بالتحليل والتقريب المعنى المراد بمصطلحي الإصلاح والتجديد مؤكدا على أهمية الوعي بالمراد بكلا المصطلحين قبل الخوض في تفاصيل المحاضرة. وأشار في هذه الأثناء إلى أن مصطلح الإصلاح في حقيقته يقابل مصطلح الإفساد والفساد، مما يعني أن الإصلاح نقيض الإفساد والفساد، كما يعني أن الإصلاح محاولة جادة تهدف إلى إزالة الفساد وإنهاء الإفساد، وبتعبير آخر يعد الفساد والإفساد حالة طارئة غير أصلية ويجب إزالتها والتخلص منها ليعود الشيء إلى الأصل الذي كان عليه قبل تسرب الفساد و الإفساد إليه.. فعلى سبيل المثال تعد الرشوة فسادا، والكذب فسادا، والكسل فسادا، والغش فسادا الخ.. وإزالة هذا الفساد يعني الإصلاح أي العودة بكل واحد إلى ما كان عليه من قبل، أي العدالة، والصدق، والعمل، والأمانة الخ.. كما أن الفساد في حقيقته مرض وداء لا بد من علاجه، وعلاجه هو الإصلاح. وأما التجديد، فإنه يعني إزالة البلى والقدم على البناء ليعود جديدا كما كان عند نشأته، فالفكر والسلوك والتصرف يصاب بالبلى كما يصاب الثوب والبيت والدار، وإعادة كل هذا إلى وضعه الأول يسمى تجديدا. وأما سبب البلى والقدم فيعود إلى صاحب البيت الذي يهمل الصيانة ويتقاعس عن القيام بواجب الترميم والإصلاح. ومن هنا، فإن الإصلاح والتجديد يتكاملان ويتعاصدان ويتداخلان.
وبالنظر في واقع الأمة والعالم نجد أن الحاجة تدعو إلى القيام بالإصلاح لكثرة الفساد بجميع أصنافه وأشكاله، فهنالك فساد في الاقتصاد، وفي الاجتماع البشري، وفي السياسة، وهنالك فساد في الفكر وفي السلوك وفي الأخلاق، ولا استقرار ولا أمان ولا رخاء ما لم يتم إصلاح هذا الفساد بجميع تجلياته وأشكاله .. ولا بد من تجديد الفكر والمنهج ليقوى على مقاومة الفساد ودحره ودحضه.
ثم أوضح معاليه أن العمل الذي يقوم من يتصدى للإصلاح أشبه بالعمل الذي يقوم به الطبيب، فالمصلح في حقيقته طبيب، وإذا كان من المعلوم أن الطبيب لا يقدم وصفة طبية قبل الكشف عن المريض والتأكد من نوع المرض والدواء المناسب له، لذلك، فإن على المصلح القيام بالمهمة نفسها التي يقوم بها الطبيب بدءا بالتعرف على حقيقة الفساد وسببه وجذوره تمهيدا لتحديد العلاج المناسب له مراعيا درجة الفترة الزمنية المطلوبة للعلاج الناجع.
وعليه، فإن أي إصلاح لا ينطلق من هذا المنهج، فإنه لن يأتي أكله ولن يكتب له النجاح. كما تطرق معاليه إلى أهمية توافر المصلح على قدر كبير من العلم والحلم والحكمة والثبات، مؤكدا على أن العلم هو أساس الإصلاح والتجديد ولا يمكن لأحد ممارسته إذا لم يكن عالما بحقيقة الفساد ودرجته وجذوره، كما أنه لا يمكن له تحديد العلاج المناسب إذا كان جاهلا، فضلا عن أن المصلح بحاجة إلى التحلي بالحِلم والأناة وعدم التعجل والتسرع تماما مثل الطبيب الذي يعطي المريض الدواء على جرعات لفترات ممتدة في الزمن.
كما أوضح معاليه أن قوله تعالى 《ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن تقرير لأهم مرتكزات الإصلاح، وأسس الدعوة، وركائز التجديد. فالتزام المصلح والمجدد والداعية بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالحسنى صمام الأمان، وضمان النجاح، وعنوان التوفيق. ولهذا لا بد لكل من يريد القيام بهذه المهمة الربانية الخالدة أن يلازم هذه المرتكزات وينطلق منها ليحقق الأهداف والغايات المنشودة من الإصلاح والتجديد والدعوة.
وختم معاليه محاضرته بتكرار الدعوة إلى الابتعاد عن استيراد الحلول الجاهزة، وإسقاط التجارب على الواقعات المخالفة، وليس أضر على الإصلاح والتغيير والتجديد من آفة التعميم والإسقاط، والتعجل والتسرع.. كن مثل الطبيب إذا كنت تريد أن تكون مصلحا ناجحا، ومجددا بارعا.. تعرف على الحقائق التي تعيش فيها، وتعرف على وسائل الإصلاح والتجديد المتاحة، وتعرف قبل ذلك كله على حقيقة الفساد وجذوره وأسبابه، ثم تسلح بالمرتكزات المشار إليها آنفا. وهكذا اختتم معاليه محاضرته التي دامت لساعة ونصف، أجاب من خلالها على العديد من التساؤلات والاستفسارات التي طرحها المشاركون من مختلف بلدان جنوب شرق آسيا.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار