الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
تابعت أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بتمثيله الواسع لعلماء الأمة وفقهائها من داخل العالم الإسلامي وخارجه، ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة، حول ما نشرته بعض وسائل الإعلام الصهيونية، من إساءات للسـيد المسيح عليه السلام، وأُمه السيدة مريم البتول عليها السلام.
وإن أمانة المجمع باسم علماء الأمة وفقهائها، تستنكر بشدة تلك الإساءات، انطلاقا من إيمان المسلمين بنبوة السيد المسيح وبرفعة منزلته رسولاً من عند الله سبحانه وتعالى، وبعظيم مكانة أُمه الصديقة عليها السلام، وإيمانهم بجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وذلك أن أي إساءة لأي نبي أو رسول تعتبر خروجا للمسلم من الإسلام، ولا يقبل صدوره من أي شخص بحال من الأحوال، قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(البقرة: 285)، وقال تعالى: (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(المائدة: 75). وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)(الصف: 6)، وقال عز وجل: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَـمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)(آل عمران: 42،43).
ولا يصح الاختباء في هذا المجال وراء ما يسمى بحرية التعبير أو حرية الرأي، لأن مثل تلك الإساءات ليست من هذا الباب، فلا بد عند ممارسة الحرية من احترام الآخرين وعدم العدوان عليهم.. وإلا كانت الفوضى، وهو مبدأ مستقر في علاقات الأمم والشعوب، وهذه الأعمال ليست إلا اعتداء على الحرمات التي تمثلها الأديان جميعا، كما إنه إساءة لمشاعر المؤمنين بتلك الأديان، هدفه تحطيم القيم الدينية والخلقية لإفساد المجتمع الإنساني.
وإن هذا يأتي في إطار الهجمة الشرسة على الأديان ورموزها ومقدساتها، كما فعل تماما عند الإساءة الحاقدة لمقام نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. وهو تماماً ما حاوله فيلم الفتنة الذي أعده المتطرف الهولندي النائب “جيرت فيلدرز”.
كل هذه الإساءات تستوجب التذكير مرة أخرى بضرورة تجريم مثل هذه الأفعال من قبل منظمة الأمم المتحدة، وتشريعات الدول المتعددة، لمعاقبة كل من تسول له نفسه الإساءة للأديان ورموزها، استنادا إلى أن صون حرمة الأديان ورموزها هو خير ضمان لمسيرة البشرية في ظلال الهدي الرباني والقيم الخُلقية التي تحمي المجتمع الإنساني من الشرور والضلال والانحراف والإغراق في المادية الطاغية وأنماط التفلت في الفكر والسلوك، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(النحل: 36)، وقال جل جلاله: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)(الحديد: 25).
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أ. د. عبدالسلام العبادي
أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي
اقرأ ايضا
آخر الأخبار