بيان مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول ما تردد عن اعتزام بعض القساوسة في إحدى الكنائس الأمريكية إحراق نسخ من القرآن الكريم، وقيام بعض المجموعات المسيحية الأمريكية بحرق صفحات منه

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد

تابعت أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، عبر وسائل الإعلام المختلفة ما تردد عن اعتزام أحد القساوسة المتطرفين في إحدى الكنائس الأمريكية (القس تيري جونز) إحراق بعض نسخ من القرآن الكريم، وقيام بعض المجموعات المسيحية بتمزيق عدد من صفحاته، وقيام بعض الكنائس الصغيرة (وستبورو ببتس) في أرياف مدينة توبيكا بولاية كنساس بعرض صور قديمة لها تقوم فيها بحرق بعض المصاحف، وذلك في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، وذلك لمنع بناء مركز إسلامي يريد المسلمون بناءه في مدينة نيويورك الأمريكية.

وإن أمانة المجمع باسم علماء الأمة الإسلامية، وباسم الشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، لتعبر عن عظيم استنكارها وشجبها بأشد العبارات لمثل تلك الأفعال والحملات والأفكار، وتؤكد على أنها وأمثالها تمثل استفزازا لمشاعر المسلمين، واضطهادا لهم، وأنها لا تصدر إلا عن: أنفس مريضة خبيثة عنصرية حاقدة على الإسلام والمسلمين، بل وعلى البشر جميعا، تحاول ما بين الحين والآخر إثارة الضغائن والأحقاد والفتن بين الأمم والشعوب، وتقطيع الصلات بين بني البشر الذين قال الله تعالى فيهم في قرآنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). كما أنها تنبئ عن جهل بمكانة القرآن الكريم السامية، ومنزلته العالية.

وهي إذ تستنكر وتشجب، تؤكد لشعوب العالم عامة والغرب خاصة، على أن الإسلام رسالة الله للعالمين، جاء لخير البشرية جمعاء، وأن كتابه القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه وسنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يحملان من الأحكام والمبادئ القيمة التي لو فهمتها البشرية وعملت بها لعم السلام والحب والتسامح والعدل ربوع الأرض. وأن رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، أرسله ربه رحمة للعالمين، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين. كما تؤكد على أن الإسلام لم يكن يوما دين عنف أو تطرف أو عدوان أو ظلم، فهو ينبذ كل ذلك ويأمر بعظيم القيم وكريم الأخلاق وعالي المثل، ويعتبر فعلها والتحلي بها غاية الإيمان. فالإسلام قد أوجب على أتباعه حتى يكمل إيمانهم ويتم إسلامهم أن يؤمنوا بجميع الأنبياء والرسل، وأن يؤمنوا كذلك بسائر الكتب المنزلة من عند الله سبحانه على الأنبياء والمرسلين قبل نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )، وحين يدعون الناس إلى دينهم، يأمرهم بأن تكون دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، كما يأمرهم بأن لا يكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام، وأن يتركوا للناس حرية الاختيار بين الدخول في الإسلام، وبين البقاء على ما هم عليه من معتقد قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6})، وعند قتال أعدائهم ينهاهم عن العدوان عليهم، قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)، وقال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ }، ويأمرهم أيضا بالعدل حتى مع من يناصبونهم العداء ويعتبره من التقوى وهي ذروة الإيمان بالله سبحانه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) وغير ذلك من المثل العليا والقيم الفاضلة الكثير.

وعلى هذا فأي عدوان على الإسلام وكتابه ورسوله لا يعد حربا على المسلمين فقط، وإنما يعد محاربة لله تعالى رب جميع المخلوقات، كما يعد حربا على المؤمنين من بني البشر جميعا، وحربا على القيم الفاضلة والمثل العليا والمبادئ السامية، ودعوة إلى الهمجية والاحتكام إلى شريعة الغاب، وفي هذا ما فيه من الشقاء للأمم والمجتمعات.

هذا وإن أمانة المجمع تدعو غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وبخاصة أهل الكتب السماوية من اليهود والنصارى، لما بينهم وبين المسلمين من مشترك إيماني إلى أن يتعرفوا على ما يحمله القرآن الكريم من قيم رفيعة، ومبادئ سامية، تنبذ العنف والكراهية، وتدعو إلى السلام والتسامح والتراحم بين بني البشر، وتؤكد لهم بأنهم إذا فعلوا ذلك أيقنوا أن فريقا من المتطرفين والحاقدين على الإسلام والمسلمين، يقودون مثل تلك الحملات على مر العصور، يريدون تضليلهم والتغرير بهم، ليحرموهم من نور الحق الذي جاء به الإسلام، وما يحمله من خير للإنسانية جمعاء.

كما تدعو الشعب الأمريكي وقياداته الدينية والسياسية إلى أن يقفوا بحزم وشدة في وجه التطرف والمتطرفين من أمثال ذلك القس ورهطه ومن هم على شاكلتهم، وأن لا يتركوا لهؤلاء المرضى والحاقدين وأمثالهم أن يقودوهم إلى مثل تلك الأفكار التي تشعل نيران الفتن في مجتمعاتهم وخارجها. وتؤكد لهم وللعالم أجمع على حقيقة مسلّمة ألا وهي: أن القرآن الكريم قد تكفل الله سبحانه بحفظه، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقال تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ )، وأن الإسلام سيظل باقيا ما بقيت الدنيا، وأن القرآن الكريم سيظل عزيزا محاطا بالقدسية والتعظيم إلى يوم القيامة رغم أنف المتطرفين والحاقدين، الذين لن ينالوا من حملاتهم سوى الخسران المبين في الدنيا والآخرة، قال تعالى:(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). وتتساءل أليس المسلمون كغيرهم من أهل الديانات والملل الأخرى، من حقهم أن يمارسوا شعائر دينهم التي كفلتها لهم الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، والشرائع السماوية، بكامل الحرية في الولايات المتحدة وفي غيرها. وأن حرية التعبير التي يتذرع بها هؤلاء وأمثالهم يجب أن تنتهي حدودها، وتنسد مداخلها، عندما تبدأ حدود وحرمات الآخرين، وإن أي تقاعس في محاربة هؤلاء الحاقدين سيسهم في تماديهم في ضلالهم وغيهم، وتفشي أفعالهم، مما سيعود بالخسران المبين، لا أقول على الذين ظلموا خاصة، وإنما على الشعب الأمريكي، بل وعلى العالم أجمع.

كما أنها تؤكد للأمم المتحدة على دعواتها السابقة لها، والتي طالبتها فيها مرارا بضرورة إصدار قانون يحفظ حرمة المقدسات والرموز الدينية، وتضع الضوابط لحرية التعبير عن الرأي، التي صارت سببا لإيذاء الآخرين، وتؤكد أيضا بأن أي استهانة بمشاعر المسلمين في هذا الصدد ستؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها على السلم العالمي.

وتخاطب المسلمين فرادى وجماعات في مشارق الأرض ومغاربها بأن ما يصدر من أقوال وأفعال من هنا وهناك إنما يعبر عن الخوف من المد الإسلامي، والمكانة العظيمة التي للقرآن الكريم والتي تزداد يوما بعد يوم في نفوس غير المسلمين، وأن تلك الحملات وأمثالها يجب أن تكون دافعا لهم إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف، ونبذ الفرقة فيما بينهم ، كما يجب أن تكون حافزا لهم على زيادة العمل على تعريف الناس بالإسلام العظيم، وكتابه الكريم، ورسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم. وتناشدهم بألا تكون ردود أفعالهم على تلك الحملات وأمثالها سببا في ارتكاب حماقات تخالف تعاليم دينهم. قال تعالى: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)، صدق الله العظيم. وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار