بيان مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن واجب المسلمين نحو إخوانهم الذين يعيشون حالة المخمصة في الصومال

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد

فإن أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، إذ تتابع عبر وسائل الإعلام المختلفة المآسي التي يعيشها أهل الصومال بسبب المجاعة الطاحنة التي حلت بهم، والتي راح ويروح ضحيتها المئات من الأطفال والنساء والشيوخ والشبان كل يوم، وإذ تشاهد ما صاروا عليه من مرض وضعف وهزال، جراء تلك الكارثة، وما يعانونه من تشريد، هربا من الموت بسبب الجوع، وطلبا للطعام والشراب والدواء والمأوى.

وانطلاقا من تعاليم القرآن الكريم السامية، التي تؤكد على علاقة الأخوة الإيمانية التي تربط بين المسلمين، وتأمرهم بالتعاون والتراحم فيما بينهم، وتحثهم على الإيثار وتنهاهم عن الشح والأنانية، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)الحجرات:10، وقال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)المائدة:2، وقال تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)البلد:17، وقال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)الحشر:9.

وتطبيقا لما جاءت به السنة النبوية المشرفة، التي تُبين ما ينبغي أن يكون عليه حال المسلمين من حب وتراحم وتعاطف فيما بينهم، وواجب بعضهم نحو البعض، عند تعرضه للمحن والشدائد والنكبات، والتي منها: ما روي في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وما روي في الصحيح وغيره، بألفاظ مختلفة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه”.

تخاطب أصحاب القلوب الرحيمة من المسلمين في مشارق الأرض ومـغاربها، في هذا الشهر الكريم، شهر الصوم، الذي ينبغي أن يشعر المسلم فيه بحال أخيه المسلم، بأن يسارعوا بإنقاذ إخوانهم من الموت جوعا في الصومال، وأن يقدموا لهم ما يستطيعون من طعام ودواء، وما يعينهم على مواصلة الحياة، كل حسب استطاعته، قال تعال: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًـا إلاِّ مَا آتَاهَا)الطلاق:7.

وإن أمانة المجمع إذ تخاطبهم بهذا، تؤكد على أن إنقاذ أرواح المسلمين في الصومال، هو من واجبات الأخوة الإيمانية، بل من كمال الإيمان أن يقوم المسلم بذلك، وأنه ليس من أخلاق المسلمين أن يقصروا في نجدة وإنقاذ إخوانهم من الهلاك، وأن يتركوهم يموتون جوعا، جاء في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا).

هذا ولا مانع على قول بعض الفقهاء، من أن يدفع المسلم من زكاة ماله إلى من هم أشد حاجة لمال الزكاة من أهل بلد المال، وهو ما أخذ به مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره رقم:165(3/18) بشأن تفعيل دور الزكاة في مكافحة الفقر، حيث جاء فيه: “يجوز تقديم العون المالي من أموال الزكاة من خلال إنشاء صندوق يخصص لمساعدة النازحين داخل أوطانهم أو خارجها بسبب الحروب أو الفيضانات أو المجاعات أو الزلازل أو غير ذلك”. كما أجاز للمسلم أن يعطي من زكاة ماله من سهم المؤلفة قلوبهم للمنكوبين من غير المسلمين في مناطق الكوارث والزلازل والفيضانات والمجاعات تأليفاً لقلوبهم.

كما تناشد الصوماليين أن يتركوا خلافاتهم جانبا وأن يتعاونوا ويتكاتفوا، فيما بينهم لمواجهة هذه الكارثة، كما تؤكد على أن إعانة المحتاجين، ومساعدتهم على الخروج من محنتهم، وتوصيل المساعدات لهم، هي من أعظم القرب، وأفضل الأعمال، لأن فيها إحياء للأنفس من الهلاك، وأن من يعطل إيصال هذه المعونات إلى المضطرين، سوف يحمل إثم من يموت منهم.

هذا وفي الختام فإن أمانة المجمع تقدر وتشيد بمواقف الدول التي سارعت بتقديم المعونات إلى أهل الصومال في هذه الكارثة، وتؤكد على أن تلك المواقف لتعبر عن الأخوة التي تربط بين الدول الإسلامية، كما تعبر عن الترابط الإنساني بين بني البشر. وتتوجه إلى المولى سبحانه وتعالى أن يحفظ بلاد المسلمين من كل مكروه، كما تدعوه أن يجمع كلمتهم وأن يوحد صفوفهم. وأن يوفقهم جميعا حكاما ومحكومين لما يحبه ويرضاه.

 

أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي

اقرأ ايضا

آخر الأخبار