المؤتمر العالميّ للعلماء يناشد الأطراف الأفغانية التوجه للحوار المباشر ويؤكد استعداده للمساعدة في تحقيق المصالحة

شهدت مدينة “كابول” العاصمة الأفغانية، انعقاد المؤتمر العالمي للعلماء (الإسلام والصلح) برعاية المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، وبالتعاون مع مجلس كبار العلماء ومنظمة التعاون الإسلامي وذلك في 19/ ذي القعدة 1434هـ الموافق 22 سبتمبر2013م وبمشاركة أكثر من /200/ عالم وفقيه ومفكر إسلامي من مختلف دول العالم، وقد شاركت أمانة المجمع الفقه الإسلامي الدولي بوفد برئاسة معالي الأستاذ الدكتور خالد أحمد بابكر أمين المجمع والدكتور عبد القاهر قمر والدكتور محمد بشير حداد، وقد شارك الوفد بفعالية في هذا المؤتمر، وألقى معالي أمين المجمع محاضرة أكد فيها على:

  • وجوب لم الشمل بين الأخوة في البلد الواحد والأمة الواحدة، مع إبراز الحاجة إلى توافر إرادة رجال أفغانستان الأوفياء على التوافق والالتزام بالوحدة والأخوة والسلام والتسامح.
  • الترغيب والانسجام في وضع أهداف واقعية قابلة للتنفيذ، والعمل على استتاب الأمن والسلام، مع التحذير من الفتن والاستهانة بالدماء، ليعود لهذا البلد أمنه واستقراره.
  • أهمية دور الحوار وتعزيزه بين جميع الأطراف السياسية، بما فيها المعارضة، وذلك بالتي هي أحسن، وتجنب الجدال والخصام، فإنه السبيل الأقوم للنهوض بأفغانستان ولبنائها من جديد، ولإنقاذ أبنائها من الاختلاف والتفرق والتشرذم.
  • الترغيب في الإصلاح بين الناس، والتعاون على البر والتقوى، وتحقيق مبدأ الإخوة في الله، وفق التوجيهات الواردة في الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة.
  • واجب العلماء في القيام بالتوعية وبالإصلاح والسلام والدعوة إلى لزوم الاستقامة الايجابية الوسطية في التزام الصدق مع الحق، ولين الجانب، والإحسان للجميع والتسامح مع الكافة، مع ترغيبهم في الدخول إلى ميادين الإصلاح والتغيير، لأنهم الأقدر على قيادة الشعب الأفغاني إلى بر الأمان وشاطئ السلام.
  • الحذر من الاستجابة لمخططات أعداء أفغانستان، الداعية إلى بث الفرقة، وزرع الشحناء بين أبناء أفغانستان لتمزيق وحدتهم وتشتيت شملهم، وإثارة النعرات العصبية بينهم.
  • الدعوة إلى تعزيز ثقافة السلام والتسامح والتوحد والتعاون والتكافل بين مكونات الشعب الأفغاني، والترفع عن المسائل التي لا ينبغي الوقوف عندها، وتعزيز ثقافة البناء وإضاءة الشموع في طريق الأمل بمستقبل أفضل للشعب الأفغاني.
  • وكذلك قدم الدكتور عبد القاهر محمد قمر، محاضرة بعنوان “المصالحة وتسهيل الحوار في خارطة الطريق المستقبل السلمي والآمن لدولة أفغانستان الإسلامية” تحدث فيها عن تصوره لخطة عملية لمستقبل أمن وسلمي في دولة أفغانستان الإسلامية، على النحو الآتي:
  • جمع الأطراف المتنازعة على طاولة واحدة، وعقد مصالحة وطنية لوقف الاقتتال والعنف، يتم فيها التوقيع على وثيقة إنهاء الاقتتال. ويبحث هذا الأمر مع منظمة التعاون الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، وذلك على غرار وثيقة مكة في الشأن العراقي عام 2006م، والتي وقعت من قبل مختلف الطوائف في العراق.
  • وضع خطة عملية تتمثل في وضع برنامج للإصلاح الفكري في أفغانستان.
  • إعلان الإرادة الذاتية لجميع الأطراف على التوافق والالتزام بالوحدة والإخوة والتهيئة لمستقبل آمن بالصفح والعفو عما سبق، مع التركيز على دور العلماء في ذلك.

أن يكون الوسيط والقائم بتسهيل الحوار بين الأطراف متحليا بمهارات فائقة في الوساطة وتسهيل الحوار، كما عرض عددا من الآداب والقواعد التي يجب على الوسيط مراعاتها والخطوات التي ينبغي عليه اتباعها.

وقدم الدكتور محمد بشير حداد، محاضرة بعنوان: “المصالحة والأمن من وجهة نظر الإسلام”، استعرض فيها معالم الصناعة القرآنية لوقاية الأمة من مزالق التنازع، وتناول ثقافة الحماية الذاتية للمجتمع الإسلامي من الانهيار الداخلي، وأسباب الفرقة بين مكونات الشعب الأفغاني. وقدم تصوره للحل الذي أكد فيه على أهمية العمل على ترسيخ ثقافة التسامح والتحرر من الإقصاء، وضرورة قيام الحكماء الأفغان ممن لم يسبق لهم خصومة مع أحد الأطراف بمبادرة عملية للصلح وفتح جسور الحوار بين كل الأطراف الأفغانية، والتي لا يخرج أي حل عن إطارها، داعيا إلى الاستفادة من الثوابت الوطنية المتفق عليها أفغانيا؛ لتقديم مشروع وطني شامل يستهدف “ولادة أفغانستان الجديدة” وختم محاضرته منوها بدور السلم والصلح المجتمعي باعتباره ضرورة وفريضة لحماية أفغانستان ونهوضها ووفاء لشهدائها واستجابة لحق الشباب الأفغاني في السلم والاستقرار والنهوض.

وبعد مداولات ومحاضرات صدر عن المؤتمر البيان الختامي التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)[10، سورة الحجرات]

البيان الختامي للمؤتمر العالمي للعلماء (الإسلام والصلح)،

الذي عقد بمدينة كابول، جمهورية أفغانستان الإسلامية، بتاريخ 19 ذي القعدة 1434هـ، الموافق 24 سبتمبر 2013، ضمن فعاليات أسبوع السلام والوحدة الوطنية، برعاية المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، وبالتعاون مع مجلس كبار العلماء، ومنظمة التعاون الإسلامي، وبمشاركة أكثر من (200) عالم وفقيه ومفكر إسلامي من مختلف دول العالم، والذين أصدروا البيان الآتي نصه:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

إننا علماء الأمة الإسلامية وفقهاؤها المشاركون في هذا المؤتمر، تأديةً لواجبِ بيان الحقّ والحكم الشرعي، وبناء على المسؤولية الدينية والأخلاقية، واهتماما بقضايا المسلمين في جمهورية أفغانستان نود بيان ما يلي:

  • نظرا لأن شعب أفغانستان المسلم المجاهد يعاني اليوم من أزمات خطيرة ويتعرض بصفة دائمة لفتن متلاحقة، تشوش على الناس حياتهم اليومية، حيث إنه إضافة إلى ما ترتب على الجهاد الأفغاني من تضحيات عظيمة قدمها أبناء أفغانستان فإن جماعات العنف والإرهاب قد أوغلت في قتل الأبرياء، من النساء والشيوخ والأطفال، وقد وصل عددهم إلى مئات الآلاف وتسببوا في تدمير الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة وفي نشر الفساد والبغي في الأرض، دون مراعاة لأي قيم دينية أو إنسانية، ومن المؤسف أن ترتكب تلك الجرائم والانتهاكات باسم الدين الإسلامي الحنيف، وهو منها براء، بل يحرمها على المسلمين، صيانة لدمائهم وأعراضهم وأموالهم.
  • ومن هنا فإننا نندد بالعنف والغلو والتطرف، ومحاولة إثارة النزاعات بين أفراد الشعب الأفغاني وبث التوتر بينهم، ونطالب المرجعيات الدينية والعلمية بالتوعية والنصح وبذل كل ما في وسعها لإيقاف هذا المسلسل الدامي الخطير الذي لا يخرج منه غالب، بل تعم الفتنة الجميع، فتأكل الأخضر واليابس. فمحو النزاعات بين الإخوة في البلد الواحد وإزالتها هو الأساس لنجاح أي حل سياسي ولبناء المستقبل الآمن والسلم في البلاد.
  • إن علماء الإسلام المجتمعين في هذا المؤتمر يرون في مقابل هذه المآسي بصيصاً من الأمل، من خلال المبادرات المرتقبة للإصلاح والوساطة والحوار بين سائر الأطراف المتخاصمة، ويتمنون أن يكون صلحا خَيِّرا تٌصان فيه العزة والكرامة والاستقلال، ويكون مبنيا على ضوء التعاليم والقيم والإرشادات الإسلامية، مراعيا وجهات النظر لجميع الأطراف.
  • نشيد بالجهود الموفقة التي بذلها الشعب الأفغاني وعلماؤه الكرام، وكذلك الزعماء الوطنيين والسياسيين وتلك التي ما زال المخلصون منهم يضحون لاستمرارها دون انقطاع؛ خدمة للإسلام وإحلالا للسلام، وأعمار للبلاد.
  • ولما كان المسلمون أمةٌ واحدةٌ تجمعهم عقيدةُ التوحيد بالله عز وجل، وتربطهم شريعةُ الإسلام التي جاء بها نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهم (كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله) (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَـاء بَعْضٍ) فأملنا أن يرفع الشعب الأفغاني بكافة مذاهبه وأعراقه نداء الصلح صوتا واحدا، ويستجيبوا له إجابة رجل واحد.
  • ونقدر عاليا مبادرة مجلس علماء أفغانستان والمجلس الأعلى للسلام، ومنظمة التعاون الإسلامي، آملين في تسريع الجهود المبذولة، على أن تراعى الآراء والمطالب المشروعة التي تتبناها جميع الأطراف.
  • ونرحب ترحيبا بالغا بالجهود الموفقة التي تبذلها الدول الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني، لإحلال السلام وإشاعة الأمن في أفغانستان والمناطق المجاورة لها، ونطالبها في الوقت نفسه وبكل حزم وجدية تجنب أي نشاط يؤدي إلى زيادة أعمال العنف والإعراض عن أي عمل يتسبب في إثارة أي فتنة أو توتر.
  • إننا نناشد جميع علماء الإسلام قاطبة أن يبذلوا مساعيهم في إبراز الصورة الحقيقية للدين الإسلامي، ويعملوا جاهدين على توحيد الصف الإسلامي في كافة الميادين، ويبرزوا للناس القيم والمبادئ والأحكام وفي مقدمتها التضامن الإسلامي والسلام والإخوة، ليكف من يجهلها عن قتل المسلمين وعن سفك دمائهم وترويع الآمنين منهم. كما نرى أن عليهم بذل واجب النصح للمراجع الدينية والزعامات العرقية التي تبث بيانات مغرضة وتطلق أحكاما خاطئة وفتاوى لا تستند إلى دليل أو برهان من كتاب ولا سنة، وبسببها يقتل الأبرياء ويقع العنف وتتوسع رقعة الخلاف بين الأشقاء.
  • إن أفغانستان بلد إسلامي مستقل، وجزء مهم من الأمة الإسلامية، تقام في شعائر الدين الحنيف، نظامها جمهوري قائم على السلطات الثلاثة: التقنينية والتنفيذية والقضائية، وتنفذ في محاكمها أحكام الشريعة الإسلامية، وفيها حكومة شرعية قائمة، لا يحل شرعا الخروج عليها أو الثورة ضدها.
  • نحن العلماء نطالب الدول الجارة والصديقة لأفغانستان ومن فيها من العلماء أن يبذلوا جهودهم في تعزيز السلام، وأن يعملوا على الحث على إنهاء أعمال العنف والتوعية لذلك عبر منابر المساجد ووسائل الإعلام وفي المؤتمرات العلمية.
  • نناشد حركة طالبان والحكومة الأفغانية حل المشاكل الأفغانية الداخلية بالحوار المباشر، ودون إقحام أي طرف خارجي، تمهيدا للخروج من الأزمة وحفظا للأمن والسلام للشعب الأفغاني، وفي الوقت ذاته نعرب نحن العلماء عن استعدادنا الكامل لتقديم سائر أشكال العون المتمثلة في الوساطة والمصالحة والحوار بين الأطراف المتخاصمة.
  • نأمل من الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي الإسراع في عقد المؤتمر الإسلامي الدولي الموسع للسلام، يشترك فيه العلماء والمفكرون من جميع الدول الإسلامية، ويخطو خطوات بناءة، على أن يتم تشكيل لجنة تنفيذية من العلماء تقوم بالوساطة والمصالحة وحل الخلافات والمشاكل داخل الأمة الإسلامية، سعيا إلى توحيدها.
  • نرى نحن العلماء المجتمعون بكابول أنه من الضروري والمهم استمرار الاجتماعات التشاورية بين علماء مختلف المذاهب لتحقيق المصالحة الوطنية على أساس التسامح والحقوق العادلة للجميع والتوصل إلى الاتفاق على المشتركات والتسامح في القضايا الخلافية. ومواجهة التعصب المذهبي، والغلو في الدين، وتكفير المذاهب الإسلامية وأتباعها، بنشر روح الاعتدال والوسطية والتسامح. مع القيام بسرعة الرد على الفتاوى التي تخالف ثوابت الدين، وقواعد الاجتهاد المعتبرة، وما استقر من مذاهب العلماء وصدرت بغير دليل شرعي معتبر.
  • نرى أن الحرب والاقتتال الجاري بين فصائل الشعب الأفغاني مردّه العوامل الطائفية والأغراض المادية، وليس قائما على أسس عقائدية أو دينية، وهو ما يفرض على علماء الأمة تنوير أذهان العامة وحثهم على حل الخلافات بالطرق السلمية القائمة على التسامح وبطريقة شاملة وعميقة، بعيدة عن العنف.

ويبدي المشاركون رغبتهم في بذل العناية اللازمة بتثقيف الأجيال الشابة وتوعيتهم وتعليمهم أحكام دينهم، لئلا يقعوا ضحية للمكر بهم ويتم استغلالهم في تنفيذ عمليات العنف والقتل، وليقوموا بدورهم المرتقب في إحلال السلام وفي بناء البلاد ونهضته إلى مستقبل آمن وسلمي.

 

مجمع الفقه الإسلامي الدولي

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى