ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، يوم الثلاثاء 22 من شهر جمادى الآخرة 1443هـ الموافق 25 من شهر يناير 2022م، كلمةً في الجلسة الختامية للمؤتمر الافتراضي الدولي الرابع والثلاثين (34) لمسلمي أمريكا اللاّتيـنيّة ودول البحر الكارِيبي، المنعقد بمدينة ساو باولو بدولة البرازيل.
هذا، وكان عنوان مؤتمر هذا العام “الوقف ودوره في خدمة الجاليات المسلمة في أمريكا اللاّتيـنيّة والبحر الكاريبي”، نظَّمه مركز الدعوة الإسلامية لأمريكا اللاّتيـنيّة ودول البحر الكاريبي في البرازيل، تحت رعاية وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. وقد شارك في المؤتمر أكثر من 100 شخصية من العلماء والمفكرين والأكاديميين والشخصيات الإسلامية وطلبة علم ينتمون إلى أكثر من 30 دولة من جميع أنحاء العالم.
واستهلّ معاليه كلمته بالتعبير عن شكره الجزيل لمركز الدعوة على دعوته للمشاركة في هذا المؤتمر الآني المهم حول موضوع من أهمّ موضوعات الساعة، والذي ينبغي الاعتناء به بوصفه شعيرة من شعائر الإسلام الخالدة، ووسيلة من وسائل مكافحة الفقر في المجتمعات، وخاصة المجتمعات المسلمة خارج العالم الإسلامي، كما أشار معاليه إلى كون الوقف رِفْدًا هامًّا من روافد الدخل عبر التاريخ الإسلامي، منوّهًا إلى ذلك الدور المهم الذي قام به في سدّ حاجات المُعوِزين من الثكالى واليتامى، فضلاً عما كان له من دور في دعم اقتصاد الدول والمجتمعات؛ ولذا، فإن الحاجة تمسّ اليوم إلى إيلاء مزيد من العناية والاهتمام بالوقف دراسةً وتطويرًا ومراجعةً وتحقيقًا؛ ليقوم بالدور المطلوب منه خاصة والعالم أجمع يمرّ اليوم بأخطر أزمة صحيّة واقتصادية منذ عقود، ألقت بظلالها على جميع أوجُه الحياة الإنسانية.
وأضاف معاليه بأن الصناعة الوقفية عمومًا أصبحت اليوم بفضل الله محلّ فخر واعتزاز للأمة الإسلامية نتيجة المكانة العظيمة التي تحتلّها بين أدوات التمويل الاجتماعي الإسلامي، كما غدَت الأوقاف محلّ دراسة بالجامعات والمراكز العلمية؛ اعترافًا بدورها البارز في مكافحة البطالة، وتقليص الفوارق الاجتماعية، فضلاً عن تنويع مصادر البِرِّ والخير. ثم أشار معاليه إلى أنه نظرًا لِمَا تشهده الساحة من نوازل ومستجدات تداهم الصناعة الوقفية، فإن الحاجة تدعو إلى مواكبةٍ علمية رصينة لتسديد تلك النوازل وتوجيه المستجدات حفاظًا على تطوّر هذه الصناعة وتقدّمها، مشيدًا بهذا الصدد بالقرارات العلمية الناضجة والتوصيات العملية الناجعة التي أصدرها مجمع الفقه الإسلامي الدولي خلال العديد من دوراته في المسألة الوقفية تأصيلاً لأحكامها وقضاياها ومسائلها ونوازلها ومستجدّاتها. وأوضح معاليه في هذه الأثناء بأن المجمع أجاز جميع أشكال الوقف المعاصرة بدءًا بوقف الأعيان، ومرورًا بوقف النقود، وعُروجًا بوقف الحقوق والمنافع، ووقوفًا عند الوقف المؤبَّد، وانتهاء عند الوقف المؤقَّت.
وبناءً على ذلك، دعا معاليه المجتمعات المسلمة خارج العالم الإسلامي قائلا: “إنني أهيب بكم أن تستفيدوا من هذه القرارات المَجمَعيّة الأصلية، وأن تُرحِّبوا بالأوقاف العَيـنيّة (=العقارات)، والأوقاف النقدية (=المنقولات ووقف النقود)، وبالأوقاف المؤبَّدة، والأوقاف المؤقَّتة، فالنصوص الشرعية التي وردَت في المسألة الوقفية نصوص مَرِنَةٌ وعامّة ومُطلَقة تَسَعُ الأجيال والأعصار والوسائل، وتنفتح على الأساليب والآليّات، كما أن مقاصد الشرع في التبرّعات والهدايا تتمثل في تنويع مصادر الخير والبِرِّ والإحسان، مصداقًا لقوله تعالى: {لن تنالوا البِرَّ حتى تنفقوا ممّا تحبون} فلفْظ “ما” صيغةٌ من صيَغ العموم، لا يمكن تخصيصها بنوع خاصٍّ من البِرّ، بل تشمل وتعُمّ جميع أشكال وأنواع البِرّ مؤبَّدًا أو مؤقَّتا، عَينًا أو نقدًا.. كما أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”. فلفظ “صدقة” ويراد بها الوقف مطلَق غير مقيَّد بنوع، بل شامل لكل صدقة ما دامت جارية عينيّة أو نقديّة، مؤبَّدة أو مؤقَّتة.
ثم ختم معاليه مداخلته بتقديم الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد على رعايتها لهذا المؤتمر، ودعمها له، واهتمامها بالمجتمعات المسلمة في أمريكا اللاّتينيّة وفي العالم أجمع، وخصّ بالشكر والثناء معالي الوزير الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ على مشاركته وحضوره ورعايته للحفل الختامي للمؤتمر، ثم دعا اللهَ جل ثناؤه أن يحفظ بلاد الحرمين ودولة الإمارات العربية المتحدة ممّا تتعرض له في هذه الأيام من اعتداءات غاشمة من جماعات إرهابية تسعى إلى زعزعة أمنها واستقرارها، وترويع الآمنين فيها.
هذا، وقد صدر عن المؤتمر توصيات عديدة تضمّنت أهمية التعريف بمفهوم الوقف الواسع، وإبراز دوره البارز في بناء تاريخ حضاري للمسلمين، وحاجة الجاليات المسلمة إليه، ونشر ثقافة الوقف من خلال الوسائل المتاحة مع التركيز على وسائل الاتصال الحديثة، وتعليم الأحكام الشرعية الخاصة بالوقف في الجامعات والمعاهد الإسلامية. كما أوصى المؤتمر بعقد وِرش عمل وجلسات تدريب للقائمين على الوقف وأمنائه حول تطوير الأداء، وتحسين الإدارة، وتطوير اللوائح الداخلية؛ لتتماشى مع معايير الأداء الناجح، إضافة إلى عقد شراكات بين إدارات الأوقاف وصناديق الزكاة لدفع عجلة الوقف إلى الأمام. كما شَجَب المؤتمر واستنكر الاعتداءات المتكررة على مكة المكرمة حاضنة قِبلة المسلمين وأراضي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والمدنيين فيهما، من قِبَل المليشيات الحوثية الإرهابية، ومطالبة المجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته تجاهها.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار