حول التهجم على الإسلام ورسول الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

إن العدوان المتزايد بين الشرق والغرب، والكراهية للإسلام، والحقد على المسلمين، وتدبير الألوان المختلفة لمحاربتهم، والحرص على القضاء على هويتهم، وتبغيضهم لدينهم ومحاولة إخراجهم منه، لَظواهر محسوسة لا تُنكر، وشواهد قائمة لا تَخفى على أحد من أهل النظر والفكر والعلم والرشد.

وها هي اليوم المواقف المتحديّة للإسلام ولنبيّ الإسلام وللمسلمين تَبرُز واضحة جليّة في ما نشرته صحيفة يلادنس بوستن الدانماركية ومِن بعدها صحيفة نرويجية وأخرى فرنسية. وهي تتحدث عن الإسلام حديث من يشوّه حقيقته، ويغيّر صورته، ويُلحق برسوله الأمين باثنتي عشرة صورة كاريكاتورية أنواعاً من الأذى والسخرية والاستهزاء، استخفافاً به، واعتداء عليه. وقد ردّ الله من قَبل على عملهم هذا بقوله: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)، كما تولّى عزّ وجلّ التخفيف عن رسوله، متوعّداً الظالمين بقوله: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ).

وإن الذين فعلوا ذلك لفي ضلال مبين. فهم لا يعرفون الرسول، ومن الواجب أن يعرفوه حق المعرفة، ويذكروا مقامه الرفيع عند الله وفي أُمته قبل أن يخطّوا بأقلامهم ورسومهم الضلالة، ويثيروا بسببها الأحقاد والتنازع والنعرات.

فمحمد رسول من رُسل الله إلى خلقه، وخاتم لأنبيائه. اجتباه ربّه ورعاه وشمله بكامل عنايته، وهداه إلى الحق، وميّزه بالخُلق الزكي وبالكمال الإنساني، وجعله أُسوة للناس يتبّعونه ويقتدون به، لما اتسم به صلى الله عليه وسلم في حياته كلها من رفق وإحسان ورأفة ورحمة وصدق وأمانة فوصفه عز وجل بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقال فيه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). وقد حدّد الله رسالته بقوله عزّ وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)، وأمدّه تعالى بوحيه تعليماً ودعماً لرسالته وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).

فهو الرحمة المهداة. بلّغَ الرسالة، وأدّى الأمانة، وانتقل بالناس من جاهلية جهلاء إلى سماحة إسلامية فذّة كان من خصائصها الإيمان بالله والعمل الصالح وإرساء قواعد الحضارة الإسلامية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة. وهو مع ذلك كله متواضع لله، مُخلص في عبادته، مؤمن برسالاته وكُتب رُسـله. وكان شـعاره وشـعارُ أُمته المسلمة قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ). فكان بذلك الداعي إلى الله، والأُسوةَ الحسنة لعباده، أحبّه الله وأحبّه المؤمنون بحب الله له، لهدايته لهم، وإشفاقه عليهم، ورحمته بهم.

ومن لا يوقن بهذه الحقائق الثابتة القطعية ويكيد للإسلام ولرسول الإسلام (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى). ومن حقّ المسلمين الاحتجاج على ما يشيعوه أعداء الإسلام من المنكرات، ومن واجبهم دفع ما لحقهم ويلحقهم من هؤلاء الفاسقين المحاربين من إذاية لهم في دينهم ومعتقدهم. ولا بدع إذا انتشرت المظاهرات في أصقاع الأرض حتى اليوم، كما وقع بمدينة نصر التي خرج على رأسها شيخ الأزهر ومن حوله وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية ورئيس جامعة الأزهر احتجاجاً على إساءة الصحيفة الدانماركية إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، معلنين أن مقاطعة جميع الدول التي أساءت للرسول فرضٌ على الأمة بأسرها، وأن أية دولة تُسئ إلى النبي ستقابل باحتقارنا. وجرت المظاهرات في شتى البلاد أمام القوات الدانماركية وأمام مكتب الاتحاد الأوروبي، ووقع مثل ذلك بجنوب العراق بمدينة الكوت والسليمانية، وبكردستان وبطهران بإيران، وبماليزيا، وفي القرن الإفريقي بجيبوتي، وبأفغانستان، وبفنزويلا بأمريكا الجنوبة وبغيرها من الدول والعواصم.

وكان النقاش شديداً بين مختلف الأطراف، وردّ المسلمون بقوة على مواقف الضالين المعتدين الذين لا يرقبون في المسلمين إلاَّ ولا ذمة ولا يحترمون دينهم ولا عقيدتهم. وقد أذن الله لهم في مقابلة أعدائهم بما يليق بهم من الجزاء والزجر، لما في ذلك من حفاظ على كرامة المسـلمين، وحماية لهم من تجرؤ الفاسقين عليهم. قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ). وأدرك الناس كلهم حقيقة ما لحق بالمسلمين من أذى، وكان الإجماع على وجوب اتخاذ إجراءات رادعة تحول دون تكرار هذا العدوان وتلك المكائد. وكان هذا الشعور مسيطراً على كل طبقات الأمة الإسلامية، نطقت بذلك الصحف اليومية في العالم، وأذاعته محطات الأخبار ومراكز الإعلام، ونشرته أكثر الفضائيات، وترجمت عنه المظاهرات، وناقشته التظاهرات الفكرية داخل العالم الإسلامي وخارجه، وسجلت كل ذلك الإنترنات.

فلم يسكت عن ذلك لا الرجال ولا النساء، ولا الشباب ولا الشيوخ، ولا الدعاة ولا المفكرون، ولا الأفراد ولا المنظمات الشعبية والدولية، وكذلك كل المؤسسات والجمعيات المحلية والعالمية والجامعات والمجامع. فلفتت هذه القضية نحو خُمس سكان العالم، مليار وثلث المليار من المسلمين، كما لفتت غيرهم من المسؤولين والسياسيين في البلاد العربية والإسلامية والغربية. وقد أدان جميعهم العدوان على الإسلام وعلى رسول الإسلام. وكانت المواقف المشهودة للأزهر ورابطة العالم الإسلام ولمنظمة المؤتمر الإسلامي وللمفتين والعلماء ولأئمة المساجد وخطباء الجوامع، وأدانوه أفراداً وشعوباً. وقد آزرهم في ذلك عدد من المسؤولين الأوروبيين نددوا بالإساءة التي تورطت فيها الصحيفة الدانماركية ومثلاتها، ورفضوا رفضاً قاطعاً الاستخفاف بالرموز الدينية، ودعوا إلى وجوب احترامها لكل ديانة. فلا يجوز أن تكون موضع سُخرية أو تهكم أو استهزاء، كما حذروا المفوض الأوروبي المكلف بشؤون الأمن والعدل والحرية من الفوضى ومن هدر حقوق المسلمين في هذه القضية بسبب بعض الاحتجاجات التي خرجت عن السيطرة. وبدأت ردود الفعل بمقاطعة المسلمين للبضائع الدانماركية تعبيراً عن غضبهم، ونادوا بأن تضع كل دولة إسلامية قانوناً يجرّم كل من يسئ إلى خاتم الأنبياء، كما طالبت منظمة الأمم المتحدة بإصدار قرار يجرّم المذنبين.

وإلى جانب هذه الضجة العارمة والحركة الواسعة في أطراف العالم ضد العدوان الصحافي بالدانمارك والنرويج وغيرهما من البلاد الأوروبية، قامت المنظمات المختلفة ضد ذلك وأطلقت صيحات الفزع وأخذت تتدبر الأمر باتخاذ جملة من الإجراءات والأعمال لإيقاف مثل تلك التهجمات والتحديات، ولبناء المستقبل الذي ينبغي أن يقوم على التضامن والتعاون بين الأمم بعيداً عن مظاهر العصبية والعنصرية والعداوة والصراع بين الأفراد والمجتمعات الإنسانية. وقد قامت ثلة من الدبلوماسيين العرب والمسلمين ببحث الموضوع والاحتجاج لدى المسؤولين على التصرفات العدوانية المرفوضة.

وأول ما قام به الساسة المسلمون هو ما اتفقوا عليه في اجتماع القمة الاستثنائية الإسلامية الثالثة المنعقدة بمكة المكرمة والتي ورد في بيانها الختامي التأكيد على مسؤولية جميع الحكومات عن ضمان الاحترام الكامل لجميع الأديان والرموز الدينية، وعدم جواز استغلال حرية التعبير ذريعة للإساءة إلى الأديان.

وأعرب مجلس الوزراء السعودي عن استنكار المملكة العربية السعودية لما ورد في بعض الصحف الأوروبية من إساءة للرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تتنافى مع قدسية الأديان والرُسل ولزوم احترامها، كما ظهر ذلك جليّاً في إجابة سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي عن موقف الاتحاد الأوروبي من تقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد السعودية لمقاطعتها المنتجات الدانماركية حيث قال: إن هذه المقاطعة مقاطعةٌ شعبيةٌ ولا أعتقد أن من المسلمين لم يكن قد تأثر وتأذى مما ورد على لسان الصحيفة فإن عملها لم يكن مبرراً وفيه استخفاف بمقدسات الدول الإسلامية. وهذه الإساءة دون شك تؤثر في كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية.

وتعددت الآراء والاقتراحات فيما ينبغي أن يعتمد من ألوان المعارضة للتصرف المشين الذي قامت به الصحيفة الدانماركية والتي تبعتها من وسائل الإعلام في النرويج وغيرها من البلاد الأوروبية.

ولعل مما يصوّر ذلك لدى المؤسسات الشعبية ما عُرض على رابطة العالم الإسلامي من اقتراحات تتمثل فيما يلي:

  1. مطالبة مجالس الشورى في الدول الإسلامية بإرسال خطاب شجب للمواقف غير الأخلاقية الصادرة عن الصحيفة الدانماركية.
  2. رفض الاعتذار لعدم الجدوى، والمطالبة باستصدار قرار حكومي بحجب الصحيفة لمدة عام حيث إنها أضرت بمصالح بلاد الدانمارك الاقتصادية والسياسية.
  3. تفعيل الهيئة العالمية للتعريف بالإسلام وزيادة نشاطها من خلال إنشاء مواقع على الإنترنت باللغات الحية والإعلان عنها في الصحف الأوروبية.
  4. إنشاء قناة تلفزيونية تعمل على مدار الساعة بجميع اللغات.
  5. مطالبة الدول الإسلامية بإلغاء الاتفاقيات التجارية.
  6. مطالبة الدول الإسلامية السبعة والخمسين بإلغاء الحجوزات السياحية.
  7. مطالبة الجامعات في الدول الإسلامية بإرسال خطاب شجب واستنكار للجامعات الدانماركية والنرويجية.
  8. متابعة القضية من خلال القضاء والقانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة.

وقامت منظمة المؤتمر الإسلامي بوصفها الممثل الرسمي للدول الإسلامية، وعددها سبعة وخمسون عضواً، بدراسة هذه القضية من جوانبها المختلفة وأول ما بادرت به كان لفت نظر الدول والشعوب المسلمة إلى أن الأزمة القائمة اليوم ليست أزمة عابرة كما قال أحَدُ الباحثين، وهي إن تلهيّنا عنها لتنذر بكارثة مقبلة لا تزال صورها في طور التكوين.

وتنفيذاً لما اعتقدته المنظمة ضرورياً الشروع فيه قامت من جهة بالتحرك داخل أروقة الأمم المتحدة قصد إصدار قرار دولي يدين التطاول على الإسلام ورموزه، ويقضي بتجريم الممارسات العدوانية، وبمحاسبة المتورطين في هذه القضية قضائياً. وربما ساعد على ذلك ما يقوم به سفراء الدول الإسلامية بالأمم المتحدة من سعي لاستصدار مثل هذا القرار الرادع.

ومن جهة ثانيـة قامت المنظمـة بمقاطعة المهرجـان الثقافي “صور من الشرق” الذي تعتزم الدانمارك إقامته في الصيف المقبل. وقد دعت المنظمة إلى التعاون معها في ذلك.

وأمام انتشار المظاهرات والتظاهرات لسبب نفسه في مختلف البلاد العربية والإسلامية حماية لدينها ودفاعاً عن رموزها، وإزاء ظهور الدعوات في كثير من البلاد إلى مقاطعة المنتجات الدانماركية أعلن الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي: إنه إذا كان للدانمركيين حق التعبير كما يشاؤون فإن للمسلمين الحق في شراء السلع الدانماركية من عدمه.

ولاقتران المظاهرات التي وقعت بدمشق وبيروت وإندونيسيا بمظاهر العنف حذر الأمين العام من مغبة ذلك قائلاً: إن هذا لا يخدم حق المسلمين في الدفاع عن رسولهم، ودعا الشعوب الإسلامية إلى ضبط النفس والتقيد بسيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في حُسن سياسته ورده الجميل على خصومه، منبهاً إلى عواقب انحراف الاحتجاجات الإسلامية عن إطار القانون والأخلاق، ومحذراً أيضاً من محاولة الاعتداء على عناصر البعثات الدبلوماسية وحرق مقارها.

وكانت للمنظمة إلى جانب ذلك كثير من الاتصالات، أجراها الأمين العام مع عدد من الساسة في العالم الإسلامي وخارجه. منها:

  • اتصاله بوزراء خارجية الدول الأعضاء من أجل تحديد موعد لانعقاد مؤتمر وزاري عاجل لهذا الغرض.
  • اتصاله بوزير خارجية سوريا للإعراب عن رفضه لما حصل بدمشق فوقع وعده بأنه ستجري محاسبة المتورطين في أحداث سفارتي الدانمارك والنرويج.
  • واتصل به الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للإعراب عن شعوره بخطورة انحراف الاحتجاجات عن مسارها السلمي، وأكد له مع ذلك موقف الأمم المتحدة الرافض للتطاول على الرموز الدينية والسخرية بها.
  • كما اتصل به وزير خارجية الدانمارك راغباً في الاجتماع به بجدة قصد تطويق تداعيات الأزمة.
  • وقد وعد معالي الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي بضرورة العمل على تحقيق مشروع التعريف بالإسلام بتقديم صورة كاملة له ومناقشة ما كُتب عنه في جوانبه المختلفة في إطار العمل الإسلامي والحوار بين الحضارات.

والله يجزي العاملين الصادقين بصدقهم، وهو من وراء القصد. وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى