شارك معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، في أعمال الملتقى التاسع لمنتدى أبوظبي للسلم الذي ينعقد هذا العام تحت عنوان “عولمة الحرب وعالمية السلام: المقتضيات والشراكات”، برعاية كريمة من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وبرئاسة معالي الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس “مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي”، ورئيس منتدى أبوظبي للسلم، في الفترة من 14 إلى 16 من شهر ربيع الثاني لعام 1444هـ الموافق 8 إلى 10من شهر نوفمبر لعام 2022م، بالعاصمة الإماراتية أبوظبي.

ويشارك في الملتقى التاسع هذا العام وفود من نحو 60 دولة، يمثلون جميع قارات العالم، بحضور ما يقارب 500 مشارك، فضلا عن 30 منظمة دولية رائدة في مجال تعزيز السلم وصناعة السلام، يحضرون معرض صناع السلام على هامش الملتقى. ويتكون المشاركون من نخبة واسعة من صناع القرار والقادة الدينيين من جميع أنحاء العالم، من وزراء وممثلي منظمات أممية وهيئات حكومية، ومفكرين وشخصيات أكاديمية، ومسؤولي مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات العاملة في حقل السلم والتسامح. ويأتي ملتقى هذا العام في وضع دولي يزيد من مستوى التحديات التي تواجه البشرية، فمن تحديات الأزمة الصحية التي لا تزال تلقي بظلالها على أجزاء من العالم، إلى تحديات الاقتصاد والتضخم الذي تشهده الأسواق العالمية، إلى تحدي الأمن وخطر الحروب والتوترات الحاصلة في مناطق مختلفة من العالم.

هذا وقد شارك معالي الأمين العام للمجمع في جلسة المحاضرة الكبرى الأولى خلال اليوم الافتتاحي للملتقى والتي انعقدت تحت عنوان “دور القيادات الدينية في تحقيق السلم العالمي” وبمشاركة ثلّة من كبار المؤثرين على مستوى العالم من هولندا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والمملكة المتحدة والعراق. وفي مداخلته عبّر معاليه عن شكره وامتنانه لدولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وشعبا على احتضانها منتدى أبوظبي للسلم، وحسن رعايتها لهذه المؤسسة التي قدمت ولا تزال تقدم المزيد من الجهود والرؤى والأفكار من أجل تعزيز السلم في العالم عموما وفي المجتمعات المسلمة خصوصا، كما أعرب عن امتنانه الكبير وعرفانه العظيم لسماحة العلامة الشيخ عبد الله بن المحفوظ بن بيه، حفظه الله ورعاه، على أفكاره النيرة، ورؤيته الحصيفة، وإدراكه الرصين لمكمن الخلل ومحضن الزلل المتمثل في الفكر العليل الذي يذكي نار الصراعات في الأرجاء، وينشر الحروب بين أتباع الأديان، ويصادر القيم التي تدعو إليها الأديان، وهي السلم، والمحبة، والتعاون، والتحاف، والتعارف بين الشعوب من أج

ل إسعاد الإنسان والقيام بواجب العمران، وبيَّنَ معاليه أن معالجة هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البشرية تتطلب قيام كل واحد منا بما يستطيع لإطفاء الحرائق، وإعلان الحرب على الحرب لتحقيق السلم والسلام والأمان، وأردف قائلا: ” إن الدور المرتجى من القيادات الدينية الممثلة في الأئمة، والقساوسة، والرهبان، والأحبار، والقائمين على المؤسسات التربوية والتعليمية، دور عظيم، وكبير، وجلل، ذلك لأن من المتفق عليه أن وراء كل تطرف فكرا، ووراء كل إرهاب فكرا، بل وراء كل تشدد وغلو فكرا، والفكر هو المحرِّكُ، والموجِّه، والمؤثِّر في السلوك والتصرف، ولذلك، فإن على القيادات الدينية اليوم أن يقوموا بدورهم في مكافحة الفكر المتطرف، ونبذ خطابات الكراهية والإقصاء، والازدراء، وعليهم أن يقفوا سدا منيعا ضد كل فكر أو رأي ينشر التعصب، والتشدد، والغلو. وعليهم أن يعملوا معا على تعزيز الوعي بتحريم الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك الدم دم مسلم أو دم غير مسلم، وبين أن يكون ذلك المال مال إنسان مسلم أو مال غير مسلم، ولا بين أن يكون ذلك المال مال إنسان أو مال غير إنسان.. ولحكمة يعلمها الله كانت دعوته صلى الله عليه وآله وسلّم في حجة الوداع موجهة إلى الناس جميعا عندما قال: يا أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.. يجب علينا جميعا نحن القيادات الدينية من جميع الأديان والمعتقدات أن نعمل على ترسيخ هذا المبدأ لنضع حدا لسفك الدماء، وهتك الأعراض، وإبادة الممتلكات باسم الأديان والمعتقدات، والحال أن الأديان بريئة من كل هذه الجرائم التي ترتكب باسمها زورا وبهتانا. “

وتحقيقا لهذا الدور المنتظر من القيادات الدينية، أكد معاليه على أهمية مراجعة المناهج الدراسية لتصبح مناهج تنشر قيم المحبة، والإخاء، والتسامح والوئام والسلام، وبناء الجسور، وتجاوز ترسبات التاريخ من أجل وضع حد للتناحر والتقاتل. كما أوضح معاليه أنّ على القيادات الدينية تعزيز وعي العامة والأتباع بأن الاختلاف بين البشر في أديانهم ومعتقداتهم يعد سنّة كونية أزلية لا يمكن إزالتها لقوله تعالى ((ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)).. ولقوله تعالى (( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)). وتعني هذه النصوص أن التعددية والتنوع الديني والعرقي والثقافي إرادة إلهية لا يمكن تجاهلها ولا إزالتها في الوجود، ولذلك لا بد من التعاون والتنسيق والتواصل بين القيادات الدينية لتعزيز هذا الفهم، وترسيخه في الأذهان والتصرفات”.

وختم معاليه كلمته بالدعوة إلى العمل جاهدين من أجل تحويل مبدأ التسامح والتعايش إلى سلوك عملي ملموس، وممارسة يومية مستمرة، وإلى ضرورة صيرورة الالتزام بالأديان كعامل تهذيب وتنوير يهدي الإنسانية إلى القيم النبيلة والمبادئ السامية المشتركة من محبّة، وأخوة، اعتبارا بأن استقرار العالم لن يكون إلا بتحقيق تلك القيم والمبادئ، لأنها تمثّل طريق الخير لنشر السلام والأمن والأمان في العالم بأسره.

والجدير بالذكر أن المنتدى يعمل منذ انطلاقته الأولى عام 2014 على نشر قيم السلم والتسامح من خلال تأصيل وتوصيل مفاهيم السلم في المجتمعات الإنسانية، وتفنيد دعاوى التطرف والكراهية والإقصاء، ويعد ملتقاه السنوي منصة علمية وفضاء معرفيا تلتقي فيه القيادات الدينية وغير الدينية لتبادل الآراء والخبرات، وسبر سبل التعاون والشراكات في القضايا ذات الصلة بتعزيز السلم حول العالم.