بدعوة كريمة من إدارة المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة البريطانية لندن، ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، يوم 17 من شهر ربيع الثاني لعام 1444هـ الموافق 11 من شهر نوفمبر لعام 2022 م، خطبة الجمعة في مسجد لندن الكبير باللغتين العربية والإنجليزية، وكان موضوعها حول “حقّ الوطن على الإنسان”.
وقد استهلّ معاليه خطبته بتذكير المصليين بأن الكون كله ملك لله جل جلاله، وأن الأرض كلها ملك لله عز شأنه، وأن الإنسان مكلف بعمارة الكون، وإصلاحه، وتدبير شؤونه أينما كان وحيثما حل، مؤكدا بأن الله خلقنا شعوبا وقبائل لتعارفوا. ومن هنا، فإن للأوطان التي نقطنها ونعيش في جنباتها حقوقا يجب علينا أداؤها، وواجبات تجاهها يجب الالتزام بها؛ ومن أهم تلك الحقوق علينا أن نحبها، ونحميها، ونحافظ على أمنها، واستقرارها، ورخائها، وأن نعتز بالانتماء إليها اعترافا بجميلها وخيراتها وإحسانها إلينا. فعلى المسلم إذا اتخذ بلدا وطنا له، ومكان إقامة به، فعليه أداء الحقوق المشار إليها، والالتزام بتشريعاتها، واحترام قوانينها، والابتعاد عن كل ما يخالف الأنظمة التي وضعت من أجل حمايته، ورعايته، وتوفير فرص العمل، والعيش الكريم له ولعائلته. ثم أوضح معاليه أن على المسلم البريطاني أن يعتز بكونه بريطانيًّا، ومسلما في آن واحد، وعليه أن يحب هذه الدولة التي قدمت له كل ما يحتاجه من رعاية، وحماية، وعيش كريم، ولا تعارض بين أن يكون مسلما وبريطانيا في الوقت نفسه، فالمواطنة والانتماء الديني أمران لا يتعارضان ولا يتناقضان ولا يتنافيان، بل يتكاملان، ويتعاضدان، ويتآزران. فالوطن الذي اخترته للعيش فيه، والعمل به، والاسترزاق من خيراته، وفرصه، وتربية أبنائك فيه، لا يتعارض مع محافظتك على هويتك الدينية. فالإسلام أكبر من أن ينحصر في بلد واحد بعينه أو ينحصر الوجود الإسلامي في وطن بعينه، فالإسلام جاء للعالم بأسره، ولأهل الأرض قاطبة.
ثمّ تطرق معاليه إلى ما يجب أن يكون عليه المسلم في أي أرض كان من أخلاق، وسلوك. فالمسلم يجب أن يكون نموذجا في الصدق والعمل والجد والاستقامة، فأفضل الأعمال أن يأكل المرء من عمل يديه ولا يكون عالة على المجتمع. كما أنّ على المسلم تربية أبنائه وبناته تربية سليمة تجعلهم بناة ومواطنين صالحين، يساهمون في بناء الأوطان والمحافظة عليها، ويشاركون في تطويرها وتقدمها ونهضتها. كما دعا معاليه جموع المصليين إلى الابتعاد عن العنف، والتشدد، والتطرف، والإرهاب، وكل ما يضر بالأوطان، ويسيئ إلى سمعة الإسلام والمسلمين، فالإسلام بريء من تعنيف الولدان والنساء والحيوان، بل بريء من الإساءة إلى البيئة، والمسلم ليس بعنيف ولا متطرف ولا لعان ولا سباب بل رحيم صدوق رفيق جاد ومستقيم في سلوكه وتصرفاته.. كما أوضح معاليه أن مكافحة ظاهرة إسلاموفوبيا لا تكون بالعنف، بل بتقديم الإسلام وقيم الإسلام بصورة موضوعية هادئة، كما أن الإساءة إلى نبي الرحمة، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، لا تقابل بالعنف أو الصراخ، ولكن تقابل بالعمل المنظم الجاد بتعريف الناس بهذا النبي المعصوم الرحمة المهداة، وتعريف الناس بشكل أخص بسيرته العطرة، وخلقه العظيم، ومنهجه القويم.. فالبشرية لم تعرف في تاريخها إنسانا عظيما رحيما حبوبا ودودا رؤوفا مثل النبي محمد الذي يعرف المنصفون جميع تفاصيل حياته، وسيرته. وختم خطبته بدعوة المصليين إلى الابتعاد عن جميع أشكال العنف وكراهية الأديان والازدراء بالرموز، والتعصب. ثم دعا معاليه الله أن يحفظ المملكة المتحدة، وجميع العالم من ويلات الحروب والكوارث والفتن.
هذا وقد شهد صلاة الجمعة جموع غفيرة امتلأ بهم المسجد وساحاته والطرق المحيطة به، وقدر عددهم بأكثر من خمسة آلاف مصل ومصلية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الخطبة لاقت استحسانا واسعا من جموع المصلين ومن القيادات الوطنية والإسلامية ببريطانيا حيث تم تداولها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بشكل مكثف.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار