معالي الأمين العام يرأس الجلسة الثانية في الدورة 44 لمنتدى البركة “مقاصد الشريعة: الإطار الناظم للاقتصاد الإسلامي”

رأس معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، يوم الأربعاء 18 من شهر شعبان لعام 1445هـ الموافق 28 من شهر فبراير لعام 2024م، الجلسة الثانية من جلسات الدورة 44 لندوة البركة حول “مقاصد الشريعة: الإطار الناظم للاقتصاد الإسلامي” التي انعقدت بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية. وقد كان عنوان الجلسة المذكورة “أدوات الاستثمار في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية”.

هذا، وقد استهلّ معاليه رئاسته بالتعبير عن شكره الجزيل وتقديره الفائق لمنتدى البركة للاقتصاد الإسلامي على تكرُّمه بدعوة معاليه لرئاسة إحدى جلسات هذه الندوة العلمية المباركة المهمة، كما أعرب عن تهنئته للّجنة العلمية على حسن اختيارها لعنوان الندوة لهذا العام، وذلك اعتبارًا بأن الاقتصاد الإسلامي يحتاج إلى إطار عام يضبط مسارَه، ويحدَّد اهتمامه، وليس هناك شيء يستحق ذلك أكثر من مقاصد الشريعة في المال والأعمال، ولذلك فإن عنوان الندوة دقيق وموفق ويستحق كل الإشادة.

ثم أوضح معاليه أن ثمّة حاجة إلى الانتقال من الحديث العامّ عن مقاصد الشريعة وأهميتها للاقتصاد الإسلامي إلى الحديث عن كيفية توظيف المقاصد في مجال الاقتصاد الإسلامي، مؤكدًا أن المقاصد المقصودة هي: مقاصد الشرع في المعاملات المالية دون غيرها من أبوب الفقه. وأشار بهذه المناسبة إلى ذلك الجهد العلمي التأصيلي المبارك الذي قام به الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه القيِّم بعنوان مقاصد الشريعة الإسلامية حيث أصََّل تأصيلًا دقيقا مقاصد ااتشريع العامة بصفة عامة، ومقاصد التصرفات المالية بصفة خاصة، مما يجعل أيّ حديث عن مقاصد الشريعة في مجال الاقتصاد الإسلامي قبل الاطلاع على ما كتبه ابن عاشور حديثًا ناقصًا، وذلك لأن ابن عاشور يُعتبر الفقيه الوحيد المعاصر الذي أصَّل القول في هذا الموضوع تأصيلًا عميقًا مما يجعل الحاجة ماسّة إلى الاستفادة من فكره وآرائه في هذا المجال.

ثم تحدث عن الواقع الإسلامي الاقتصادي الراهن الذي يضمّ في جنَباته تخريجًا شرعيًّا للأساليب والمعاملات المالية المعاصرة، مؤكدًا على أهمية الالتفات إلى البُعد المقاصدي واتخاذه مُرتكَزُا أساسا وإطارا عاما ينطلق منه التكييف الفقهي والتخريج الشرعي للعقود المستجدة والأساليب الاستثمارية الحديثة، ومنوها أيضا إلى أهمية الاحتكام إلى مقاصد الشرع في المعاملات المالية عند الهَمِّ بالترجيح بين الاجتهادات والفتاوى المنسوجة حول مستجدات العقود وأدوات الاستثمار.

ثم تحدث معاليه عن ضرورة الاجتهاد في أدوات الاستثمار وأساليبها الحديثة من خلال مقاصد الشريعة، وتأصيل أحكامها، وترشيد متغيّراتها، فقال: “إن الاجتهاد في شأن أدوات الاستثمار وأساليبها الحديثة من خلال مقاصد الشريعة الإسلامية أصبح اليوم فريضةً دينيّة، وأن تأصيل أحكامها غدَا ضرورةً عصرية، كما أن توجيه مسائلها وتسديد مستجدّاتها، وترشيد متغيراتها، أمسى ذلك كلّه مصلحةً زمنية، وذلك كلّه حفاظًا على مقاصد الشرع العليا في المال والأعمال التي لخصها الإمام ابن عاشور في خمسة مقاصد، وهي مقصد الروَاج، ومقصد الوضوح، ومقصد الحفظ، ومقصد العدل، ومقصد الثبات”.

وبالنسبة لأهم مقاصد الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي أوضح معاليه بأنها تتمثل في “..ثلاثة مقاصد رئيسة، وهي: مقصد الحفاظ على أصل المال باستدامة تنميته وزيادته، ومقصد الحفاظ على دَيْمُومة تداول المال، ومقصد تحقيق الرفاهة الشاملة للفرد والمجتمع تمكينا للأفراد والمجتمعات من القيام بالمهمة الإلهيّة العظيمة التي خُلِق المكلَّف لها، وهي مهمة الخلافة لله في الأرض بعِمارتها، وتدبير شأنها، وحاضرها ومستقبلها”.

وأضاف قائلًا: “إن من خلال هذه المقاصد لارتباطها بموضوع الاستثمار أرى أن استدامة تنمية المال ضرورة دينية لازدياد حاجةِ البشرية له يومًا بعد يوم بسبب التطورات المتسارعة في الحياة اليومية، كما أن ديمومة تداول المال، وتقلُّبه في أيدٍ متعددة مصلحة واقعية لمكافحة الفقر والعوز والحاجة لدى شريحة واسعة في المجمع، فضلا عن أن تحقيق الرفاهة الشاملة للفرد والمجتمع لا تمام له إلا من خلال تمكين جميع أفراد المجتمع من الاستمتاع بالرَّفاهِ والرخاء الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي والأمن الغذائي، فتزول بذلك كل مظاهر الحسد والتباغُض وأمراض القلوب بين أفراد المجتمع”.

وفي الختام عبّر معاليه عن أمَله في أن يصدر عن الندوة توصيات رصينة ناضجة شاملة، تتضمّن خطوطًا واضحة، وأُسُسًا قويمةً تساعد على تفعيل دور مقاصد الشريعة في المعاملات المالية، ودعا المهتمين بالاقتصاد الإسلامي إلى تعزيز الوعي وتعميق الفهم بالمقاصد الشرعية، وبخاصة طرق الكشف عنها التي تحدث عنها الشاطبي وابن عاشور، كما دعا المؤسسات العلمية الجامعية إلى تأسيس أقسام مستقلة خاصة بعلم المقاصد جنبا إلى جنب كقسم الفقه وأصوله، وقسم الاقتصاد الإسلامي تحقيقا لحلم الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه الله.

هذا، وقد قدَّم المتحدثون أوراقهم العلمية التي نالت الإشادة والاستحسان من الحضور إذ تميّزت تلك الأوراق بالجمع بين الجانب النظري والجانب التطبيقي لمقاصد الشريعة في مجال الاقتصاد الإسلامي.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى