على هامش مشاركة في الدروس الحسنية التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة بالمملكة المغربية ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، محاضرة علمية بعنوان «المراحل التعليمية بين التقليد والتجديد قراءة في المنظومة التعليمية التقليدية في ضوء الواقع المعاصر» يوم الثلاثاء 16 من رمضان 1445هـ موافق 26من مارس 2024م بدار الحديث الحسنية بالعاصمة المغربية الرباط.
هذا، وقد استهل معاليه محاضرته بتقديم الشكر الجزيل والتقدير الجليل إلى القائمين على مؤسسة دار الحديث الحسنية على حسن الاستقبال، وحفاوة الترحاب، وعلى تنظميهم الموفق لهذه المحاضرة العلمية التي وصفها بأنها نظرة متجدّدة في قضية شائكة من قضايا التربية والتعليم في العالم عموما وفي العالم الإسلامي خصوصا، إنها قضية مراجعة المراحل التعليمية أسوة بمراجعة المناهج التعليمية، والنظم التعليمية، والمقررات الدراسية
كما أوضح معاليه أن المناهج والمراحل التعليمية كلّها تدخل فيما يعرف بالمنظومة التعليمية، التي هي عبارة عن الشبكة التي تجمع بين الإنسان، الذي هو الكادر الأكاديمي، أو الطالب الذي يدرس في هذه المؤسسات، وبين المؤسسات التي تقدم المعلومة لهذا الإنسان، والمراحل التعليمية التي يحتاج إليها الإنسان، لكي يصل إلى المعلومة ولكي يصبح في مستوى نحسبه فيه قادرًا على المشاركة على الإسهام؛ على التطبيب، على التدبير، على البناء، وعلى التوجيه والتسديد، بالإضافة للعوامل التي تكون محيطة بهذه المنظومة، وهي عبارة عن الإنسان، وعن المكان وعن الزمان وعن الظرف. وأن هذه الأمور الأربعة هي التي تتشكل منها المنظومة التعليمية: الإنسان: الهيئة التدريسية، الإطار الذي يقدم المعلومة، والإنسان الذي يُقدم له هذه المعلومة، المكان: المؤسسات التي تُقدَم عبرها هذه المعلومة إلى هذا الإنسان، ثم الزمان: هي المراحل التعليمية التي يسير عليها الإنسان، المرحلة التي يسمونها مرحلة حضانة رياض الأطفال، والمرحلة الابتدائية، ثم المرحلة المتوسطة، والثانوية، ثم المرحلة الجامعية، ومرحلة الدراسات العليا، أو ما بعد المرحلة الجامعية. أما الظرف أو الواقع، فهي العوامل التي تؤثر العوامل السياسية، العوامل الاجتماعية، العوامل الثقافية، مبينًا أن كل هذه العوامل تؤثر في نجاح هذه المنظومة التعليمية، وأن الحديث في تجديد هذه المنظومة يُفترض فيه أن يكون شاملا للجميع، والتي تشمل كل هذه المرافق، موضحًا أن الاهتمام يجب أن لا يكون في قضية مراجعة المناهج ، في الوقت الذي ننسى فيه أن المراحل التعليمية التي تُقدم خلالها هذه المناهج لا تهتم بمراجعتها ولا بتجديدها، لأنها اجتهادات بشرية، تنامت وتشكلت ونُسجت، مؤكدا على ضرورة مراجعة المناهج والمقررات بمقرراتها وبمحتوياتها.
ثم قدم تصورا دقيقا عن تاريخ نشأة المراحل التعليمية التقليدية السائدة، مؤكدا بأن تاريخ المراحل التعليمية الحالية يعود إلى القرن التاسع عشر الهجري وعلى وجه التحديد عام 1893م وذلك مع بداية الثورة الصناعية الثانية، قائلاً:» أن هذه المراحل نقلت إلينا بعد الثورة الصناعية الثانية. الثورات الصناعية هي أربعة: الثورة الصناعية الأولى، وقد بدأت من عام 1840م، إلى عام 1869م تقريبًا، تلتها الثورة الصناعية الثانية من عام 1870م إلى عام 1960م تقريبًا في بعض الروايات، وبدأت الثورة الثالثة بعدها إلى عام 2000م، وأما الثورة الرابعة، فقد بدأت عام 2000م ولا تزال إلى يومنا هذا، وقد جادت هذه الثورة بظهور الإنترنت والذكاء الاصطناعي، ووسائل التواصل، وأشياء لم تكن تخطر على بال إنسان من قبل، ولا تزال الأيام حبلى بمزيد من المفاجآت التي ستأتي مع هذه الثورة الصناعية الرابعة».
وأضاف «إن المراحل التعليمية الأساسية قد نشأت حقيقة وبدأ الحديث عنها في الثورة الصناعية الثانية، بعدما كان التعليم في الماضي مُركزًا على تعليم الكتابة والقراءة فقط، ولم يكن التعليم في المرحلة الأولى متاحًا للجميع، كان التعليم قاصًرا على طبقة معينة في المجتمع، لم يكن كل أحد، بغض النظر عن قدراتهم وإمكاناتهم يُقبل في التعليم، وخاصة الكنيسة في مرحلة ما كانت ترى أن التعليم حكرٌ على بعض الناس في المجتمع، وليس كلُّ الناس».
كما أضاف «.. أن في الثورة الصناعية الثانية اضطررنا، وأصبح الواقع بحاجة إلى أكثر من متعلم، ففي التاريخ: بين الروس وبين الأمريكان كان هناك تنافس في المراحل الحديثة، فروسيا تعتبر الدولة التي بدأت بأن يكون التعليم الأساسي فيها 12 عامًا، أي تقريبًا من عام 1892م استقر الرأي أن تكون المراحل التعليمية 12 عامًا، والطالب يصبح بذلك عالما، ويصبح بعد ذلك مرجعًا للمجتمع الذي يعيش فيه. وجاءت بعد ذلك أمريكا، ولكن التعليم في تلك المرحلة كان قاصرًا ومقتصرًا على الكتابة والقراءة، ثم أضيفت إليهما من وقت إلى آخر الرياضيات والفيزياء وغيرهما، وكل ما نَشر أو كلما أصبح علم هناك من هو متمكن منه يضاف إلى هذه المواد التي تدرس في هذه المراحل».
ثم تحدث معاليه عن واقع مراحلنا التعليمية التي ورثناها والتي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، داعيا إلى أهمية العناية بهذه المراحل التعليمية التي من خلالها تقدم رؤية في مراجعه هذه المراحل لكي تصبح مراحل تعبر عن الواقع الذي نعيش فيه وتلبي الطموحات والتحديات التي تواجهها الأمة الإسلامية بشكل خاص، موضحًا بأن المراحل التعليمية عبارة عن السنوات الدراسية التي يتلقى النشء خلالها كما كبيرا وقدرا مهما من المعلومات والمهارات والمبادئ والقيم التي تعينهم على مواجهة التحديات، والارتقاء بشعوبهم وتنمية دولهم انطلاقا مما تتضمنه تلك المهارات والقيم والمبادئ من توجيهات وتعاليم. ولهذا، فإن الحاجة تمس إلى مراجعة المراحل التعليمية التقليدية بغية ضبط القدر والكم والنوع المطلوب من المعلومات والمهارات والمعارف في كل مرحلة من مراحل التعليم في ضوء تحديات العصر الراهن..
وختم معاليه محاضرته بالدعوة إلى الاستفادة من هذه الثورة الصناعية الحديثة، ومن هذه الطفرة التي صارت في المعلومات وفي وسائل التعليم وجعل التعليم بمراحله كلَّها في هذه الحدود وإعداد جيل يُمكِّنُه من المشاركة في بناء المجتمع، كما دعا بضرورة العمل على تقليص المعلومات التي تقدمها تلك المؤسسات التعليمية والتي هي في حقيقتها معلومات تحسينية وليست من الحاجيات ولا هي من الضروريات والاكتفاء بالمعلومات التي تعرف بالمعلومات الضرورية لهذا الإنسان حتى يستطيع الإسهام في بناء الدول والأوطان.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار