
أكد معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، أن “التقدم السريع في مجالات البصمة الوراثية، وتحرير الجينات، والذكاء الاصطناعي، يستدعي اجتهادWا جماعيًّا مؤسسيًّا يقدّم مقارَبة شرعية وأخلاقية رصينة، تحفظ للإنسان كرامته، وتصُون للمجتمعات استقرارها، وتُجنِّب البشرية مخاطر الانفلات العلمي والتقني”.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها معاليه مساء الخميس 17 من ذي القعدة 1446هـ الموافق 15 مايو 2025م، خلال الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بعنوان: “البصمة الوراثية وتحرير الجينات في عصر الذكاء الاصطناعي”، الذي نظمته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت، بمشاركة رفيعة من العلماء والخبراء في الطب والفقه والتقنية والقانون.
وفي مستهلّ كلمته، نقل معاليه تحيّات أعضاء وخبراء المجمع، معبّرًا عن جزيل الشكر وفائق التقدير وعظيم الامتنان لحضرة صاحب السموّ الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، حفظه الله، ولحكومته على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، مُشيدًا بما تتميّز به المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية من رؤية استباقية، ونظرة واقعية، ومُواكَبة حثِيثة لمستجدّات العلوم الطبية والتقنية منذ عقود، مشيرًا إلى أنها: “واحدة من أنْبَل المؤسسات العلمية الرائدة في العالم الإسلامي، لِما عُرف عنها من سبق علمي، وتأصيل شرعي، ومهنية بحثيّة عالية، تُجسِّد روح التكامل بين أهل الطب وأهل الشرع”.
ثم تناول معاليه موضوع المؤتمر، مشيرًا إلى أن العنوان يشكّل “مثلَّثًا معرفيًّا متداخل الأبعاد”، موضحًا على أن “البصمة الوراثية تمثّل الهوية الجِينية للفرد، وأن تحرير الجينات يُمكّن من تعديل الشيفرة الوراثية بدِقّة متناهية باستخدام تقنيات كـ”كريسبر-كاس 9″، وأن الذكاء الاصطناعي تجاوز دوره التحليلي إلى شراكة فعلية في اتخاذ القرارات الطبية والجينية”، ممّا يجعل الحاجَة ماسّة إلى الاستفادة القصوى من الفرص التي تُتيحها هذه التقنيات لعلاج الأمراض الوراثية المستعصية، مع التنبيه على أهمية الالتفات إلى تلك التحديات الشرعية والأخلاقية التي تثيرها هذه التحولات السريعة في عالم الهندسة الوراثية، فقال: “من مَكْرُور القول إن هذه التحوّلات الهائلة، وإنْ بدَتْ واعدة، غير أنها تُثير في الوقت ذاته إشكالات دقيقة تتعلق بالخصوصية الجينية، وسرّية البيانات، وإمكانية التمييز الجيني، ناهيك عن التحديات الشرعية والأخلاقية المصاحبة لها”، ثم أشار معاليه إلى أن أهمية هذا المؤتمر “لا تنبُع من موضوعه فقط، بل من كونه فضاءً جامعًا يمهّد لصياغة رؤية شرعية إنسانية وأخلاقية مشتركة توجِّه مسارات التقدم العلمي نحو الخير العامّ، وتقِيهِ من مُنزلَقات الانفلات أو الاستغلال أو الفوضى”، مؤكدًا “ما أحوجَنا إلى إعادة بناء العلاقة بين التقدم العلمي والمنظومة القِيَمية، بين الابتكار والمسؤولية، بين الطموح والضمير باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل آمِن ومُستدام للإنسانية”.
ثم شدّد معاليه على أهمية التريُّث والابتعاد عن الاجتهادات الفردية في إصدار الأحكام الفقهية في هذه النوازل والمستجدات الدقيقة، قائلًا: “إن التعامل المسؤول والتفاعل المنشود معها ينبغي أن يستند إلى اجتهاد جماعي مؤسسي، يجمع بين الفقهاء والأطباء، وعلماء الوراثة، وخبراء القانون، والمتخصصين في تقنيات الذكاء الاصطناعي”، وأضاف معاليه أن هذا المسار الجماعي هو وحده الكفيل بتقديم إجابات رصينة ومتوازنة تراعي مقاصد الشريعة ومتطلبات العصر.
وفي هذا السياق، دعا معاليه إلى الالتزام بالقرارات المَجمَعية الصادرة عن المجمع، والتي تأسّست على توصيفات علمية دقيقة من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ومراكز بحثية موثوقة، وأردف قائلًا: “إننا نؤكد على أهمية التزام مؤسسات الفتوى والإفتاء والصحة في الدول الأعضاء، وفي المجتمعات المسلمة، بقرارات المجمع بشأن الذكاء الاصطناعي، والبصمة الوراثية، والجينوم البشري، والهندسة الوراثية… حفاظًا على وحدة المرجعية الفكرية والشرعية للأمّة”، كما أكّد معاليه انفتاح المجمع على مراجعة قراراته متى تغيّرت المعطيات أو تجدّدت الوقائع، مستندًا إلى قاعدة أصولية أصيلة مفادها: “لا يُنكَر تغيُّر الفتوى بتغيّر الأزْمنة والأمْكنة والأحوال والعادات”.
ثم توجّه معاليه بالشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، ولي عهد دولة الكويت، على رعايته الكريمة للمؤتمر، ولمعالي الدكتور أحمد عبد الوهاب العوضي، وزير الصحة، على دعمه ومتابعته للمؤتمر، ولمعالي الدكتور محمد أحمد الجار الله، رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، على تنظيم هذا المؤتمر العلمي المهم، داعيًا إلى “رفع توصيات المؤتمر إلى مجمع الفقه الإسلامي الدولي لتكون أساسًا علميًا لقرارات مَجمَعيّة محكمة بعد تنقيحها وتنضيجها وتجويدها بإذن الله تعالى”.
ولم يفُتْ معاليه أن يُعرب عن عميق امتنانه لـ”جنود الخفاء” في المنظمة، مشيدًا بعطائهم، حيث قال: “الشكر الوافر والتقدير الزاخر لجنود الخفاء المخلصين بالمنظمة الإسلامية، وبخاصة سعادة الدكتور عبد اللطيف المُرّ، الأمين العام المساعد للمنظمة، على حُسن المتابعة والتنسيق”.
وفي لفْتة رمزيّة تعبّر عن حرص المجمع على تعميم المعرفة وتكامل المرجعيات، قدّم معالي الأمين العام نسختين من الإصدار الخامس لكتاب “القرارات والتوصيات الصادرة عن المجمع” إلى معالي وزير الصحة، ومعالي رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، تثمينًا للتعاون المثمر بين المؤسستين، وإيمانًا بضرورة إشاعة المرجعية الشرعية في الأوساط الصحية والعلمية بالعالم الإسلامي.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار