في مؤتمر عالمي بكوالالمبور تحدث معاليه عن إسهامات المفكر الإسلامي الراحل عبدالحميد أبو سليمان في مجال التكامل العلوم
31 مايو، 2024
 | 

بدعوة كريمة من كلية أبو سليمان لمعارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بكوالالمبور بماليزيا، شارك معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، في المؤتمر العالمي الذي نظّمته الكلية عن التكامل بين العلوم، يوم الخميس 22 من شهر ذي القعدة لعام 1445هـ الموافق 30 من شهر مايو لعام 2024م بالمدينة الجامعية غومباك بكوالالمبور.
هذا، وقد بدأ المؤتمر بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، تلاها كلمة ترحيبية ألقاها سعادة الأستاذ الدكتور شكران عبد الرحمن، عميد كلية أبو سليمان لمعارف الوحي والعلوم الإنسانيّة بالجامعة، أعرب فيها عن شكر الكلية الجزيل للمشاركين والمشاركات في هذا المؤتمر الذي يسعى إلى تسليط الضوء على الإسهامات المقدَّرة للمفكر الإسلامي الراحل الدكتور عبد الحميد بن أحمد أبو سليمان -رحمه الله- في مجال التكامل بين معارف الوحي والعلوم الإنسانيّة من جانب، وبين القيَم والعلوم التطبيقيّة من جانب آخَر، حيث إنه كَرَّس حياته لتعزيز الوعي بهذا المشروع الإصلاحي العظيم الذي كان يراه الحَلَّ الأوْحد لمعالجة الأزمة الفكريّة المعاصرة التي تعانيها الأمّة، وقد بذل ما في وسْعه من جهد جهيد في تطبيق هذا المشروع في أرض الواقع من خلال جملة من المؤسسات الفكريّة والعلميّة التي أسَّسَها، مشيرًا إلى أن الكلية التي تنظّم هذا المؤتمر اليوم تُعد نموذجًا عمليًّا لتطبيق المشروع، ومؤكدًا بأن الكلية ماضية في تطبيقه، وتعزيز الوعي به من خلال برامجها ومقرراتها الدراسية، كما أعرب سعادته أيضًا عن التعاون الوثيق بين الكلية ومجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، في تنظيم هذا المؤتمر، حيث إن المجمع تكفل بتحمّل تكاليف طباعة أوراق المؤتمر في كتاب سيصدر لاحقًا.

ثم ألقى سعادة البروفيسور تان سري ذو الكفل عبد الرزاق، مدير الجامعة الإسلامية العالمية، كلمة أعرب فيها عن اعتزاز الجامعة بعقد هذا المؤتمر في رحابها، منوّهًا بأهمية التكامل بين العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، وبين القيَم الإسلامية والعلوم التطبيقية، ومشيدًا بتميّز الجامعة الإسلامية في كونها إحدى الجامعات النادرة في العالم التي تسعى إلى إعداد جيل من النَّشْء متوازن يجمع بين الالتزام بالقيم والأخلاق وإتقان العلوم والمعارف التي يتخصصون فيها تجسيدًا لرسالة الإسلام الخالدة التي تدعو إلى الرحمة، والعدل، والمساواة، والإتقان، والإبداع، كما أعرب سعادته عن تقدير الجامعة لِما كان للمفكر الإسلامي الراحل الدكتور عبد الحميد أبو سليمان -رحمه الله- مِن دَور بارز وواضح في النهوض بالجامعة، حيث إن الجامعة شهدت في فترة إدارته لها نُقْلةً نوعية، وتطورًا كبيرًا جعل منها جامعة عالمية مرموقة منافسة للجامعات العالمية، فضلًا عن التوسُّع الذي عرفتْه الجامعة في كلياتها، وأقسامها، وبرامجها، وعدد طلبتها، وهيئة تدريسها.
ثم ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، الكلمة الرئيسة في المؤتمر التي كانت بعنوان “إسهامات المفكر الإسلامي الكبير الراحل الدكتور عبد الحميد بن أحمد أبو سليمان -رحمه الله- في مجال التكامل بين العلوم”، مستهلًّا كلمته بالتعبير عن وافر الشكر وعظيم الامتنان لإدارة الجامعة عامةً، ولعمادة كلية أبو سليمان لمعارف الوحي والعلوم الإنسانيَّة خاصةً، على تنظيمها هذا المؤتمر الدولي المهم من أجل تسليط الضوء على تلك الإسهامات المباركة التي قدَّمها المفكر الراحل، وخصَّ بالعرفان والثناء إدارة الجامعة على تخليدها ذِكره -رحمه الله- بتسميتها الكلية التي تتشرف اليوم بتنظيم هذا المؤتمر باسْمه؛ اعترافًا، وتقديرًا، واحتفاءً بإسهاماته.

 

ثم قدّم معاليه نبذة مختصرة عن سيرته منوّهًا بأنه -رحمه الله- كان أحد المفكرين المعاصرين العظام الذين تركوا بصمات واضحة على الفكر الإسلامي المعاصر، فقد وفّقه الله إلى تأسيس عدد من المؤسسات الفكرية المعاصرة المهمة في العالم، منها الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، وجمعية العلماء الاجتماعيّين المسلمين بالولايات المتحدة الأمريكية، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية، والارتقاء بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا لتصبح إحدى أهم الجامعات المرموقة في العالم، فضلًا عما كان له -غفر الله له- من إسهامات جليلة في تقديم الحلول العملية للأزمة الفكرية التي أثّرت في حياة الأمّة، وأفقدتْها القيادة والريادة التي كانت لها ذات يوم نتيجة تمكّن الأزمة منها.
ثم تحدث معاليه عن أهم نقاط إسهامات الراحل في مجال التكامل بين معارف الوحي والعلوم الإنسانيّة، حيث عنِيَ المرحوم بتقديم تشخيص دقيق لجذور الأزمة التي تعاني منها الأمة، رافضًا ما يحسبه كثير من الناس جذورًا وأسبابًا للأزمة متمثلة في ضعف الإيمان لدى الأمة، وقلّة مواردها، ذلك لأنه -في رأيه- لا ينقص الأمة الإيمان، ولا تنقصها الموارد، ولكن ينقصها كيفية التعامل الأمثل مع الوحي بوصفه المرجعيّة العليا المحدِّدة للقيَم والأهداف التي توجِّه الحياة، وتُرشد العقل، كما ينقصها أيضًا إدراك ذلك الدور المهم المَنُوط بالعقل بوصفه الأداة المسؤولة عن تفسير الوحي، وتنزيله في الواقع في ضوء ظروف الزمان والمكان، مما يعني أن جذور الأزمة تكمن في افتعال صراع بين الوحي والعقل، والحال أنهما لا يتعارضان ولا يتضادّان، كما تكمن في خَلْط الأمة بين الوحي والمعارف المستفادة منها، إذ جعلت تلك المعارف المتأثرة بالظروف وحيًا على الرغم من كونها أفهامًا بشرية متغيرة، وترتّب على ذلك لُجوء أبناء الأمّة إلى استلْهام الحلول من الموْروث التقليدي الذي لا يمكنه بأيّ حالٍ من الأحوال معالجة الأزمات والمشكلات التي تعاني منها، وقد كان حريًّا بالأمّة البحث عن الحلول الواقعية من خلال تشكّل أفهام تستفيد ممّا توصّلتْ إليه اليوم العلوم الإنسانية والاجتماعية في مجال تفسير الظواهر، والتعامل معها في ضوء الارتكاز على الكليات والقيم الإسلامية الثابتة.
وبناءً على هذا، فقد كان فضيلته -رحمه الله- يرى أن التكامل المنشود بين العلوم هو تكامل بين المعارف المستفادة من الوحي والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، وليس تكاملًا بين الوحي والعلوم، لأن الوحي يتضمن القيم والأهداف الثابتة، والمبادئ الكلية، وهي ثابتة لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال، وأما المعارف المستفادة منه، فهي لا تختلف عن العلوم الإنسانية والاجتماعية من حيث التغير والتأثر.
وبالنسبة للتكامل المنشود في مجال العلوم التطبيقية، فقد كان يرى -رحمه الله- أن ذلك يتحقق من خلال أسْلَمة الغايات والأهداف التي توجِّه هذه العلوم بحيث تصبح بَعدُ علومًا محقّقة للخير والصلاح والسعادة للبشرية.
وأوضح معاليه أن فضيلته -رحمه الله- أوْدَع أهم أفكاره فيما يتعلق بجذور الأزمة التي تعاني منها الأمة في كتابه القيّم الفريد المُعَنْوَن “أزمة العقل المسلم”، ودعا الأمة -بعد تشخيصه الأزمة الحقيقية التي تعاني منها- إلى تجاوز الحلول التقليدية والحلول المستوردة للأزمة التي اعتبرها أزمة فكرية، وبدلًا من ذلك، فإن الحل المنْشود للأزمة حلٌّ جامعٌ بين الأصالة والمعاصرة، وذلك من خلال مشروع التكامل بين المعارف المستفادة من الوحي، وتسمّى معارف الوحي، والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة المستفادة من دراسة الظواهر والوقائع، واستخلاص العِبَر والتجارب منها، كما يكْمن الحلُّ أيضًا في أسلمة الغايات والأهداف التي توجه العلوم التطبيقية؛ سعيًا إلى إخضاع النتائج والتطورات التي تتوصل إليها تلك العلوم لما يحقق مقاصد وأهداف الشريعة العليا المعروفة بالمقاصد.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار