تعظيم قدسية الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والحرص على السكينة والأمن لحجاج بيت الله الحرام أمور دعا إليها الإسلام.
الحمد لله الذي جعل أول بيت وُضع للناس محجاً ومثابة وحرما آمنا وأنزل في محكم تنزيله: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) سورة آل عمران: 96-79, وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين الذي بلغ المسلمين فيما اخرجه البخاري ومسلم أن: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، وأن: “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”.
وبعد فإن أنظار المسلمين تتجه جميعا في هذه الأيام المباركة من أشهر الحج إلى الاستعدادات الكبرى التي تتم لانطلاق موكب الإسلام ومهرجانه العظيم والمؤتمر الإسلامي الأكبر المتمثل في أداء الحجاج لفريضة الحج في رحاب البيت العتيق، وقد أخذت بحمد الله وتوفيقه جموع الحجيج تحط رحالها في الحرمين الشريفين؛ في مكة المكرمة مهد الإسلام الأول، ومطاف المسلمين وقبلتهم جميعا، وفي المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة مهبط الوحي ومأرز الإسلام على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم، جاؤوا من كل فج عميق يحدوهم الشوق للبقاع الطاهرة وقد تآلفت جموعهم بأوثق عرى الإيمان والإلفة والمحبة والسلام لأداء شعائر فريضة الحج إستجابة لله ولرسوله إذ دعاهم لما يُحييهم، وقد طهروا قلوبهم من بواعث المعاصي والآثام، وجددوا إيمانهم بالله خالق الكون والإنسان، وغسلوا نفوسهم بتجديد التوبة والإنابة لله رب العالمين فصفت قلوبهم من الأحقاد واستنارت بصائرهم بأنوار الإيمان وانشغلت جوارحهم بالذكر والطاعات وعلت هممهم لاستباق الخيرات كل ذلك للظفر بالبشارة النبوية والتي بينتها السنة النبوية الشريفة فيما اخرجه البخاري ومسلم: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، فانطلقت ألسنتهم بالتلبية والذكر، وتلبست أرواحهم الخشوع والسكينة في رحاب الحرم المكي في دار السلام والأمن فكل حي فيها آمن، الناس والحيوان والنبات، فلا إيذاء فيها ولا قتال ولا بغي ولا ظلم ولا عدوان، الحيوان فيها لا يصاد والأشجار لا تقطع في رحابها تتجلى وحدة المسلمين أنصع ما يكون وتشتد أواصر الأخوة العميقة والمحبة الصادقة فيما بينهم، كلهم يبتغون فضلا من الله تعالى ورضوانا وقد هدوا إلى الطيب من القول والصالح من العمل وإلى صراط الله الحميد.
وفي ظلال جلال هذه الأجواء الإيمانية فإن أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي تتقدم بأصدق التهاني لجموع حجاج بيت الله الحرام الذين يتوافدون إلى الرحاب الطاهرة في هذه الأيام على سلامة الوصول لأداء فريضة الحج لعام ألف وأربعمائة وأربعين هجرية، وتسأل الله أن يعينهم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن ييسر لهم حجهم، ويتقبل منهم صالح الأعمال.
وتود أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي أن تذكر الأخوة حجاج بيت الله الحرام بضرورة الحرص على سلامة حجهم بأداء أركانه وواجباته وسننه ومستحباته، وتجنب محظوراته وكل ما يفسده أو يخل به، والتزام التقوى، والتحلي بالإنابة والخلق الإسلامي الرفيع أثناء رحلتهم المباركة ومسيرتهم التعبدية لأداء المناسك على الوجه الذي يرضي الله عنهم، ومن ذلك:
أولاً: الحرص على ما يقوي الصلات بينهم ويحقق المنافع العظيمة لهم قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) سورة الحج: 27-28.
ثانياً: الحرص على تعظيم قدسية الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج: 32، وكذلك تعظيم أمنها الذي تتميز به وقد أقسم رب العزة والجلال بمكة المكرمة الآمنة فقال سبحانه وتعالى: (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِين) سورة التين: 3، وعليه فكل القاصدين لمكة المكرمة لابد لهم أن يُعظموا أمن هذا البلد، وأن يصونوه بكل ما يستطيعون، ويتجنبوا فيه كل المعاصي والظلم والإيذاء بل وعدم إرادة السوء وتبيت العزم على الإثم والشر والفساد تجنبا لما جاء في الوعيد الرباني المخيف لكل من يحاول هتك حرمة الحرم قال سبحانه وتعالى: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) سورة الحج: 25.
ثالثاً: تؤكد أمانة المجمع على ما جاء في التوجيه الرباني والذي يدعو للتخلي عن الجدل وسوء الخلق والرفث والفسوق في شعيرة الحج قال تعالى: (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) سورة البقرة: 197.
هذا يقتضي من كل الحجاج أفرادا وجماعات الامتناع عن رفع الشعارات السياسية والمذهبية والحزبية والطائفية في الحرمين الشريفين ومحيطهما في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وفي المدينة المنورة، فجموع الحجيج الذين استجابوا لنداء ربهم رجالا وركبانا وتخلوا عن كل ما يفرقهم ويشتت صفهم ويمزق جمعهم ووحدتهم وكل ما يعكر صفائهم وصلتهم بربهم فلا صوت فيهم يعلو على ذكرهم لربهم في كل آن وحال بهتافهم البهيج: “لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك”، وعندما ينتهون من التلبية يكبرون الله على ما هداهم إليه.
والمملكة العربية السعودية – التي تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين وتبذل الغالي والنفيس على مدى الأيام والشهور لتقديم كل الخدمات التي تسهل أداء شعيرة الحج والعمرة لكل المسلمين بيسر وسهولة وأمن وسلام – قد سنت لتعزيز هذا كله قوانين وعقوبات للفئات التي تتسبب بمضايقات للحجاج والمعتمرين والزوار وتعكر صفو أداء هاتين الشعيرتين وذلك استنادا لمقررات المؤتمر السابع عشر لوزراء خارجية المؤتمر الإسلامي الذي عقد في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية عام 1408-1984 والذي أكد: “حرص المملكة العربية السعودية على خدمة الحرمين الشريفين وتوفير الأمن والاستقرار والهدوء لقاصديهما, كما أكد المؤتمر خلال توصياته في حينها على أن المملكة العربية السعودية لا تسمح أن تقوم فئة برفع شعارات سياسية أو مذهبية تعكر صفو وسكينة بقية الحجاج والمعتمرين والزوار، وأنه يتوجب على جميع الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي التعاون مع المملكة العربية السعودية في كل ما من شأنه تنفيذ الإجراءات الملائمة لذلك”.
وتؤكد أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي أن ذلك كله حق من حقوق المملكة للحفاظ على أمن وسلامة الحجاج، وهي تحث الحجاج جميعا للالتزام بالأنظمة والتعليمات والإرشادات التي تصدرها الجهات المختصة حيثما كانوا وأينما حلوا في المواصلات والطرق وحول المسجد الحرام وفيه وفي الصحة والغذاء والدواء، والتي تعرض للحجاج عبر الإعلام المرئي والمسموع والمرسوم، ولا ريب أن الالتزام بها يحقق الحفاظ على أمنهم وسلامتهم وتيسير أدائهم للنسك، وهذا يتطلب من الحجاج متابعة دائمة لمصادر تلك المعلومات خلال رحلة الحج المباركة.
وفي هذا المقام تشيد أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي بكل الخدمات المتنوعة المتكاملة المتجددة والمستمرة والمتميزة التي تقدمها حكومة المملكة العربية السعودية للحجاج والمعتمرين والزوار.
وتغتنم أمانة المجمع هذه الفرصة لتتوجه بعظيم الشكر ووافر الامتنان والتقدير إلى حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله وأيده وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع حفظه الله وللجنة الحج المركزية برئاسة مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ولوزارة الحج والعمرة ووزيرها معالي الدكتور صالح بنتن ولوزارة الصحة ولكل من يقدم خدمة لضيوف الرحمن الذين يعملون جميعا لتحقيق ما تسعى إليه المملكة ليؤدي الحجاج مناسكهم بيسر وسهولة.
نسأل الله أن ييسر للحجاج أداء نسكهم بأيسر السبل وأصلح الأعمال، وأن يتقبل منهم ويغفر لهم ويرضى عنهم وأن يحفظهم وأن يعودوا لأوطانهم سالمين غانمين، وأن يثيب كل من يسر لهم السبل وأعانهم على ذلك بأفضل الثواب وأتمه.
أ. د. عبدالسلام داود العبادي
أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي
اقرأ ايضا
آخر الأخبار