معالي الأمين العام للمجمع يشارك في أعمال منتدى مكة للحلال، تحت شعار “التنمية المستدامة عبر صناعة الحلال”

شارك معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، في أعمال منتدى مكة للحلال، تحت شعار “التنمية المستدامة عبر صناعة الحلال”، المنعقد في مركز غرفة مكة للمعارض والفعاليات، بحضور عدد من المسؤولين ورجال الأعمال والمهتمّين، حيث ألقى معاليه كلمةً في الجلسة الافتتاحية للمنتدى، يوم الثلاثاء 26 من شهر شعبان لعام 1446هـ الموافق 25 من شهر فبراير لعام 2025م بمكة المكرمة.

وفي مستهلّ كلمته، قدّم معاليه الشكر والتقدير والامتنان إلى المملكة العربية السعودية ملكاً، وولي عهد، وحكومةً، وشعبًا، على هذه الدعوة المباركة والرعاية الكريمة لهذا المؤتمر بهذه المرحلة التاريخية التي تمرّ بها أمّتنا الإسلامية، كما نقل معاليه تحيّات وشُكر معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، رئيس المجمع، وشيخ أئمة المسجد الحرام، وعضو هيئة كبار العلماء، وأعضاءِ المجمع وخبرائه على دعوتهم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي للمشاركة في هذا المنتدى العلمي الذي يعزّز ويقدّم بلْورةً إسلامية ناصعة على هذه الصناعة.

ثم تحدث معاليه عن التغيّرات التي طرأتْ على صناعة الحلال في عالمنا المعاصر، مبينًا أنها من النوازل والمستجدات التي لا يعلمها كثير من الناس؛ لكن هناك علماء يُعرَفون بأنهم هم “الراسخون”، وهم الذين يَعرِفون هذا، مصداقًا لقوله جلّ جلالُه: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ [آل عمران: 7] هذه الأمور التي تُعرَف بالمُشتَبِهات، هذه النوازل والمستجدات يعلَمُها الله -جلّ جلاله-، ويعلَمها بفضل من الله -عزّ وجلّ- مَن يُعرَفون بالراسخين البارزين الذين يَهَبُهُم اللهُ -جلّ جلالُه- القدرةَ على معرفة هذه النوازل وهذه المستجدات.

وأضاف: إن التعامل مع المستجدات يتطلّب اجتهادًا جماعيًّا يتجاوز الاجتهادات الفردية. وهذا يبرز أهمية المجامع الفقهية بوصفها مرجعيات شرعية موثوقة مؤهلة لإصدار الفتاوى الشرعية المناسبة، وذلك بعد الاستعانة بأهل الاختصاص والخبرة الذين يقدّمون لهم تصوّرات دقيقة عن تِلْكم النوازل والمستجدات، وذلك انطلاقًا من القاعدة الأصولية المعروفة “الحُكم على الشيء فرعٌ عن تصوُّره”، وأشار معاليه إلى أن وُلاة الأمر في الدول الإسلامية أنشؤوا الهيئات العامة للغذاء والدواء، والهيئات العامة للمواصفات والمقاييس لتُعنى هذه المؤسسات المهمة بتمكين الراسخين من العلم من استيعاب النوازل والمستجدات في صناعة الحلال تمهيدًا لضبط الأحكام الشرعيَّة المناسبة لها. ولهذا، فإنه لا ينبغي للفقيه أو المفتي التصدّي للإفتاء في هذه النوازل والمستجدات قبل أن يتكوّن لديه تصوّر كافٍ لطبيعتها وآثارها ومآلاتها.

كما تحدّث معاليه عن دور مجمع الفقه الإسلامي الدولي في بيان أحكام الشرع في النوازل والمستجدات، فقال: “كما تَعرِفون أن المجمع يُعَدُّ المرجعية الفقهية الشرعية العُليا للأمّة الإسلامية التي تمثل أكبر مؤسسة للاجتهاد الجماعي المنشود في هذا العصر، ذلك لأنه يتكوّن أعضاؤه من خِيرة علماء الأمّة وكبار فُقهائها وخبرائها الذين يجتمعون لدراسة النوازل والمستجدات والاجتهاد فيها اجتهادًا أصيلًا فاعلًا لتقديم الحلول العلمية الناجعة وبيان الأحكام الشرعية المناسبة لهذه النوازل والمستجدات، ولهذا، فإنه ينبغي على الهيئات العامة للغذاء والدواء في العالم الإسلامي الرجوع إلى قرارات وتوصيات المجمع بشأن العديد من نوازل ومستجدات صناعة الحلال، وتعدّ تلك القرارات والتوصيات الأحكَم والأَسّدّ والأوْثَق؛ لكونها صادرة عن الراسخين من علماء الشريعة والبارزين من أهل الاختصاص والخبرة في التغذية والدواء”.

كما دعا إلى التعاون بين الفقهاء وأهل الاختصاص من خلال المجامع الفقهية والهيئات الشرعية المعتمدة، والبُعد عن الاجتهاد الفردي في المسائل العامة التي ينبغي ألا يفتي فيها إلا عامّة أهل الاجتهاد، أي: المرجعيّات والمجامع والهيئات الشرعية، موضحًا أن النازلة العامة لها أبعاد متعدّدة مختلفة تفُوق قدرة الفرد على استيعابها وفهمها، والتمكّن من تصوّرها، مما يجعله بحاجة إلى الاستعانة بغيره من أهل الاختصاص والخبرة لكي تكون الفتوى التي يُصدرها فتوى صحيحة، كما أشار إلى أن المجمع له تاريخ واسع في هذا المجال، إذْ إنه قد أصدر جملة من القرارات بشأن الذبائح، وتدويخ الطيور، والاستحالة والاستهلاك، والألبان، وبنوك الحليب، وسواها، مشدِّدًا على أهمية رجوع المؤسسات والشركات التي تُصدر شهادات حلال إلى قرارات وتوصيات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية بوصفها المرجعيات المؤهَّلة لبيان أحكام الشريعة في نوازل ومستجدات صناعة الحلال في هذا العصر.

وختم كلمته، بدعوة المشاركين والمشاركات في المنتدى إلى الاستفادة من كتاب قرارات وتوصيات المجمع، المتاح في موقع المجمع على الإنترنت باللغات الثلاث: العربية والإنجليزية والفرنسية، ويضمّ هذا الكتاب القرارات والتوصيات التي أصدرها المجمع بشأن مختلف القضايا والمسائل، وبخاصة النوازل والمستجدات في صناعة الحلال، والمالية الإسلامية، وغيرها. وأشاد معاليه بما تحظى به هذه القرارات في بلاد الحرمين الشريفين حفظها الله من احترام وتقدير وقبول، حيث إنها تُعتبَر مرجعية للهيئة العامة للغذاء والدواء في مجال تدويخ الطيور والحيوانات وسِواها”.

كما نبَّه معاليه في كلمته المؤسسات والشركات التي ترغب في أن تتصدّى وأن تُصدر للناس شهادات حلال أو علامات، على أهمية استحضار مخافة الله -جلّ جلالُه-، مؤكِّدًا “إن تحريمَ الحلالِ حرامٌ، وتحليلَ الحرامِ حرامٌ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل: 116]. أي: لا يجوز للإنسان غير المتخصص غير المؤهَّل أن يقول: إن هذا الطعام حلالٌ أو حرام دون عِلم ومعرفة بحُكم الله، وحذّر معاليه من أولئكم المتحمّسين الذين يَتَجاسَرُون على الفتوى، ويتسرّعون في التحريم، وهؤلاء لا يختلفون عن أولئكم الذين يتسرّعون كذلك في التحليل، ولا فرق بين مَن يُحلِّل الحرام، ومن يُحرِّم الحلال، فكلاهما خطرٌ على الإسلام”.

وفي ختام كلمته، دعا الجميع إلى العمل معًا لتحقيق التكامل والتعاون بين أهل الشريعة وأهل الاختصاص والخبرة، وأن استدامة الحلال لا مستقبلَ لها إذا انفرد الفقهاء بالإفتاء فيها دون الرجوع إلى أهل الاختصاص والخبرة، ولا مستقبلَ لها إذا انفرد أهل الاختصاص والدراية بالإفتاء بالتصدّي ببيان الحلال دون العودة إلى أهل الشريعة وأهل العلم، مشيرًا إلى أن الحاجَة ماسّة إلى مراكز علمية تدرّب جِيلاً من العلماء يَجمَعون بين هذه المعرفة الشرعية والمعرفة المهنية الحقيقية، الذين يحملون هذا الهمّ، همّ التكامُل بين هذه التخصصات المختلفة، والعودة أيضا إلى الاجتهاد الجماعي.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى