في المؤتمر الدولي حول “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” معالي الأمين العام يدعو الأمّة إلى العودة إلى التآلف والوحدة

شارك معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، في أعمال المؤتمر الدولي: “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” الذي تنظّمه رابطة العالم الإسلامي برعاية كريمةٍ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حيث ألقى معاليه كلمةً في الجلسة الختامية للمؤتمر، يوم السبت 09 من شهر رمضان لعام 1446هـ الموافق 09 من شهر مارس لعام 2025م بمكة المكرمة.

وفي مستهلّ كلمته، قدّم معاليه الشكر والتقدير والامتنان إلى المملكة العربية السعودية ملكاً، وولي عهد، وحكومةً، وشعبًا، على هذه الدعوة المباركة والرعاية الكريمة لهذا المؤتمر بهذه المرحلة التاريخية التي تمرّ بها أمّتنا الإسلامية، كما سجّل شكره الأجزل لمعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، على هذه الجهود المباركة التي أثمرت بإنتاج وثيقة تاريخية مهمة في مُنعطَف تاريخي تمرّ به الأمّة الإسلامية.

ثم تحدث معاليه عن أهمية الوحدة الإسلامية، وضرورة العمل على مواجهة الهمّ الفكري الذي يجْثم على صدور الأمّة منذ عقود من خلال توحيد الجهود والتعاون بين أتباع المذاهب الإسلامية المعتبَرة قائلًا: “عاشت أمّتُنا الإسلامية رَدْحًا من الزمن في الاختلاف والتنازع والتفرّق، وقد حان الأوان أن نعود فيه إلى الائتلاف والتحالُف والتآلُف وإلى التوافق والتسانُد والتضامُن والتعاون، إنه ائتلاف لأنه كان هناك اختلاف، ولَئِن كان الاختلاف من حيث الأصل سُنة كونية وإرادة أزليّة غير أن الاختلاف الذي ساد بين أتباع المذاهب عقودًا كان اختلافًا مُدمِّرًا، أثَّر في علاقاتنا ببعضنا بعضًا، وأثَّر في تمسُّكنا والتزامِنا بجملةٍ من محكمات نصوص الشريعة التي دعتْنا إلى الاعتصام بحَبْل الله جميعًا، ونهتْنا تلك النصوص عن التفرُّق والتقاتل والتنازع، بل إن الله -جلّ جلالُه- مَنَّ علينا وامتنَّ بأن جعل الائتلاف وَالتَّحَالُفَ وَالتآلف َ نِعْمَةً مِنْ نِعْمِهِ -جَلَّ جَلَالُه-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً} مَا هِيَ هَذِهِ النِّعْمَةُ {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} إنها نعمةٌ هذا الائْتِلَاف، نعمةٌ ما كان لنا اليوم لنُعرِضَ عنها ولا لِنتركَها، ولا لِنتبرَّأَ منها”.

وأضاف: إن الائتلاف ليس مجرّد رغبة، بل هو فريضة دينية وضرورة عصرية في مواجهة التحديات والأزمات التي تواجِه أمّتنا، والحاجَة ماسّة إلى التحالف والتعاون: “الائتلاف فريضةٌ دينية، لا يشكّ فيه عالِم لكثرة النصوص الواردة بشأنه؛ بل إنه ضرورةٌ عصريةٌ لمُواجهة التحديات والأزمات والإملاءات والإكراهات والابتلاءات التي لم تعدْ هنالك تحت قُدرة فردٍ، بل دولةٍ، إنما تحتاج إلى الائتلاف والتحالف والتآلف، ويحتاج إلى التحالُف والتآلُف والتعاضد والتساند والتآزر، إن الائتلاف مصلحةٌ زمنيَّة؛ لأن مُستقبلَنا واحد، والتحديات التي نُواجهُها واحدة، وتكاد الإكْراهات والإملاءات والابتلاءات تعصِفُ بنا عصفًا إن لمْ نأتَلِفْ، ولم نتحالَفْ، ولم نؤلَّفْ، ونحن أمّةٌ مألَفةٌ كما قال صلى الله عليه وسلم: المُؤمِنُ مألفة يألفُ ويُؤلَفُ، ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ، وخيرُ النَّاسِ أنفَعُهم للنَّاسِ)”.

كما أشاد بدور العلماء بوصفهم قدوة العامّة وموجّهيهم في تعزيز ثقافة الائتلاف والتحالف والتآلف. فقال: “علينا، نحن علماءَ الأمّة وفقهاءها أن نُجدِّد العهد والتعهّد أمام بيت الله الحرام بأننا سنعمل فكرًا وسلوكًا وممارسةً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من صلَّى صلاتَنا واستقبل قِبلتَنا وأكلَ ذبيحتَنا فذلك المُسلمُ له ذِمَّةُ الله وذمَّةُ رسولِه، فلا تُخفِروا الله في ذمَّته”! وذمّة الله هي: أمان الله، وذمة رسوله هي: أمان رسوله، وهذا الأمان هو الذي يثبت العصمة للمسلم عصمةً لدَمِه وماله وعِرضه، ولذلك، فإنه واجب علينا أن نوقّر أئمتنا أئمةَ الهدى من الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين أسّسوا هذه المذاهب مُبتَغِين مرضاة الله وأجره جلّ جلالُه. لنعودَ إلى مَجامِعنا وحوزاتنا وقد تبرَّأنا من كل رأيٍ أو فكرٍ يدعو إلى التنازع والتفرُّق والاختلاف، ويدُعو إلى الإساءة إلى أئمَّتنا أئمَّة الهُدى الذين ترَكوا لنا هذه الثروةَ الفكريَّة”.

وحول التحديات الراهنة التي تهدّد شريحة الشباب، دعا معاليه إلى حماية شريحة الشباب بوصفها أهمّ شريحة من شرائح المجتمع من المخاطر الفكرية المُحدِقة المتمثلة في موجات الإلحاد التي لا تُهدِّد الإسلام فحسب، بل تُهدِّد أهمَّ شريحةٍ من شريحة المجتمع إنها شريحةُ الشباب، وهؤلاء الشبابُ الذين هم آمالُ الغد المُشرق ومُستقبلُ الأُمَم وفلذاتُ الأكباد يتعرّضون لخطر الإلحاد والتطرف والغلو والتعصب. لا بُدّ من حمايتهم، وحمايتهم حماية للمجتمع، بل حماية للأمّة، وحماية للبشرية جمعاء”.

كما دعا إلى تحويل محتويات وثيقة بناء الجسور إلى برامج عملية تُطبَّق في مَجامعنا وجامعاتنا ومناهجنا وحوزاتنا من خلال الالتزام بما نصَّت عليه، وتنفيذ جميع بنودها فكرًا وسلوكًا وتصرفًا وممارسةً.

وفي الختام، أكد معاليه على ضرورة العمل معًا بعيدًا عن كل الأفكار التي تدعو للتفرق والاختلاف، لتحقيق الوحدة الإسلامية الحقيقية، كما عبّر عن شكره لرابطة العالم الإسلامي وجميع العلماء والحاضرين على جهودهم المبذولة لإنجاح هذا المؤتمر، سائلًا المولى أن يتجدد هذا اللقاء مرّاتٍ وكَرّات، وتسعد الأمّة برؤية هذا المشروع، وقد أصبح واقعًا مُعاشًا، وزال الخلافُ، وحَلَّ محلّهُ الائتلاف.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى