الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتمهم محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فنظراً لازدياد عدد الإصابات والوفيات نتيجة تفشي جائحة الكورونا يوماً بعد يوم في كلّ أنحاء العالم، وبناءً على انتشار هذا المرض عقد مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، الندوة الطبية الفقهية الثانية لهذا العام بعنوان: “فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية” بواسطة الفيديو عن بُعد بتاريخ 23 شعبان 1441هـ، الموافق 16 أبريل 2020م، وتحدث خلال الندوة معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الأستاذ الدكتور يوسف العثيمين، مبيناً أن الندوة تتيح فرصة للتوفيق بين آراء العلماء في ميادين الطب والشريعة بغية صياغة موقف متناغم يساهم في دعم مشروع صُنَّاع القرار في الدول الأعضاء نظراً لأن جائحة كورونا تهدد البشرية دون فرق بين لون أو جنس أو معتقد.
وألقى معالي الدكتور صالح بن حميد، المستشار بالديوان الملكي السعودي، رئيس المجمع، كلمة تحدث فيها عن أهمية دور مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي تولى تركيز القواعد الفقهية الطبية منذ نشأته، والتصدي إلى المسائل الحادثة المستجدة ومن بينها المسائل الشرعية المتعلقة بفيروس كورونا المستجد على ضوء الأحكام الطبية، كما ألقى معالي أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي الأستاذ الدكتور عبدالسلام العبادي كلمة بَيَّن فيها مسار الندوة، ومن ثم تولى معالي رئيس المجمع إدارة الندوة، التي حضرها أعضاء مجلس المجمع وعدد من الأطباء المختصين والعلماء الشرعيين، وبعد مداخلات ثرية جرت مناقشتها من الوجهتين الطبية والشرعية، وبعد الاستماع للمشاركين من الأطباء والفقهاء ومن خلال البحوث والعروض التي قدموها، التي ستذكر أسماءهم في نهاية هذه التوصيات، وقد استمرت الندوة من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى الساعة الثانية والنصف ظهراً متضمنة استراحة لصلاة الظهر من الساعة الواحدة إلى الواحدة والنصف، وقد توصلت الندوة إلى تشكيل لجنة صياغة للتوصيات التي ستخرج بها وستذكر أسماء هذه اللجنة في نهاية هذه التوصيات.
وقد انتهى المشاركون إلى هذه التوصيات التالية وهي تشمل البعدين الطبي والفقهي:
- التعريف بالمرض: مرض الفيروس التاجي 2019 المعروف اختصاراً بكوفيد 19 هو التهاب في الجهاز التنفسي بسبب فيروس تاجي جديد، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية رسمياً أن هذا الوباء جائحة عالمية في 11 مارس 2020م، ويظن أن الفيروس حيواني المنشأ في الأصل، ولكن الحيوان الخازن غير معروف حتى الآن بشكل مؤكد وهناك شبهات حول الخفاش وآكل النمل، وأما انتقاله من إنسان لآخر فقد ثبت أنه واسع الانتشار. وتتراوح العدوى بين حامل الفيروس من دون أعراض إلى أعراض شديدة. تشمل الحمى والسعال وضيق التنفس (في الحالات المتوسطة إلى الشديدة)؛ قد يتطور المرض خلال أسبوع أو أكثر من معتدل إلى حاد. ونسبة كبيرة من الحالات المرضية تحتاج إلى عناية سريرية مركزة؛ ومعدل الوفيات بين الحالات المشخصة بشكل عام حوالي 2% إلى 3% ولكنها تختلف حسب البلد وشدة الحالة. ولا يوجد لقاح متاح لمنع هذه العدوى. وتبقى تدابير مكافحة العدوى هي الدعامة الأساسية للوقاية (أي غسل اليد وكظم السعال، والتباعد الجسدي للذين يعتنون بالمرضى بالإضافة إلى ما يسمى بالتباعد الاجتماعي بين الناس)، والمعرفة بهذا المرض غير مكتملة وتتطور مع الوقت؛ علاوة على ذلك، فمن المعروف أن الفيروسات التاجية تتحول وتتجمع في كثير من الأحيان، وهذا يمثل تحدياً مستمراً لفهم المرض وكيفية مواجهته.
- ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية وأحكامها تمتاز بصفات عديدة من أهمهما: رفع الحرج والسماحة والتيسير ودفع المشقة وقلة التكاليف، وإذا وجد ما يشق فعله ووصل الأمر إلى درجة الحاجه أو الضرورة، فقد شرع الله تعالى رخصاً تبيح للمكلفين ما حرم عليهم، وتسقط عنهم ما وجب عليهم فعله حتى تزول الضرورة، وذلك رحمة من الله بعباده وتفضلاً وكرماً، ففي الفقه الإسلامي قواعد فقهية مهمة حاكمة في مثل هذا، من أهمها: قاعدة رفع الحرج والسماحة، وقاعدة المشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع، وقاعدة الأخذ بالرخص أولى من العزيمة حفظاً للنفوس، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة التصرف على الرعية منوط بالمصلحة، وقاعدة للإمام تقييد المباح في حدود اختصاصه مراعاة للمصلحة العامة.
- لذلك كان هنالك ضرورة لحماية النفس وصحة الإنسان فيجب على المسلمين أن يحافظوا على أنفسهم بقدر المستطاع من الأمراض، وقد أوجبت الشريعة الإسلامية إنقاذ الأرواح والأنفس من الهلاك، وجعلت إنقاذ النفس حقا لكل فرد، بالوقاية من الأمراض والأسقام قبل حدوثها وبالتداوي بعد حدوثها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (عبادَ اللهِ ! تداووا، فإنَّ اللهَ تعالَى لم يضع داءًا إلا وضع له الدواءَ إلا داءً واحدًا الهرَمُ)،[في روايات متقاربة عند البخاري ومسلم وأحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والبيهقي]، إذ إن الحفاظ على النفس البشرية من مقاصد الشريعة الأساسية والتي تشمل بالإضافة إلى حفظ النفس: حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، قال سبحانه وتعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[سورة المائدة، 32]، كما يحق لجهات الاختصاص، القيام بإسعافات وتدخلات طبية خاصة بالجائحة، ذلك أن “مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد الله عزَّ وجل، وأن التداوي والعلاج أخذ بالأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون وأنه لا يجوز اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته، بل ينبغي بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله. انظر: قرار المجمع رقم: 67 (5/7) بشأن العلاج الطبي، في دورته السابعة التي عقدت في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، لذلك لا يجوز في هذه الحالة الأخذ بما يسمى بمناعة القطيع أو الجمهور لأنه يلزم من ذلك ترك المرض لينتشر فيهلك به الأكثر عرضة للهلاك من كبار السن ومن الذين تعددت أمراضهم، وفي ذلك تقاعس عن المعالجة الممكنه شرعاً.
- يجوز للدول والحكومات فرض التقييدات على الحرية الفردية بما يحقق المصلحة سواء من حيث منع الدخول إلى المدن والخروج منها، وحظر التجوّل أو الحجر على أحياء محددة، أو المنع من السفر، أو المنع من التعامل بالنقود الورقية والمعدنية وفرض الإجراءات اللازمة للتعامل بها، وتعليق الأعمال والدراسة وإغلاق الأسواق، كما إنه يجب الالتزام بقرارات الدول والحكومات بما يسمى بالتباعد الاجتماعي ونحو ذلك مما من شأنه المساعدة على تطويق الفيروس ومنع انتشاره لأن تصرّفات الإمام منوطة بالمصلحة، عملاً بالقاعدة الشرعية التي تنص على أن (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة).
- النظافة في الإسلام عبادة وقُربة والأدلة على ذلك كثيرة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ)[سورة المائدة، 6]، قال سبحانه تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[سورة البقرة، 222]، وقال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[سورة المدثر، 4]، وقال صلى الله عليه وسلم: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)[مسلم]، ولذلك يتعين الأخذ بأحكام النظافة الشخصية العامة والاحتياطات الخاصة بهذه الجائحة ومنها: غسل اليدين بالماء والصابون ولبس الكمامات والقفازات، والالتزام بالتوجيهات الصحية الصادرة من الجهات المسؤولة واجب شرعاً للتوقي من الفيروس، ويجوز استخدام المعقمات المشتملة على الكحول في تعقيم الأيادي وتعقيم الأسطح والمقابض وغيرها، حيث إن “مادة الكحول غير نجسة شرعاً”، انظر: قرار المجمع رقم 210 (6/ 22) بشأن الاستحالة والاستهلاك في المواد الإضافية في الغذاء والدواء في دورته الثانية والعشرين التي عقدت في دولة الكويت.
- أن عزل المريض المصاب بالفيروس واجب شرعاً كما هو معروف، وأما بخصوص المشتبه بحمله للفيروس أو ظهرت عليه أعراض المرض أثناء الحجر المنزلي فيجب عليه التقيد بما يسمى بالتباعد الاجتماعي عن أسرته والمخالطين له من عامة الناس، وكذلك لا يجوز لمن ظهرت عليه أعراض المرض أن يخفي ذلك عن السلطات الطبية المختصة وكذلك عن المخالطين له، كما ينبغي على من يعرف مصاباً غير آبه بالمرض أن يعلم الجهات الصحية عنه لأن ذلك يؤدي إلى انتشار هذا المرض واستفحال خطره، وعليه تنفيذ كل ما يصدر عن السلطات الطبية المختصة، ولها أن تعزر من أصيب بهذا المرض وأخفاه، قال الله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[سورة البقرة، 195]، وقال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[سورة النساء، 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها)[البخاري]، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ)[أبو داوود وابن ماجة ومالك والحاكم والبيهقي]، وبخصوص الطاعون جاء الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فليس مِن رَجُلٍ يَقَعَ الطاعونُ فيَمكُثُ في بَيتِه صابِرًا مُحتَسِبًا يَعلَمُ أنَّه لا يُصيبُه إلَّا ما كَتَبَ اللهُ له إلَّا كان له مِثلُ أجْرِ الشَّهيدِ)[البخاري].
- يؤكد الأطباء والمختصون أن التجمعات تؤدى إلى الإصابة بفيروس كورونا ولذلك لا بد من الأخذ بالأسباب، والابتعاد عن التجمعات بجميع أشكالها وصورها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ)[سورة النساء، 71]، ويشمل ذلك جواز إغلاق المساجد لصلاة الجمعة والجماعة وصلاة التراويح، وصلاة العيد، وتعليق أداء المسلمين للحج والعمرة، وتعليق الأعمال، وإيقاف وسائل النقل المختلفة، ومنع التجوال، وإغلاق المدارس والجامعات والأخذ بمبدأ التعليم عن بُعد وأماكن التجمع الأخرى، وغيرها من صور الإغلاق.
- ولا بد عند إغلاق المساجد في الجمع والجماعات من الإبقاء على رفع الأذان لأنه من شعائر الإسلام، ويقول المؤذن في الأذان “صلوا في رحالكم أو في بيوتكم” اقتداء بما رواه ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم [البخاري ومسلم وغيرهما]، ويصلي المسلمون الذين يعيشون في البيت نفسه الصلاة جماعة في منازلهم.
- وعند إغلاق المساجد يصلي الناس صلاة الجمعة ظهراً في البيوت بدلاً من صلاة الجمعة، فصلاة الجمعة في البيوت لا تجوز، ولا يسقط فرض الجمعة بها، إضافة إلى ذلك يجوز للسلطات المختصة أن تنظم خطبة وصلاة الجمعة في أحد المساجد بحيث يلتزم فيها بالشروط الصحية الوقائية والفقهية، وتنقل عبر شاشات التلفزة والإنترنت والمذياع لاستفادة الناس من ذلك، ولا بد من التنبيه بأنه لا تجوز صلاة الجمعة والجماعة في البيت خلف الإمام عند النقل بهذه الوسائل لوجود المسافات العازلة بينهم.
- ويجوز للعاملين في المجالات الصحية والأمنية ومثيلاتها في هذه الجائحة، الأخذ برخصة الجمع بين الصلوات، جمعَ تقديم أو تأخير عند الحاجة، (أو الجمع الصوري لمن لا يصح في مذهبه الجمع بين الصلوات).
- أما فيما يتعلق بصيام شهر رمضان فالصيام لا يؤثر على الصحة بصفة عامة، ولا يزيد من خطر إصابة الصائم بالفيروس، كما إنه لا يوجد دليل علمي على أن جفاف الفم يقلل من المناعة ضد الفيروس، ولذا فيبقى واجب صوم رمضان على أصله، وقد أكد الأطباء والمختصون بأنه لا تأثير لفيروس كورونا على الصيام، ولذلك، فإنه لا يجوز الإفطار بدعوى وجود فيروس كورونا، ويجب الصيام على كل مكلف قادر صحيح مقيم، وأما المريض المصاب والمشتبه به، فإن حكم صيامهما يتوقف على ما يقرره الطبيب المعالج، فيجب على الناس الصيام إلا إذا كان يؤثر على صحة بعض الأشخاص برأي الأطباء الثقات المعالجين لحالتهم، وكذلك يجوز للممارسين الصحيين الذين قد يلحقهم الضعف والوهن، وقد ينشغلون فترة الإفطار عن الفطور والسحور معاً فلهم الفطر إذا احتاجوا لذلك، وعليهم أن يلتزموا جميعاً بما يجب عليهم من قضاء أو كفارة في حالة العجز عن القضاء وذلك بأن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، أما بالنسبة لصلاة التراويح وقيام الليل فيقوم المسلمون بصلاتهم في بيوتهم، ولهم أجر ذلك.
- حث الدول والأفراد على مساعدة كل من انقطعت به سبل العيش نتيجة هذه الجائحة قال تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)[سورة الحديد، 7]، وقال سبحانه: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)[سورة البقرة، 245]، وقال جل من قائل: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[سورة البقرة، 261]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)[مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ)[البخاري ومسلم]، أما تعجيل دفع الزكاة عن عام أو أكثر فيجوز وبخاصة في مثل هذه الظروف التي يحث فيها على التبرع، وكذلك ينبغي أن يحرص المجتمع على القرض الحسن، والمساعدة قدر الإمكان، ويجب مدّ يد العون والمساعدة إلى المحتاجين من الأقارب والجيران والفقراء، كما يحسن دعم صناديق الزكاة والتكافل الاجتماعي التي أعلن عنها في أكثر من بلد، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[سورة التوبة، 32]، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ)، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل”،[مسلم وأبو داود والبيهقي وغيرهم]، أما بخصوص زكاة الفطر فهي فرض (قال ابن عمر: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال: أغنوهم في هذا اليوم)[البيهقي والدارقطني]، والمراد في أول أيام عيد الفطر، وأما في هذه الجائحة فيجوز إخراجها بدخول شهر رمضان.
- يجب تغسيل الموتى وتكفينهم ولو برش الماء فإن تعذّر فالتيمم، فإن تعذّر يسقط وجوب الغسل مع الحرص على التقيد بتعليمات الصحية الوقائية، وكذلك مراعاة هذه التعليمات في التكفين والدفن،ثم يصلى عليه. ويمكن لمن شاء من المسلمين أن يصلي عليه صلاة الغائب ولو فرادى في أي مكان متاح، ولا يجوز حرق جثامين المسلمين في أي حال من الأحوال، وينبغي الإسراع في الدفن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ)[البيهقي].
- يجوز غسل موتى الأوبئة بأجهزة التحكم عن بعد، والتي تجمع بين الوفاء بشروط وواجبات وسنن غسل الموتى في الشريعة الإسلامية والاشتراطات الصحية والبيئية المرعية. والدعوة موجهة للمختصين في هذا الشأن من المسلمين للمسارعة بإنتاج مثل هذه الأجهزة.
- والتعزية مستحبة؛ وتؤدى بطرق عدة، أثناء الجائحة، فيجوز العزاء عبر وسائل الاتصال المختلفة دون الزيارة الشخصية خشية انتقال الفيروس.
- يجب على كل المسلمين ووسائل الإعلام المتعددة ووسائل التواصل الاجتماعي تجنب نشر الشائعات المخوفة للناس، كما يجب على الجميع الوقوف في محاربة الأخبار الكاذبة وغير الموثوقة، تجنباً للآثار السلبية المترتبة على ذلك، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[سورة ق، 18]، بالإضافة إلى حثهم على استخدام جميع وسائل الإعلام والنشر ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي الطبي والأحكام الشرعية بشكل صحيح وكل الأحكام المتعلقة بمواجهة هذه الجائحة، وبث الأمل والفأل الحسن في قلوب العامة، وتكثيف المحاضرات في مجال تقوية المناعة، والمحافظة على العلاقات الأسرية، وذلك بإشراف الجهات الرسمية في كل بلد بحسبه.
- يجب أن التأكيد على الامتناع عن تنقل اختلاف العلماء في الأحكام الصادرة عن هيئات العلماء ودور الإفتاء الشرعية المعتمدة، لما في ذلك من إثارة للبلبلة في المفاهيم الدينية، وتضارب بالفتوى، وعلى الجميع الالتزام بالفتاوى الصحيحة الصادرة عن الجهات المختصة في بلده.
- على الحكومات والجهات المعنية تأمين عدد كافٍ من أجهزة التنفس لمعالجة الحالات التي تتطلب استخدام تلك الأجهزة، ويجب على الأطباء الالتزامُ بالمعايير الطبية والأخلاقية، وعند عدم وجود العدد الكافي من الأجهزة يرجع إلى رأي الطبيب وتقديم من يستحق التقديم وعند التساوي يرجع إلى القرعة بين المرضى.
- على الدول والجهات الخيرية القادرة تأمين ما يحتاج إليه الطاقم الطبي من أجهزة وأدوية وذلك عن طريق التصنيع أو غيره، كما أن عليها التبرع بالمعدات والأجهزة الطبية التي تحتاج إليها الدول والمجتمعات في أنحاء العالم لمواجهة هذه الجائحة التي تهدد البشرية جمعاء.
- وفي ظل غياب دواء خاص لعلاج المرض، ولقاح خاص للوقاية من الفيروس مبرهن على فاعليتهما وسلامتهما فيجب على الأطباء والعلماء المختصين إذا يسرت لهم الأسباب للقيام بتجارب علمية لإيجاد دواء ولقاح، أن تكون البحوث حسب المناهج والاشتراطات البحثية المعتمدة عالمياً، وأن تكون منضبطة بالضوابط الشرعية الواردة في قرار المجمع رقم 161 (17/10) بشأن الضوابط الشرعية للبحوث الطبية البيولوجية على الإنسان في دورته السابعة عشرة التي عقدت في عمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، ويجب العمل على تأمين كل سبل الدعم المتاحة لهذه المشاريع والحث على التبرع لها.
- يجب على الدول مراقبة الأسعار بهدف منع الاحتكار ووضع الأسعار المناسبة وذلك لأن التلاعب فيها حرام شرعاً، ويجب وضع الخطط الاقتصادية المناسبة لهذا الوضع لتأمين كل السلع المحتاج إليها، وأن تخزين ال