رحمك الله يا فقيهنا وفقيه لبنان الشيخ خليل الميس..!!

( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/ 155 – 157

إنها سنة الحياة الخالدة أن يبلونا الخالق المحيي والمميت بين الفينة والأخرى بشيء من الخوف، والجوع، ونقص من الأموال، والأنفس، والثمرات، علَّنا أن نكون ممن يمنُّ عليهم بنيل الأجر والمثوبة، والبشارة التي ادخرها للصابرين على تيكم الابتلاءات..

حقا.. كُثُرٌ هم أولئكم العلماءُ الكرامُ، والفقهاءُ العِظامُ الذين طالتهم يد المنية خلال الأشهر الماضية.. وما أن تشرع دموعنا تجف، وتبدأ قلوبنا تهدأ من الحزن على فراق أولئك الراسخين حتى نفجع برحيل أئمة كبار آخرين من أهل العلم والفكر والذكر..رحمهم الله جميعا..

ها نحن اليوم نودِّع فقيهًا آخر مُحققًا قضى ثمانين عامًا من حياته المباركة مُعلِّمًا للأجيال، وموجِّهًا للأمصار، ومُرشِدًا للطالبين، ومُفتيًا للسائلين، ومُصْلِحًا بين الفرقاء، لم يجزع قط من المصائب، ولم يَكَلْ قط من إصلاح ذات البين، بل لم يملَّ أبدا من تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين.

عشرون عاما مضى على أول لقاء جمعني بشيخنا الوقور، كان دائم التبسم، فصيح اللسان، عميق التدبر، وعظيم التأمل، محبا للغة الضاد، منافحا عن وحدة الصف، وحريصا على لمِّ الشمل، ومتفانيا في مسعاه من أجل توحيد كلمة الأمة.. إنني أشهد بأنه كان في جميع دورات المجمع التي شارك فيها دائم الإلحاح، والتذكير بضرورة اللواذ بتراث الأمة الزاخر، وبأهمية الاعتصام بالإرث الفكري الوافر من أجل الاستئناس بكنوزه، والاستفادة القصوى من درره عند الهمِّ بتوجيه نوازل العصر، وتسديد مستجدات الحياة، وترشيد مستحدثات الواقع المعاش.. كما أنني أشهد بأنه كان مؤمنا بالتجديد والاجتهاد المنضبط والمنفتح على العصر.. وكان فوق ذلك كله دائم السؤال عن أحوال الإسلام والمسلمين في أنحاء المعمورة، وما جمعني به مجلس إلا لمسته منه ذلك الاهتمام الكبير بأمر المسلمين.

أما وقد لبَّى نداء بارينا المحتوم، ولحق اليوم بفئام من أهل العلم بالفقه والأصول الذين كان يحبُّهم ويحبُّونه، فإنَّنا نرفع أكفَّ الضراعة إلى المولى الكريم من أن يتقبَّله في النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا؛ كما أننا نبتهل إلى الإله الواحد الأحد أن يتغمد فقيدنا وفقيد العلم والمروءة برحمة من عنده جلَّ جلاله، ويلهمنا وذويه وطلابه ومحبيه الصبر والسلوان والرضا بما قضى الرحمن.

وختامًا، يا شيخنا العزيز، ويا أستاذنا العظيم، وأستاذ الأجيال، إنَّ مجمعكم الذي كنتم ركنا ركينا من أركانه يقدم -نيابة عن أعضائه وخبرائه ومنسوبيه- تعازيهم الحارة لأهلكم، ولأهل البقاع، ولأهل لبنان، ولأهل الشام، وللأمة الإسلامية جميعًا.. عسى الله أن يرحمكم، ويعفو عنكم، ويغفر لكم، ويجمعنا بكم يوم الحشر في دار النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

إنا لله وإنا إليه راجعون

محبكم/ قطب مصطفى سانو
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى