قرار بشأن عقود الإذعان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 132 (14/6)
بشأن عقود الإذعان

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة (دولة قطر) من 8-13 ذو القعدة 1423هـ، الموافق 11-16 كانون الثاني (يناير) 2003م،

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع عقود الإذعان، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،

قرر ما يلي:

(1) عقود الإذعان مصطلح قانوني غربي حديث لاتفاقيات تحكمها الخصائص والشروط الآتية:

(‌أ) تعلُّق العقد بسلع أو منافع يحتاج إليها الناس كافة ولا غنى لهم عنها، كالماء والكهرباء والغاز والهاتف والبريد والنقل العام… الخ.

(‌ب) احتكارُ -أي سيطرة- الموجب لتلك السلع أو المنافع أو المرافق احتكارًا قانونيًا أو فعليًا، أو على الأقل سيطرته عليها بشكل يجعل المنافسة فيها محدودة النطاق.

(‌ج) انفرادُ الطرف الموجب بوضع تفاصيل العقد وشروطه، دون أن يكون للطرف الآخر حقٌّ في مناقشتها أو إلغاء شيء منها أو تعديله.

(‌د) صدور الإيجاب (العَرْض) موجهًا إلى الجمهور، موحدًا في تفاصيله وشروطه، وعلى نحو مستمر.

(2) يُبرم عقد الإذعان بتلاقي وارتباط الإيجاب والقبول الحُكْميين (التقديريين) وهما كلُّ ما يدلُّ عرفًا على تراضي طرفيه وتوافق إرادتيهما على إنشائه، وفقًا للشروط والتفاصيل التي يعرضها الموجب، من غير اشتراط لفظ أو كتابة أو شكل محدّد.

(3) نظرًا لاحتمال تحكّم الطرف المسيطر في الأسعار والشروط التي يُمليها في عقود الإذعان، وتعسُّفه الذي يُفضي إلى الإضرار بعموم الناس، فإنه يجب شرعًا خضوع جميع عقود الإذعان لرقابة الدولة ابتداءً (أي قبل طرحها للتعامل بها مع الناس) من أجل إقرار ما هو عادلُ منها، وتعديل أو إلغاء ما فيه ظلمُ بالطرف المذعن وفقًا لما تقضي به العدالةُ شرعًا.

(4) تنقسم عقود الإذعان -في النظر الفقهي- إلى قسمين:

أحدهما: ما كان الثمنُ فيه عادلًا، ولم تتضمن شروطه ظلمًا بالطرف المذعن، فهو صحيح شرعًا، ملزم لطرفيه، وليس للدولة أو للقضاء حقُ التدخل في شأنه بأي إلغاء أو تعديل، لانتفاء الموجب الشرعي لذلك، إذ الطرف المسيطر للسلعة أو المنفعة باذلٌ لها، غير ممتنع عن بيعها لطالبها بالثمن الواجب عليه شرعًا، وهو عوضُ المثل (أو مع غبن يسير، باعتباره معفوًّا عنه شرعًا، لعسر التحرّز عنه في عقود المعاوضات المالية، وتعارف الناس على التسامح فيه)، ولأن مبايعة المضطر ببدل عادل صحيحةُ باتفاق أهل العلم.

والثاني: ما انطوى على ظلم بالطرف المذعن، لأن الثمن فيه غير عادل (أي فيه غبن فاحش) أو تضمن شروطًا تعسفية ضارةً به. فهذا يجب تدخل الدولة في شأنه ابتداءً (قبل طرحه للتعامل به) وذلك بالتسعير الجبري العادل، الذي يدفع الظلم والضرر عن الناس المضطرين إلى تلك السلعة أو المنفعة، بتخفيض السعر المتغالى فيه إلى ثمن المثل، أو بإلغاء أو تعديل الشروط الجائرة بما يحقق العدل بين طرفيه، استنادًا إلى:

(‌أ) أنه يجب على الدولة (ولي الأمر) شرعًا دفع ضرر احتكار فرد أو شركة سلعةً أو منفعة ضرورية لعامة الناس، عند امتناعه عن بيعها لهم بالثمن العادل (عِوضَ المثل) بالتسعير الجبري العادل، الذي يكفل رعاية الحقين: حق الناس بدفع الضرر عنهم الناشئ عن تعدي المحتكر في الأسعار أو الشروط، وحقّ المحتكر بإعطائه البدل العادل.

(‌ب) أن في هذا التسعير تقديمًا للمصلحة العامة -وهي مصلحة الناس المضطرين إلى السلع أو المنافع في أن يشتروها بالثمن العادل- على المصلحة الخاصة، وهي مصلحة المحتكر الظالم بامتناعه عن بيعها لهم إلا بربح فاحش أو شروط جائرة، إذ من الثابت المقرر في القواعد الفقهية أن (المصلحة العامة مقدمةُ على المصلحة الخاصة) وأنه (يُتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام).

(5) يفرّق في الوكالات الحصرية للاستيراد بين ثلاث حالات:

الأولى: أن لا يكون هناك ضرورةٌ أو حاجةٌ عامةٌ أو خاصةٌ بفئة من الناس إلى المُنْتَج الذي تتعلق به الوكالة الحصرية، نظرًا لكونه من السلع أو المنافع الترفيهية، التي يمكن الاستغناء عنها، أو كان هناك ضرورةٌ أو حاجةٌ غير متعيِّنة إليه، لوجود مثيل أو بديل له متوفر في السوق بسعر عادل، فإن من حق الوكيل المستورد أن يبيعه بالثمن الذي يتراضى مع المشتري عليه، وليس للدولة أو للقضاء حقُّ التدخل بالتسعير عليه فيه، إذ الأصل في صحة العقود التراضي، وموجبها ما أوجبه العاقدان على أنفسهما به، ولأن اختصاص صاحب الوكالة بالمُنْتَج واحتكاره له (بالمعنى اللغوي للاحتكار) جائزٌ شرعًا، حيث إن من حقه بيع ما يملك بالثمن الذي يرضى به، إذا لم يتضمن ظلمًا أو إضرارًا بعامة الناس، ولا يجوز التسعير عليه فيه.

والثانية: أن يكون هناك ضرورةٌ أو حاجةٌ عامةٌ أو خاصةٌ متعيِّنة بمتعلِّق الوكالة الحصرية، وأن يكون الوكيل باذلًا له بثمن عادل، لا يتضمن غبنًا فاحشًا أو تحكمًا ظالمًا، وعندئذ فلا يجوز تدخلُ الدولة بالتسعير عليه، لأن اختصاصه واحتكاره المُنْتَج تصرف مشروع في ملكه، لا ظلم فيه لأحد، ولا إضرار بالناس المحتاجين إليه، فلا يُتعرض له فيه.

والثالثة: أن يكون هناك ضرورةٌ أو حاجةٌ عامةٌ أو خاصةٌ متعيِّنة بمتعلّق الوكالة الحصرية، والوكيلُ ممتنعُ عن بيعه إلا بغبن فاحش أو بشروط جائرة. ففي هذه الحال يجب على الدولة أن تتدخل لرفع الظلم عن المحتاجين إليه بطريق التسعير الجبري على الوكيل.

والله تعالى أعلم؛؛

اقرأ ايضا

آخر الأخبار