بيان حول الحملة العدوانية على الإسلام ورسوله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،

بين أواخر السنة الميلادية المنصرمة وأوائل هذه السنة الجديدة أثارت بعض الصحف المتنطعة الدانمركية والنورفيجية المسلمين بانتهاكها المبادئ الأساسية للصحافة تحت غطاء حرية التعبير، وبشنها على الإسلام وعلى رسوله هجوماً قوامه السباب والإهانة والسخرية، مما حمل على التساؤل والاستغراب من هذا التصرف المشين والعدوان السافر على الدين الإسلامي وعلى المسلمين كافة الذين يربو عددهم على المليار نسمة.

وقد واجهت هذا الواقع ردود فعل واحتجاجات كثيرة في طليعتها ما صدر عن القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة التي عقدت بمكة المكرمة في نهاية ديسمبر 2005 والتي ورد في بيانها الختامي التأكيد على مسؤولية جميع الحكومات عن ضمان الاحترام الكامل لجميع الأديان والرموز الدينية، وعدم جواز استغلال حرية التعبير ذريعة للإساءة إلى الأديان، وصدر مثل ذلك عن المنظمات والمؤسسات كمنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، والأزهر الشريف ونحوها.

ولم ينكر أحدُ كبار الكُتاب الصحفيين بالدانمارك هذه الهجمة الشرسة معللاً موقفه “بأن هذا لون جديد من الأدب متقبل في المجتمعات الغربية. فالرسومات النقدية الكاريكاتورية والكلمات الساخرة التي تتناول شتى المواضيع وكافة الفئات والأفكار، هي عبارة عن نقد وسخرية هادفة وذكية أيضاً، وأن هذا مقبول ومتعارف عليه في العالم بأسره، باستثناء ما يخص الإسلام”. وهو يتعجب من هذه الحرمة التي يتمتع بها الإسلام دون غيره، ويعزوها إلى وجود جماعة تحتكر لنفسها حق النقد والتفسير لكلام النبي صلى الله عليه وسلم.

وإزاء هذا الكلام البعيد عن الصحة، والذي يختلط فيه الجد بالهزل، والحق بالباطل ننبه أولاً إلى أن اللون الأدبي الجديد الذي يدعو له ويحذوه كثير من الكتاب لا ينبغي أن يتناول كل غرض، لأنه لا يتماشى مع كل الموضوعات، وأن السخرية أو التهكم اللذين يقرّهما ليس محلهما الأديان والعقائد، ولكنهما ينصبان على حياة البشر وتصرفاتهم وما هم غارقون فيه أو مبتدعون له من المناهج البحثية والتوجهات الفكرية، مما هو غير يقيني أو غير خالص من الريب والاحتمالات.

ولذلك أصبح من الواجب أن نذكّر بأن الأديان والعقائد الصحيحة لا يجوز أن تخضع لما يخضع له هذا اللون المستجد من الأدب في العالم، لأن السخرية والاستهزاء إذا لابسا الدين ضاعت حقيقته وفسد الاعتقاد. وقد أنكر الله ذلك على المنافقين والمستهزئين وقال: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)(التوبة: 65).

وورد في كتاب الله الرد القاطع على المستهزئين بالرسل في قوله: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)(الأنعام: 10).

وحذر سبحانه المؤمنين من آثار هذا التصرف ببيان عاقبة اتباعه في قوله: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون)(الروم: 10).

وإذا كانت هذه الآية وغيرُها حصانة للدين وللرسول مما قد يحصل من العابثين من استخفاف وسخرية فإن مرد ذلك يرجع إلى طبيعة هذا الدين الذي وصفه الله جل وعلا بقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)(المائدة: 3).

والإسلام يقوم أساساً على تلقين العقيدة الصحيحة وبيان شرع الله، وتهذيب سلوك الإنسان. وهو متمّم للأديان، يدعو إلى الإيمان بكل الرسالات وبالرُسل وما جاؤوا به من كُتب. وذلك ما صرح به القرآن نفسه ووجّه إليه عبادَ الله المؤمنين في قوله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(البقرة: 285).

وقوله: (وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا)(النساء: 136).

فالإيمان بالديانات والرُسل والكُتب والاعتراف بهم وتوقيرهم شرط من شرائط الإيمان والإسلام. والخروج عن هذا الحدّ تجاوزٌ لحقيقة الإيمان وبُعد منه وانصراف عنه. ونحن لذلك نعجب من الفئة الضالة التي تريد إرهاب المسلمين بشتى صور الإرهاب لصرفهم عن عقيدتهم وتلبيس الحق بالباطل لديهم.

وهذه الأعمال لا تنبو عنها الأديان ولا تحرّمها وحدَها لأن العقل والحكمة يقتضيان ذلك أيضاً، ويحضان على التعارف والتعاون والتآلف بين الناس. وهذا ما أكدته الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة. ففي الدورة التاسعة والخمسين في الجلسة العامة المنعقدة 11 /11/ 2004 صدر قرار بتشجيع الحوار بين الأديان، وهو يدعو إلى مناهضة تشويه صورة الأديان. والجمعية العامة تؤكد أن التناصح المتبادل والحوار بين الأديان يشكلان بُعدين هامين للحوار فيما بين الحضارات وثقافة السلام.

وفي لجنة حقوق الإنسان (الدورة الحادية والستون) وقعت الإشارة إلى ما يلحق الأقليات والطوائف المسلمة في بعض البلدان غير الإسلامية.

وإلى التصوير السلبي للإسلام في وسائل الإعلام.

وإلى اعتماد وإنفاذ قوانين تميزٍ ضد المسلمين وتستهدفهم تحديداً.

وتقرر اعتماد القرارات المتعلقة بمناهضة تشويه صورة الأديان.

كما دعت اللجنة الدول إلى اتخاذ إجراءات حازمة لحظر القيام بنشر الأفكار والمواد القائمة على العنصرية وكراهية الأجانب والموجهة ضد أي دين من الأديان أو أتباعه والتي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.

ومن أهم ما تناوله هذا القرار التأكيد على أن تشويه صورة الأديان، سبب من أسباب التنافر الاجتماعي، يفضي إلى حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبناء على ما تقدم بيانه نشيد بالجهود المبذولة لرفع هذه التعديات والهجومات، ونلفت نظر المسؤولين في الحكومة الدانمركية والنرويجية إلى وجوب تدارك الأمر إبقاءً على التعاون والتحالف مع الدول العربية والإسلامية جميعها، وحرصاً على نشر التفاهم والتسامح بين الكافة لضمان حرمة الأديان وصيانة حقوق الإنسان وكرامته.

الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى