الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
لاحقاً لبيان مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي أصدره في 2/1/1430هـ، الموافق 29/12/2008م، مع بداية الهجوم البربري الذي تعرض له قطاع غزة هاشم يُدين فيه المجازر الوحشية وجرائم الحرب التي مارستها وتمارسها سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المباركة. هذا الشعب الفلسطيني الذي لا ذنب له سوى المطالبة باستقلاله وحريته واستعادة حقوقه المغتصبة. وهذه الهجمات التي لا يمكن وصفها إلا بأنها عمليات إبادة وتطهير عرقي. وقد أكد المجمع في بيانه على أن قضيتنا مع العدو هي استمرار احتلاله للأراضي الفلسطينية، ومن هنا يجب ألا تنسينا اعتداءاته ومجازره البشعة أن هذه هي قضيتنا معه، فلا بد من العمل على تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، والذي يعني في أبسط ما يعنيه تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السموات العلى.
وقد أكد المجمع في بيانه وجوب النصرة الكاملة على المسلمين جميعاً للشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة، وبيّن أن من الواجب على حكومات البلاد الإسلامية بذل كل جهد ممكن من خلال المنظمات الدولية والعلاقات السياسية والاقتصادية للعمل على وقف هذا العدوان فوراً، ووقف الدعم الخارجي الذي يتلقاه العدو الصهيوني سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتلمس كل طريق ممكن لمحاسبة المعتدين على جرائم الحرب والإبادة التي مارسوها بكل صلف وغرور.
وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يقاوم الاحتلال وأن يدافع عن نفسه بكل الوسائل المشروعة، وشرف للمسلم وغنيمة له أن يموت في سبيل الله دفاعاً عن نفسه ودينه ووطنه وعرضه وماله.
كما طالب المجمع بضرورة الاستعجال في عقد مؤتمر للقمة على المستوى العربي والإسلامي، وبيّن أن الواجب الشرعي يحتم على القادة الفلسطينيين نبذ الخلافات وتوحيد الصف والكلمة وترسيخ معاني الوحدة الوطنية والوفاء بالعهود التي تمت لنسيان الخلافات وبخاصة ما تم في رحاب مكة المكرمة.
وها هو العدوان الشرس ما زال مستمراً وقارب الأسبوع الثاني أن ينتهي ولم يتوقف رغم ما بذل من جهود وتم من اتصالات، وهو يجيب بكل صلف وغرور أنه يقاوم الإرهاب الذي يمارسه الشعب الفلسطيني ويريد أن يجتثه ونسي أنه محتل غاصب، وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يقاوم وأن الأمم والشعوب كلها تفرق بين الإرهاب والمقاومة فمن حق الشعوب أن تقاوم الاحتلال والمحتلين بكل وسيلة ممكنة ومشروعة، وهو بذلك يمارس إرهاب الدولة بأبشع صوره، ضارباً عرض الحائط بقواعد القانون الدولي الإنساني فيروع المدنيين ويعرضهم لأبشع أنواع المجازر، ويقتل النساء والأطفال، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية، ويجب ألا نغفل في مواجهة هذه الغطرسة في التأكيد على الموقف العربي والإسلامي من هذا العدوان وما يمثله. فهو المحتل، وهو الذي يرفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة من يوم أن كان لها قرارات بخصوص القضية الفلسطينية، ويستمر في الاحتلال، ويتوسع في الاستيطان، ويتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني دون مساءلة من المجتمع الدولي، ولا يلتزم بقواعد القانون الإنساني في الحروب فلا يقيم وزناً لقتل المدنيين وبخاصة من الأطفال والنساء، ويدمر كل المقدرات والمباني المدنية ويعطل الفعاليات في حملة شرسة يندى لها جبين الإنسانية، إنه يستغل محاربة المجتمع الإنساني للإرهاب فيحاول خلط الأمور ويتهم المقاومة للاحتلال بالإرهاب.
إن الذين يحرصون على محاربة الإرهاب يجب أن ينهوا إرهاب الدولة الصهيونية واحتلالها للأراضي العربية، فكيف يساوى بين الجلاد والضحية؟ وبين المحتل المغتصب والمقاوم؟ إن علينا واجباً كبيراً أن نوضح هذه الحقائق للمجتمع الدولي لتعرية هذه الممارسات وفضحها من أجل أن يقف المجتمع الإنساني صفاً واحداً لإنهاء هذه المأساة ولوقف هذه الجريمة لا بد من إعلام قوي، ينقل ممارسات الاحتلال لكل مكان في عالمنا المعاصر، إنها حرب ونزاع مع هذا العدو المتغطرس على كل الأصعدة وفي جميع الميادين. والله سبحانه وتعالى يقول: (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
إن هذا العدو ينطلق في ممارساته من مقولات دينية، ودين الله سبحانه الذي أنزله على موسى عليه السلام منها براء، هذه المقولات التي تدعو إلى إحراق الأخضر واليابس عند العدو وقتل كل نسمة منه وحتى بهائمه، وتركه لما يحتله من مدن تلاً لا يعمر للأبد. إنهم يمارسون مع غيرهم ما شكوا منه مُر الشكوى في أوروبا في أجواء من الادعاء والمبالغة والتهويل، إنهم يعملون بكل جهد لفرض سياسة الأمر الواقع. يجب كشف كل ذلك وإلا سيظل هذا العدو يغرر بالمجتمع الدولي وبخاصة الدول الكبرى وسيظل بصلفه وغروره وسيظل يتلقى أنواع الأسلحة الفتاكة التي تروع أبناء الشعب الفلسطيني.. لا بد من وضع الخطط الكفيلة بذلك. فالمواجهة طويلة والتحديات كبيرة، وعلى كل مسؤول أن يؤدي واجبه بكل أمانة وإتقان. فالكل سيقف بين يدي الله سبحانه وتعالى وسيحاسب على ما قدم في هذه الحياة، قال جل جلاله: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، ويأخذ بأيد أهلنا في الأرض المحتلة في غزة وغيرها لمواجهة الاحتلال ودحره، وتحقيق النصر بإذنه سبحانه، إنه سميع مجيب الدعاء.
أ. د. عبدالسلام العبادي
أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي
اقرأ ايضا
آخر الأخبار