بيان أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في عدد من الصحف الفرنسية والأوربية

الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وسلامه على سائر أنبيائه ورسله وعلى نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:

فلا تزال أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي مستاءة متألمة من استمرار بعض الصحف بالجمهورية الفرنسية وبدول أوربية أخرى في نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة لرسول الله محمد، المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وسلم، ومنذ أن نشرت تلك الرسوم للمرة الأولى من قبل إحدى الصحف الدنماركية.

وإن أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، باسم علماء الأمة والفقهاء الممثلين في مجلس المجمع إذ تستنكر بشدة استمرار نشر تلك الرسوم المسيئة إلى نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وتكرارها، والذي لا يعبر إلا عن فساد الطوية وسوء القصد والإصرار على البغي، فإنها اليوم تود إيضاح ما يلي:

أولا: تؤكد مجددا على أن ارتكاب مثل هذه الحماقات الرعناء تثير موجات من الغضب الشديد والاستياء الغامر لدى كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية، وتؤجج فتنا ناعرة ومحنا خامدة. وإن مرتكبي هذه التصرفات الماكرة قد ناصبوا العداء لأمة الإسلام قاطبة، مستفزين مشاعر كل فرد من أفرادها، وهم بذلك يسعون في تدمير أواصر الاحترام بين المسلمين وأهل الكتاب، تنفيذا لمخططات أعداء السلام والإسلام.

وقد أوضح المسلمون بجلاء بأن للرسول محمد صلى الله عليه وسلم مكانة عظمى لا توازيها مكانة، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما وصف ذلك الله في قرآنه الذي أنزله: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )[من الآية 6، سورة الأحزاب].

ولا يمكنهم تحمل أي إساءة توجه إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولا لأي نبي من أنبياء الله ورسله، آدم ونوحا وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وسائر الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام.

ثانيا: إن المحرضين على الاستمرار في نشر الرسوم المسيئة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، سواء من قادة الدول الأوربية أو ساستها أو إعلامييها أو رجالها أيا كانوا، يقفون في الحقيقة موقفا معاديا لازدهار بلدانهم بإثارتهم للكراهية والعنصرية. ألا يدركون بأنهم يبغون الفتنة ويفتحون أبواب العنصرية، ويمهدون لتأجيج التباغض، أولا يعقلون بأنهم يحفرون القبور ويدفنون مبادئ الحرية والقيم الأخلاقية والفضائل الإنسانية، التي طالما تشدقوا بحمايتها وسدانتها.

ثالثا: إن المحرضين على مواصلة نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم قد وصل بهم الأمر أن يقفوا ضمنا موقفا معاديا للوجود الإسلامي في بلدانهم، مع أن المسلمين يحرصون على حسن التعايش والاندماج الإيجابي، المبني على المشاركة الفعالة والمساهمة النشطة من أجل تقدم المجتمعات التي يعيشون فيها ونهضتها واستقرارها، وقد أثبتوا ذلك خلال العقود التي أمضوها في تلك البلدان، وكان ذلك منهم تأسيا بنبيهم واتباعا لكتابهم واقتداء بسلفهم الصالح.

رابعا: لقد أضحى الكيل بمكيالين سمة بارزة لليبراليين، فعندما يتعلق الأمر بالإسلام يستخدمون مكيالا، وإذا تعلق بغيره فيكيلون بمكيال آخر، وهنا نتساءل هل تجرؤ أي وسيلة من وسائل الإعلام الليبرالية على نشر رسم كاريكاتوري واحد على غرار رسوم صحيفة شارلي إيبدو، تسيء فيها للسامية أو لغيرها باسم حرية التعبير ؟! أولا يمثل ذلك نفاقا في أحط درجاته لليبرالية نفسها ولحماتها ولأتباعها المؤمنين بها.

وعليه فإن مبدأ حرية التعبير عن الرأي إذا أضحى مطية للإساءة للآخرين فإنه يجب أن يصحح، مفهوما وتطبيقا، بما يمكن به احترام الآخر، وتجنب الإساءة إليه.

خامسا: إن الرسول الكريم الذي يساء إليه اليوم هو الذي وضعت شريعته الإسلامية الخالدة قبل خمسة عشر قرنا مبادئ عظيمة وأحكاما فريدة للتعايش السلمي بين البشر كافة، مبنية على قواعد إيمانية راسخة، وأحكام تطبيقية متعمقة، مزيلة الفوارق العرقية والمادية، معتبرة البشر كلهم خلق الله، أبناء آدم تقوم علاقاتهم على التعارف والتعاون والسلام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات، 13]، وقال عز وجل: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران، الآية 64].

وآيات القرآن الكريم وأحكام الإسلام كانت الأساس المشهود في العلاقات الدولية في أوقات السلم والحرب، كما إن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص في الدولة الإسلامية التي أقامها في المدينة المنورة على التعايش السلمي والتفاعل الإيجابي مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى وكافة الشعوب الأخرى، وضرب خلفاؤه من بعده وقادة المسلمين من بعدهم أروع الأمثلة في البر والقسط والعدل والاحترام مع غيرهم.

سادسا: لقد وقعت عبر التاريخ البشري إساءات عديدة تجاه أنبياء الله ورسله كان مرتكبوها أشقياء كتبت عليهم الذلة واللعنة، ونصر الله أنبياءه وانتصر لهم، وقد بيّن سبحانه ذلك في كتابه قائلا: ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ {51} يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {52} ) [سورة غافر].

سابعا: إن التعايش السلمي بين شعوب العالم ودوله لا يتحقق إلا باحترام التنوع الديني والثقافي، وإن معاداة نبي من أنبياء الله ورسول من رسله، أو الإساءة إلى رمز من الرموز الدينية أو النيل من مقدساتها تزعزع الأمن وتثير الفتن وتصيب العلاقات والتعايش السلمي بالتصدع، وتنذر بالصدام، والبشر في عالم اليوم لا يقبلون بثقافة استبعاد الآخر، خصوصا بعد التوقيع على الوثائق والعهود الأممية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ووجدت لحراستها منظمات وهيئات.

ثامنا: انطلاقا من مبادئ السلام التي جاء بها الإسلام فإن أمانة المجمع تناشد المسلمين في شتى البقاع تجنب إلحاق الأذى والضرر بالآخرين الذين لا ذنب لهم ولا جريرة في إثارة هذه الفتن، وإنها لتحمل أوزار هذه الفتن وما تنتجه من ردود أفعال سلبية للذين وقفوا وراء نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم. وتطالب بتقديمهم عاجلا للمحاكمة، وتطالب الجميع أيضا -بلدانا وحكومات ومنظمات وأفرادا- بالوقوف صفا واحدا تجاه كل من تسول له نفسه الإيقاع بين أتباع الديانات والثقافات لإحلال الفتن والصراعات بينهم، قبل أن يفضي هذا التسيب بحجة الحرية إلى نقض الجهود التي تم بذلها عالميا للتعايش السلمي والوئام العالمي، وترجو منهم العمل على كل ما من شأنه إسكات الأصوات التي تطالب بمزيد من إشعال نيران الفتن وتهزأ وتسخر من نبي الإسلام وشعائره ومبادئه وقيمه وحقائقه.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي

الأستاذ الدكتور أحمد خالد بابكر

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى