في مؤتمر القاهرة أكد معاليه أن نصرة الشعب الفلسطيني، وخاصة غزة الجريحة، فريضة مقدسة وواجب إنساني ومسؤولية أخلاقية

شارك معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، في المؤتمر السنوي العاشر لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، الذي نظّمته دار الإفتاء المصرية بعنوان “صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي” خلال يومي 12-13 من شهر أغسطس لعام 2025م.
هذا، وقد ألقى معاليه كلمةً في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر يوم الثلاثاء 18 من شهر صفر لعام 1447هـ الموافق 12 من شهر أغسطس لعام 2025م، استهلّها بتقديم وافر الشكر والتقدير لمصر قيادةً وشعبًا على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، مهنئًا الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء بمرور عشر سنوات على تأسيسها، ومشيدًا بجهودها في تعزيز التكامل بين المؤسسات الإفتائية، ومساهمتها في نشر قِيَم الوسطية والاعتدال. كما أثنى على الإنجازات المشهودة لفضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عيّاد، وسَلَفِه فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علّام في ترسيخ العمل المؤسسي الإفتائي عالميًّا.

ونوَّه بأن مشاركة المجمع في هذا المؤتمر تأتي تقريرًا وتأكيدًا لمكانته “بحُسبانه المرجعية الفقهية العليا الجامعة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ليعتزّ بمشاركته في هذا المؤتمر امتثالًا لِما أخذه الله على العَالِمين: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾، وتحقيقًا للثقة التي أوْلاه إيّاها قادة الدول الإسلامية والمجتمعات المسلمة ببيان حكم الله في النوازل والمستجدات التي يعظُم خطرها، ويشتدُّ أثرها، وتحظر فيها الفتاوى الفردية، صونًا لعقائد الناس، وحمايةً لوحدة الصف، وتعزيزًا لقيَم الوسطية والاعتدال والتسامح”.
ثم تحدث معاليه عن أهم السِّمات التي ينبغي توافرها في المفتي ليصدق عليه وصف “المفتي الرشيد”، فقال: “ينعقد هذا المؤتمر العلمي العظيم في ساعة من أحرج الساعات، وفي لحظة من أصعب اللحظات، بل في زمن باتَت الأمّة فيه أحوج ما تكون إلى المفتي الرشيد، وهو ذلك المفتي الذي يقيم منار الحق، ويشيّد صروح الأمان، ويزرع الأمل والطمأنينة والسكينة في النفوس، ويحوّل التحديات إلى فُرص، ويقلّب الضغوط إلى منجَزات، ويطوّع الواقع المتغيّر لينفعل بتعاليم الوحي الثابت، ويوقّع عن ربّ العباد في ثقة وثبات، لا يُزعزِعه تهديد، ولا يَفُتُّ في عَضُده لَوْمُ لائم، وينفي عن الدين الحنيف تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المُبْطِلين، يعتصم بالثوابت ولا يتنازل عنها، ويتأمل في المتغيرات ولا يجمد عليها.. فتواه تَبني ولا تَهدم، وتجمع ولا تفرّق، وتعمِّر ولا تُدمِّر، وتيسِّر ولا تعسِّر، وتبشِّر ولا تنفِّر.. وهو وسطيٌّ في الفكر والسلوك، يجفِّف منابع الغلوّ والتطرف، ويدُكُّ معاقل التعصّب والتشدّد، ويتصدَّى بقوّة وعَزْم وحَزْم لزَوابع الفتن، ويصدُّ رياح الإضلال والتضليل والإلحاد، ويوازن بحِنكةٍ واقتدار بين المصالح والمفاسد، ويلْتفتُ إلى المآلات والمنازل، فلا تغيب عن عينه الحكمة، ولا يزيغ قلبه عن الرُّشد والرَّشَد والرَّشَاد.. غايته العليا، وهمّه الأسمى من الإفتاء والتبليغ: هداية الخَلق، وجمْع الكلمة، وحماية المجتمع، وتحقيق قَيُّومِيَّة الدين على الواقع حتى يصبح الإنسان عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبدٌ له اضطرارًا”.


وأضاف قائلًا: “إن هذا المفتي منفتحٌ على العصر، لا تروِّعه أمواجُ الذكاء الاصطناعي المتلاطمة، بل يحوّلها إلى أدواتٍ في خدمة الدين والأمّة والإنسانية، ولا تُخيفه طلاسم التقنية الرقمية الحديثة وطاقاتها، بل يستوعبها، ويستعين بها جمعًا وتحقيقًا وتحليلًا وتخريجًا للنصوص، ومقارنة للآراء والأنظار، وتمحيصًا للأفكار، فيجعلها نعمةً مسخَّرة، لا فتنة مُستعِرَة”.
أما صناعة المفتي الرشيد في هذا العصر، فأكد معاليه أن صناعته “أمْسَت اليوم فريضة دينية، وضرورة عصرية، ومصلحة زمانية، تعزيزًا للأمن الفكري الذي لا مَناص منه، ومحافظةً على مقاصد الشرع التي لا حَيدة عنها، وحمايةً للأوطان والشعوب والأُمَم من التّفتّت والانزلاق. نعم، إنَّ صناعة هذا المفتي تتوقف على قيامنا طواعيةً بمراجعة مناهجنا الشرعية والاجتماعية والإنسانية، بُغية الارتقاء بها إلى مستوى التحديات المتفاقِمة والتطورات المتلاحقة، والتغيرات المتتابعة، وقصد صيرورتها مناهج تخرّج عقولًا نيّرة، وقلوبًا طاهرة، وألسنة صادقة، تذُود عن الأمّة غوائل الشبهات، وتدفع عن الشعوب المُهلِكات، وتصُون الأفراد من الموبقات، ويتحقق ذلك كلّه بتجديد محتوياتها، وتطوير أساليبها بما يواكب العصر؛ جمعًا بين الرسوخ في علوم الوحي ومعارفه، والتمكن من علوم الإنسان والعمران، وبين التشبّع بأدوات الاستنباط والاستدلال، واستيعاب الوسائل والوسائط التي جادَ بها الزمان.”
وفي ختام كلمته، نقل معاليه مناشدة منظمة التعاون الإسلامي للدول والشعوب والمجتمع الدولي للتعاون والتضامُن من أجل وضع حدٍّ عاجلٍ للمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وخاصة غزة الجريحة التي تَرزح تحت حصار خانق مُفجِع، وتجويع مُمنْهَج مفزِع، وعدوان وحشيّ غاشِم من احتلال صهيوني متطرّف تتبرأ من جرائمه الشنيعة كل الأديان والشرائع. وأردف قائلًا:


“إن نصرة هذا الشعب المكلوم المظلوم ليست خيارًا، بل فريضة مقدَّسة في كل الأديان والشرائع، وإن إغاثة جَوْعاهُ ليست مساعدة، بل واجبًا إنسانيًّا ثابتًا في كل الأعراف والتقاليد، وإن الدفاع عن قضيته ليس مِنَّةً ولا فضلًا، بل مسؤوليَّة أخلاقيَّة على كل مَن يملك كلمة أو موقفًا أو موقعًا”.
كما أشاد معاليه بالجهود الحثيثة المباركة التي تبذلها المملكة العربية السعودية عبر لجنتها الوزارية الإسلامية، وبجهود الوساطة الحكيمة التي تضْطلع بها جمهورية مصر العربية ودولة قطر، داعيًا الله أن تُتوَّج بالتوفيق والنجاح: “فيَندَحر الاحتلال، وينقَشِع الحصار، وتعود البسمة إلى شِفاه أطفال فلسطين، وتَستردُّ حرائرها كرامتهن، وتنساب السكينة إلى وجوه شيوخها، وينتعش الأمل والأمان في نفوس شبابها، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى