معالي الأمين العام يلقي كلمة في افتتاح ندوة مشكلات العاملين في مجالات أمراض النساء والولادة

بدعوة كريمة من المنظَّمة الإسلاميَّة للعلوم الطبيَّة بدولة الكويت، ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، كلمة تأصيليَّة في افتتاح ندوة فقهية طبية عن “مشكلات العاملين في مجالات أمراض النساء والولادة، وطفل الأنابيب من منظور أخلاقي”، وذلك صباح يوم السبت 1 من شهر ربيع الثاني لعام 1443، الموافق 6 من شهر نوفمبر لعام 2021م عبر تقنيات الاتصال الافتراضي.

هذا، وقد استهل معاليه كلمته بالتعبير عن شكره الجليل وتقديره العظيم للقائمين على المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية على ما يبذلونه من جهود مقدرة من أجل توجيه النوازل والمستجدات الطبية استنادا إلى أحكام الشريعة الغراء بأصولها وقواعدها ومقاصدها تمكينا لعموم المسلمين من الالتزام بتعاليم دينهم الحنيف. كما أعرب معاليه عن سروره البالغ بتخصيص المنظمة هذه الندوة من أجل الحصول على إجابات فقهية شافية على التساؤلات والإشكالات التي تواجه العاملين في قطاع الصحة عامة وقطاع أمراض النساء والولادة خاصة.

وأملا في الوصول إلى صياغة ناضجة للأحكام الشرعية المناسبة لمختلف الإشكالات المتعلقة بهذا المجال، اقترح معاليه على السادة الفقهاء والمفتين الذين يتصدون للإجابة على تساؤلات العاملين الانطلاق من جملة مرتكزات منهجية معينة على ضبط الأحكام الشرعية المناسبة والملائمة، وتتمثل تلك المرتكزات في الاعتصام الرصين بالأصول العامَّة للشريعة، واللوذ بمقاصد الشرع، والاستئناس بالقواعد الفقهيَّة الكبرى، ثم الالتفات إلى مآلات الأفعال.

وختم معاليه كلمته قائلا: “إنَّ بيان الأحكام الشرعيَّة والعلاجات المتعلقة بهذه المشكلات التي تواجه العاملين في مجالات أمراض النساء والولادة وطفل الأنابيب ينبغي أن ينطلق من قواعد كلية، وضوابط شرعية، ومرتكزات منهجية، يتكئ عليها المفتي، وينطلق من خلالها، فتنير له الطريق، وتمكنه – بإذن الله تعالى – من بيان الأحكام الشرعيَّة والحلول الناجعة لتلك المشكلات التي تطرحها هذه الندوة المباركة. ومن تلكم القواعد الكلية والمرتكزات الشرعية للفتوى والوصول إلى الحكم الشرعي، *أولا: الأصول العامَّة للشريعة الغرَّاء*: وأعني بها: الآيات الكريمة والأحاديث النبويَّة الشريفة التي وردت في الأمر بالحفاظ على النفس، وحمايتها، وبوجوب التداوي، وبوجوب الطهارة، وبالنهي عن إلقاء الأيدي إلى التهلكة، وغيرها مما جاءت به الشريعة الغراء.

فهذه النصوص القرآنيَّة والحديثيَّة تمثِّل أصولاً عامَّة ينبغي النفاذ منها من أجل تقرير الأحكام الشرعيَّة، والحلول الناجعة لما يواجهنا من مشكلات، اعتبارًا بأنَّ العموم الوارد في تلك النصوص عمومٌ في الزمان، والمكان، والإنسان، والحال، والوضع، فلا ينحصر في عصر، أو في مصر، وإنَّما يعد خطابًا لكل الأجيال، ولكل الأعصار، والأمصار. *وثانيًا: مقاصد الشرع الكليَّة* والعناية بمراتبها: فمن المتفق عليه أنَّ مصادر التشريع ترجع إلى الكتاب والسنَّة، وأنَّه ما من مسألة مستجدة صغرت أو كبرت إلا ونجد لها فيهما حكمًا، إما نصًا صريحًا، أو إشارةً وإيماءً، ويعرف ذلك أهل العلم الثقات المتمكنون، قال جل وعلا: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} النساء: 83. كما أن معرفة الأسرار والحِكم والمقاصد الثاوية بين جنبات النصوص الشرعية من شأنه تمكين المكلَّف من التمثل والامتثال بالأحكام بصورة سلسلة، مع طمأنينة وراحة واستقرار.

وإذا كان من المتفق عليه أن الأحكام الشرعيَّة شرعت كلها من أجل الحفاظ على خمسة مقاصد ضروريًّة، وهي حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ النسل، وحفظ العقل، وحفظ المال، فإنَّ السواد الأعظم من أهل العلم بالأصول يعدّون حفظ النفس مقدَّما على بقية المقاصد، ولذلك، فإنَّه يمكن التضحية بها كلها من أجل حفظ النفس، مما يعني أنَّه يترك الامتثال والتمثل بالدين إذا كان ذلك مؤدِّيا إلى تفويت النفس وإزهاقه كما هو الحال في حالات الإكراه الملجيء على الكفر، والمرض الشديد، والجوع الشديد وغير ذلك من الطوارئ والجوائح. *وثالثا: الاستئناس بالقواعد الفقهيَّة الكبرى: * فالقواعد الفقهيَّة تمثِّل خلاصات النصوص والمقاصد، والمواد الموجِّهة لمختلف المسائل والقضايا التي تستجد في حياة الإنسان، ولذلك، فإنَّ هذه الخلاصات تمثِّل أجوبة لجملة من الأسئلة المستجدَّة والمتجدِّدة التي يجود بها الزمان بين الفينة والأخرى، إذ يلوذ بها الفقيه الفطن لتوظيفها في توجيه المستجدات، وتسديد النوازل، وإبراز شموليَّة الشرع الكريم، وقدرة ألفاظه ومبانيه على مواكبة كل جديدٍ، وترقيع كل وافد.

وبناء عليه، فإنَّ ثمَّة قواعد فقهيَّة نحسبها قادرة على بيان الأحكام الشرعيَّة لكل مستجد وحادث، ومن أهمِّ تلك القواعد، قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، وقاعدة درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وقاعدة الضرر يزال، وقاعدة المشقة تجلب التيسير، وقاعدة الأمور بمقاصدها، وهكذا دواليكم. *ورابعًا: الالتفات إلى مآلات الأفعال*: فالاعتداد بالمآلات مبدأ شرعيّ مبارك، وتصرف معهود عن الشرع في جملة من الأحكام الواردة في الكتاب والسنَّة، وتكمن أهميَّة هذا المبدأ في كونه الحكم الذي يحتكم إليه لمدى الإقدام أو الإحجام عن حكم ثابت في الشرع، بحيث إذا كانت الآثار المترتبة على الإقدام به جالبةً مفسدةً، وجب الإحجام عنه، وكذلك الحال إذا كانت الآثار المترتبة على الإحجام جالبة مفسدةً، وجب الإقدام عليه. مما يعني أنَّ ثبوت الحكم بمدركه الشرعي لا يعني وجوب الامتثال أو الامتناع عنه، وإنَّما يصح الامتثال به إذا كان لا يترتب على ذلك مفسدة معتبرة.

هذه ومضات قصدنا منها الإسهام في تمكين الموقِّعين عن ربِّ العالمين من معرفة أسس الإفتاء والاجتهاد في مختلف المسائل والقضايا المستجدة طبية كانت أو أخلاقية، في ضوء الأصول والمقاصد والمآلات، والله سبحانه وتعالى أعلم”.

هذا، وقد شارك في الندوة لفيف من علماء الشريعة الأجلاء وعدد من الأطباء والممارسين الصحيِّين، حيث عرضوا تساؤلاتهم على الفقهاء لبيان الأحكام الشرعيَّة المناسبة لكل مشكلة واستفسار.

 

اقرأ ايضا

آخر الأخبار