شارك معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، يوم الاثنين 15 من شهر شوال لعام 1443هـ الموافق 16 من شهر مايو لعام 2022م في المؤتمر السنوي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بمملكة البحرين. وكان موضوع مداخلة معاليه حول إمكانية اعتبار الوكيل بالخدمات أو الوكيل بالإدارة طرفًا يجوز الْتزامه بجَبر الخسارة من جهة، وحكم تعهُّد وكيل الاستثمار بشراء الوحدات الاستثماريَّة والصكوك من حملة الصكوك بثمن محدَّد من جهة أخرى.
هذا، وقد استهلّ معاليه مداخلته بتحديد المراد بمصطلحات الوكيل بالخدمات، والوكيل بالإدارة، والوكيل بالاستثمار، حيث أوضح بأن الوكيل بالخدمات في الاقتصاد الوضعي يراد به في الفقه الإسلامي: الوكيل بأجر، والأجير، كما يراد بالوكيل بالإدارة: المضارب طَورًا، والمستأجر تارةً، وأما الوكيل بالاستثمار فإنه يراد به حينا: المضارِب، كما يراد به أحيانًا الشريك.
وبناءً على هذا، قرَّر معاليه بأن هؤلاء الوُكلاء الثلاثة، وكيل الخدمات، ووكيل الإدارة، ووكيل الاستثمار، لا يجوز لهم الالْتزام بجَبر خسارة المال أو هلاكه أو تلَفِه، كما لا يجوز إلْزامهم بضمان المال الذي يُديرونه إلا إذا ثبَت اعتداؤهم عليه، أو تقصيرهم في حفظه، وبتعبيرٍ أدقّ: لا يضمن هؤلاء الوكلاء الثلاثة المال الذي يديرونه في حالة هلاكه أو خسارته إلا إذا اعتدوا عليه، أو فرطوا في حفظه وحمايته؛ وذلك لأن الوكيل بأجرٍ مؤتمَن، والأجير مؤتمَن، والمضارِب مؤتمَن، والشريك مؤتمَن، ولا ضمانَ في الشريعة على مؤتمَنٍ إلا إذا تعدَّى أو قصَّر، ذلك لأن المؤتمَن مثل صاحب المال، ولا ضمان على صاحب المال في حالة هلاك ماله أو خسارته أو تلَفه، وكذلك الحال لا ضمان على المؤتمَن إلا في حالة التعدّي والتقصير.
ثم أوضح معاليه بأن القواعد الشرعية التي عالجَت قضايا ومسائل الضمان في الفقه الإسلامي ينبغي المحافظة عليها والاعتصام بها، ولا يجوز الخروج عليها، وأشار إلى أن تلك القواعد رصينة ومُحكَمة، ومن أهمها: قاعدة الوكيل مؤتمَن، وقاعدة لا ضمان إلا بالتعدّي، وقاعدة الغُرْمُ بالغُنْم، وقاعدة يدُ الوكيل يدُ أمانةٍ وليست يدَ ضمان، وقاعدة الضمان والأجر لا يجتمعان. كما أوضح معاليه أن عدم الْتزام الوكلاء الثلاثة بجَبر الخسارة، وعدم إلْزامهم بضمان المال يُعتبر ذلك محافظة على المقاصد الشرعية في المعاملات والعقود، وخاصة مقصد العدل بين المتعاقدين، ومقصد وضوح أركان وشروط العقود، ومقصد ثبات الحقوق واستقرارها.
وأما بالنسبة لحكم الشرع في مدى جواز تعهد الوكيل بالاستثمار أو الوكيل بالإدارة بشراء الوحدات الاستثماريَّة أو الصكوك بالقيمة الاسمِيَّة، أو القيمة السُّوقِيّة، أو بثمَن محدَّد، فقد أوضح معاليه بأنه لا يجوز للوكيل بالإدارة أو الوكيل بالاستثمار أن يتعهد بشراء تلك الوحدات أو الصكوك، لأن تعهده بالشراء يتنافى مع مبدأ المُخاطَرة الذي يترتّب استحقاق نسبة من الربح في حالة نجاح الاستثمار في الشريعة، فإذا انتفى عنصر المخاطرة انتفى الحق في الربح شرعًا، وبتعبير آخر: إن تعهد الوكيل بالاستثمار يترتّب عليه تحويل الاستثمار من كونه عقد شراكة في الربح والخسارة إلى عقد قَرض يجب على المقترِض ردّ المال إلى صاحبه سواء رَبِح أم خَسِر، وهذا مُنافٍ لمقصد العدل الذي يقتضي تقاسُم الشركاء الربح والخسارة معًا، ولا يجوز تحمّل طرَف واحد فقط الخسارة.
وفي ختام مداخلته، دعا معاليه العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية إلى الابتعاد عن الإلْزام بالتعهدات والوعود التي تخالف المبادئ والقواعد الشرعية، كما هو الحال في هذه المسألة، كما دعا المهتمّين بتطوّر الصناعة المالية الإسلامية إلى الالْتفات دومًا وأبدًا إلى المقاصد الشرعية في العقود والمعاملات المالية، وخاصة مقصد العدل، ومقصد الوضوح.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار