وفد علماء المسلمين يحاورون علماء أفغانستان البارزين بمقر وزارة الخارجية بكابل

تنفيذًا لقرار المجلس الوزاري لوزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في دورته الاستثنائية الأخيرة في ديسمبر عام 2021م بإسلام آباد بجمهورية باكستان الإسلامية، عقد وفد علماء المسلمين برئاسة معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، مساء يوم الأربعاء 23 من شهر ذي القعدة لعام 1443هـ الموافق 22 من شهر يونيو لعام 2022م، اجتماعًا تشاوريًّا مع علماء أفغانستان المؤثِّرين بمقر وزارة الخارجية بالعاصمة الأفغانية كابل، وذلك بحضور معالي مولوي متقي أمير خان، وزير الخارجية بالسلطة الحاكمة بأفغانستان.

هذا، وقد رحب معالي وزير الخارجية بوفد العلماء والمبعوث الخاص لمنظمة التعاون الإسلامي إلى أفغانستان، ومدير عام مكتب المنظمة بكابل، وشكرهم على الزيارة التي يقوم بها الوفد إلى كابل، منوهًا بأن هذا الوفد يعدّ أكبر وفد يزور كابل بعد وصول طالبان إلى سدّة الحكم قبل عشرة أشهر، ومشيدًا بجهود المنظمة عامة والمجمع خاصة فيما يتصل بمساعدة أفغانستان على تجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخها، سواء من خلال تقديم الدعم المادي أو تقديم المعنوي لها، كما تعد هذه الزيارة آكَد دليل على العناية العظيمة، والاهتمام الكبير من لدن الدول الأعضاء بالمنظمة بالشأن الأفغاني. ثم أوضح معاليه بأن السلطة الحالية بأفغانستان تحتاج إلى بعض الوقت لتعزيز الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد، وتلبية احتياجات الشعب الأفغاني الضرورية من غذاء، ودواء، وبِنى تحتيّة، وتوفير فرص العمل، ومكافحة الفقر والعَوَز.

ولهذا، فإن معاليه يناشد وفد العلماء الأكارم بالتوسط لدى دولهم من أجل الإسراع بالاعتراف بالسلطة الحاكمة بأفغانستان بوصفها السلطة الشرعية الوحيدة الممثلة للشعب الأفغاني، وباعتبارها السلطة الوحيدة التي استطاعت -لأول مرة- فرْض سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية دون استثناء، حيث إن جميع محافظات الدولة البالغ عددها خمسًا وثلاثين (35) محافظة يخضع كلها اليوم لسلطة الإمارة الإسلامية. كما يناشد معاليه أيضًا علماء الأمة بالتوسط لدى دولهم من أجل المساعدة على الإفراج عن أرصدة أفغانستان المحتجزة لدى بعض الدول دُونما وجهِ حق. ثم دعا معاليه رئيس وفد العلماء إلى إلقاء كلمته في هذه المناسبة.

وتلبيةً لذلك، استهل معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو -رئيس الوفد- حديثه بالتعبير عن شكر الوفد الجزيل وتقديره الفائق للسلطة الحالية على ما لقيَه الوفد من كرم ضيافة، وحسن استقبال، وحفاوة ترحيب، كما عبّر معاليه عن امتنان مجمع الفقه الإسلامي الدولي العظيم لِما تُكِنّه السلطة الحالية من تعظيم وتوقير كبيرَين للعلماء تأكيدًا للتقاليد الأفغانية المعروفة عبر العصور المتمثلة في تعظيم العلم والعلماء، وتوقير الأولياء والكبراء. ثم قدّم معاليه نبذة تعريفية بالمجمع رؤيةً، ورسالة، وأهدافًا، وأعضاء، مؤكدًا بأن “هذا الوفد يمثل علماء الأمة الموثوقين في الدول الأعضاء بالمنظمة، ويحملون معهم رسالة محبة وتقدير واحترام لأصحاب السماحة والفضيلة علماء أفغانستان البارزين، وتأتي زيارتهم لأفغانستان في إطار قيامهم بواجب البيان، وتقديم النصح لأئمة المسلمين وعامّتهم، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم”. وتتمحور نصيحتهم لإخوانهم العلماء الأفاضل حول عدد من القضايا والموضوعات التي أُثيرت حولها في الآونة الأخيرة تساؤلات واستفسارات تستحق التحاور والتباحث حولها، وعلى رأسها موضوع تعليم البنات، وموضوع عمل المرأة، وموضوع التسامح والتعايش”. وبالنسبة لموضوع تعليم البنات، قال معاليه: ” إن ثمّة إجماعًا لدى علماء الأمة على وجوب طلب العلم على كلا الجنسين، الذكر والأنثى، كما أن هنالك إجماعًا على أن طلب العلم من آكَد الواجبات وأعظَم القُربات للجنسين الذكر والأنثى، والأدلّة الدالّة على هذا الوجوب مبثوثة في ثنايا العديد من النصوص الشرعية في الكتاب العظيم والسنة النبوية الشريفة التي لم تفرّق قَطّ بين الجنسين، وحاشَا عالمًا أن يفرّق بينهما كما يعلم ذلك علماؤنا الأفاضل بأفغانستان. وبناء عليه، فإن وفد العلماء جاؤوا ليتحاوَروا مع إخوانهم حول كيفية تطبيق ذلك الأمر الإلهي الصريح الواضح خاصة بالنسبة لتعليم فتياتنا الأفغانيات، وذلك بإزالة كافة العوائق التي تحُول دون ذلك، تجَنُّبًا من الوقوع في المحظور المتمثل في التسبُّب في عدم الامتثال بأمر الله القاضي بوجوب طلب العلم على الرجال والنساء والفتيان والفتيات”.
وبالنسبة لموضوع مشاركة المرأة الأفغانية في جهود البناء والتقدم وفق الضوابط الشرعية، توجّه معاليه إلى العلماء الأفغان قائلاً “إنكم أنتم مشايخنا وأساتذتنا تعلمون جيدًا بأن العمل في ديننا واجب أوجبه الله عل كل مكلَّف قادر ، حيث يُثاب على فعله ويعاقَب على تركه بلا عذر، ولا فرق بينه وبين غيره من الواجبات الشرعية المفروضة من صلاة وزكاة وصوم وحج وبِرٍّ واستقامة، كما لا فرق في وجوبه بين رجل وامرأة كما نصّت على ذلك نصوص عديدة من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وإجماع الأمة، كقوله تعالى {وقُلِ اعملوا فسيرى الله عمَلَكم ورسولُه والمؤمنون}، وقوله {مَن عمِلَ صالحًا مِن ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلَنُحيـيَنّه حياةً طيبةً ولَنجزِيَنّهم أجرَهم بأحسنِ ما كانوا يعملون} وغيرها. ولذلك، فإن علماء الأمة يتطلّعون إلى قيام علماء أفغانستان بدَورهم المُرتجَى في تصحيح المفاهيم المغلوطة حول هذا الموضوع، خاصة تلك التي تضرب النصوص بعضها ببعض، ولا تمَيّز بين النصوص الخاصة بأمهات النساء والنصوص العامة التي تنصّ على وجوب العمل على كلا الجنسَين، كما أن العلماء يرجُون من علماء أفغانستان مواصلة جهودهم في تعزيز الوعي بأهمية مشاركة الرجال والنساء في جهود البناء والتقدم والتطور للإمارة الإسلامية امتثالاً لأمر الله جل جلاله”. وأما بالنسبة لموضوع التسامح والتعايش والوئام بين مكوّنات الشعب الأفغاني بأعراقه وطوائفه وإثنِـيّاته، فـعبّر معاليه عن أهمية ذلك بقوله “إنكم يا علماءنا العظام تتفقون معي بأن ذلك يعدّ مبدأً إسلاميَّا خالدًا، ومنهجًا نبويًّا في إدارة الحُكم، ولذلك، فإن الْتزام الإمارة الإسلامية بهذا المنهج النبوي سيحقق الاستقرار والمشاركة الواسعة من جميع أطياف المجتمع الأفغاني في بناء الوطن، ويشكر لكم جهودكم البارزة في دعم هذا التوجّه لدى السلطة الحاكمة”. وختم معاليه كلمته بتجديد الشكر والتقدير للعلماء على حسن إصغائهم لنصيحته، وللنصائح التي قدّمها كل واحد من أعضاء وفد العلماء.

ثم تحدث فضيلة الشيخ المولوي محمد إسماعيل، رئيس علماء أفغانستان المؤثِّرين، الذي رحب بدوره بوفد علماء المسلمين، شاكرًا لهم تجَشُّمَهم المَشاقّ من أجل زيارة أفغانستان بعد تمكن الشعب الأفغاني من إعادة استقلاله بعد أربعة عقود من الحروب التي دمّرت كل شيء، وقدّم سماحته نبذةً مركزةً عما تعرّض له الشعب الأفغاني خلال أربعة عقود من صنوف الإهانة، والإذلال التي أفقرَت الشعب، وأرملَت النساء، ويتَّمَت الأطفال، وأثرَّت تأثيرًا بالغًا على التقاليد والأعراف الأفغانية، منوِّهًا في هذا الصدد بحاجة الإمارة الإسلامية إلى وقت ليس بقصير لإصلاح ما أفسدَته سنوات الحروب والاحتلال الأجنبي، وأردف قائلاً: “لذلك، فإن علماء الإمارة الإسلامية بأفغانستان يرجون من إخوانهم العلماء في العالم الإسلامي إلى تفهّم هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها الإمارة منذ أن مكّنها الله مِن بسْط نفوذها على جميع الأراضي الأفغانية”. وبالنسبة للموضوعات والمسائل التي تحدّث عنها رئيس الوفد، أكد سماحته بأن تلك المسائل والموضوعات خاصة تعليم البنات تعتبره الإمارة الإسلامية أولوية من أهم أولويات الإمارة التي تؤمن إيمانًا كاملاً بحقّ كلا الجنسَين في التعليم، غير أن هنالك عوائق وأوضاعًا صعبة تُعرقِل عودة بعض الفتيات إلى مقاعد الدراسة، وفور زوال تلك العوائق سيتم السماح لهن بالعودة إلى المدارس. وبالنسبة لموضوع التسامح والتعايش بين أتباع الأديان والمذاهب، أوضح سماحته بأن سلطة الإمارة الإسلامية ضمِنَت للأقلّيّات حقّها في ممارسة عبادتها بكل حرية واحترام، كما أنها تضم في وزارتها وأجهزتها ممثلين للأعراق والإثنِيّات المختلفة تأكيدًا على تسامحها وقبولها التعايش. وختم سماحته حديثه بدعوة عدد من علماء أفغانستان إلى التعليق على ما قاله إخوانهم العلماء.

ثم ختم معالي وزير الخارجية اللقاء بدعوة وفد العلماء إلى زيارة أفغانستان كلما سنَحَت لهم الظروف للوقوف على أحوال إخوانهم، والاطمئنان على الإمارة الإسلامية، مؤكدًا على استفادة الإمارة من النصائح الطيبة التي قدّمها وفد علماء الأمة.

 

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى