بدعوة كريمة من سعادة الدكتور صلاح الدين فليح الطه، عميد كلية الإمام الأعظم، ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، صباح يوم الاثنين 19 من شهر رمضان الكريم لعام 1444هـ الموافق 10 من شهر أبريل لعام 2023م، محاضرة علمية عن دور المجامع الفقهية في معالجة المستجدات بمدرج الكلية بالعاصمة العراقية بغداد.
هذا، وقد استهل معاليه محاضرته بالتعبير عن شكره الجزيل، وتقديره الفائق لعمادة الكلية على دعوته لإلقاء هذه المحاضرة على هيئة التدريس وطلبة الدراسات العليا، مشيدا بتلك المكانة الفكرية الرصينة وذلك التاريخ العلمي العريق لكلية الإمام الأعظم، حيث يعود تاريخ نشأتها إلى أكثر من ألف عام، وقد تخرج فيها علماء كبار من الفقهاء، والمحدثين، والمفكرين، ومنوِّها ببقائها شامخة وصامدة على الرغم من الصعوبات التي واجهتها عبر التاريخ. وأعرب معاليه في هذه المناسبة عن تمنياته أن تبقى هذه الكلية رفدا دائما يلاذ به من أجل المواصلة على إعداد أجيال متمكنين من شتى صنوف العلم والمعرفة حفاظا على تراث أئمة العلم والفكر الذين عاشوا في مدينة الرشيد، وأثروا المكتبة الإسلاميَّة بمؤلفات علمية قيمة، وكتب فكرية نفيسة.. وعلى رأس أولئك الأئمة الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت، وصاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، والإمام الشافعي، والإمام أحمد ابن حنبل، وغيرهم من أئمة الهدى والتقى.
ثم تطرق معاليه إلى موضوع المحاضرة، مبينا الأساس المرجعي والمستند الشرعي للفكر الاجتهادي عامة، والاجتهاد الجماعي خاصة، حيث أكد أن الاجتهاد فريضة دينية، وعبادة مشروعة، وشعيرة خالدة، بل ضرورة قائمة يتوقف عليها بقاء الشريعة حاكمة وقيمة، ذلك لأن بيان الأحكام الشرعيَّة التي تنتظمها الشريعة في نصوصها يتوقف على الاجتهاد، كما أن تطبيق الأحكام الشرعية في الواقعات يتوقف على الاجتهاد، ولذلك، فإنه ماض إلى يوم القيامة لم ولن يغلق بابه إلى قيام الساعة، بل إن ادعاء إغلاق بابه يعد اجتهادا، وبالتالي، فإنه لم ولن يغلق مادام التكليف قائما.. ثم أكد معاليه أن الراجح من أقوال أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كان يجتهد، ودرَّب أصحابه، رضوان الله عليهم، على الاجتهاد، وأقرهم على كثير من اجتهاداتهم، موضحا في هذه الأثناء أن الاجتهادات المنسوبة إلى رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، كان الطابع الغالب عليها الجماعية إلا ما ندر، إذ كان صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يجمع كبار الصحابة للتشاور والتفاكر في النوازل التي لم ينزل فيها وحي، وما يقر أغلبية المجتمعين يقره، صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، ويعمل به، تقريرا لجماعية الاجتهاد في المسائل والنوازل العامَّة.. ومن هنا، نشأ القول بالاجتهاد الجماعي الذي يمارس اليوم عبر المجامع الفقهية القطرية، والإقليميَّة، والدولية، وتتصدى هذه المجامع للنوازل والقضايا العامة التي تتطلب تعاون الفقهاء مع غيرهم من العلماء في الاجتماع، والطب، والاقتصاد، والتربية، وغيرها، وصولا إلى صياغة ناضجة للأحكام الشرعية التي تناسب تلك النوازل والمستجدات. وأوضح معاليه أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي يعد أكبر مؤسسة معاصرة للاجتهاد الجماعي وذلك بوصفه المرجعية الفقهية العليا الوحيدة في العالم التي يتكون أعضاؤها من كبار علماء المذاهب الإسلامية الثمانية المعتبرة التي يتبعها المسلمون اليوم في جميع أنحاء المعمورة، وتعد القرارات والتوصيات الصادرة عنها بمثابة أحكام شبه مجمع عليها إجماعًا سكوتيًّا بين السواد الأعظم من علماء العصر بمختلف مذاهبهم العقديَّة والفقهيَّة والتربويَّة.. كما أوضح معاليه أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي يتصدى لثلاثة أنواع من المسائل والقضايا العامة، وهي النوازل العامة التي لم يرد فيها نص ولم يؤثر عن السابقين اجتهاد ازاءها، ويصدق هذا على جائحة كورونا وعدد من النوازل المعاصرة في مجال الطب، والاجتماع، والاقتصاد، وأما النوع الثاني من المسائل العامة التي يتصدى لها المجمع، فيتمثل فيما طرأ على كثير من القضايا والمسائل من تطورات وتغيرات أثرت تأثيرا بالغا على حقائقها مما يتطلب تجديد الاجتهاد فيها اجتهادا معاصرا يتحقق من تلك التغيرات والتطورات، ويصدق هذا على التغيرات الطارئة على العقود والالتزامات والمعاملات والبياعات، وأما النوع الثالث، فيتمثل في مراجعة الاجتهادات السابقة في ضوء الأوضاع والأحوال التي شهدت ولا تزال تشهد تغيرا متواصلا، تطبيقا لقاعدة لا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأوضاع.. وختم معاليه حديثه بتجديد الدعوة إلى مراجعة المناهج في الجامعات والمعاهد والكليات لتطعيمها بمحتويات ومضامين تمكين خريجيها من المشاركة الإيجابية الفاعلة في التعامل مع واقعاتهم تعاملا رصينا يتكامل فيه النقل والعقل، ويجعل منهم مواطنين صالحين يحققون الاستخلاف لله في الأرض، وعمارة الكون، وتحقيق السعادة للإنسان في الحال والمآل.
هذا، وقد نالت المحاضرة استحسانا وإشادة كبيرين من الحضور الذين كان يتقدمهم فضيلة العلامة الشيخ الدكتور أحمد حسن الطه رئيس المجمع الفقهي العراقي.
وفي نهاية المحاضرة قدم سعادة عميد الكلية درع الكلية لمعاليه، وشكره على محاضرته القيمة.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار