بدعوة كريمة من لدن وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالمملكة الأردنية الهاشمية ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، يوم الجمعة 23 من شهر رمضان المبارك لعام 1444هـ الموافق 14 من شهر أبريل لعام 2023م، محاضرة علمية ضمن فعاليات المجلس العلمي الهاشمي الحادي عشر بعد المائة بعنوان “شيخ الإسلام النووي” في المركز الثقافي الإسلامي التابع لمسجد الشهيد الملك المؤسس عبدالله الأول بعمان، وذلك ضمن المجالس العلمية الهاشمية التي تعقدها وزارة الأوقاف سنوياً خلال شهر رمضان المبارك بعنوان “وقفيات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للكراسي العلميّة”.
هذا، وقد استهل معاليه محاضرته بتقديم الشكر الجزيل والتقدير الجليل لمقام صاحب الجلالة الهاشميَّة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، أيَّده الله، ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكيِّ الأمير الحسين بن عبد الله، حفظه الله، وللأسرة الملكيَّة الهاشميَّة، وللحكومة الأردنيَّة الرشيدة، والشعب الأردنيِّ الكريم على هذه المجالس العلميَّة المباركة، وعلى ما يحظى به العلم والعلماء من مكانة ورعاية واحترام وتقدير. ثم تحدث عن أهمية التعرف على سير العظماء والكبراء، وأثر ذلك على نهوض الأمم وتقدمها، فقال: ” إنَّ الأمم الواعية تفتخر بعظمائها، وتمجِّد أبطالها، وتعتز بتراثها، وتحافظ على منجزات الآباء والأجداد، وتستلهم من سير أبطالها دروسًا ناصعةً تتخذها نبراسًا تهتدي به لمواجهة التحدِّيات، وتستخلص منها عبرًا نافعةً تغدو لها منهاجًا تسير عليه لمواكبة التطورات، وملاذًا تلوذ به لتوجيه التحولات والتغيرات التي تداهم ساحتها بين الفينة والأخرى، ومن هنا، فإنَّنا نحسب أنَّ القائمين على المجالس الهاشميَّة وفِّقوا أيَّما توفيق في اختيارهم ثلَّةً نيِّرةً من خيرة علماء الأمَّة الراسخين البارزين لتسليط الضوء على سيرهم الخالدة، وبسط القول في إسهاماتهم المتميِزة، وآثارهم العظيمة، أملًا في أن تحذو الأجيال الصاعدة حذواهم، وتقتفي أثرهم ليتحقق لهم ما تحقق لأسلافهم من ذكر حسنٍ، وحضور دائم” ثم أوضح أنه إذا كان “من المتعذَّر الإحاطةُ الكاملةُ بجميع تفاصيل سيرهم، وكان المتعذر أيضًا تقديم تلك السير في محاضرة، لذلك، فإنَّنا سنكتفي في هذه المحاضرة بإلقاء ومضات على جوانب مضيئة في حياة الإمام الربانيِّ المجتهد المجدِّد محيي الدين، أبي زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّي بن حسن بن حسين بن محمد بن حزام الحوراني النووي الشافعي المولود عام 631 هـ بقرية نوى. ونظرًا لضيق الوقت، فإنَّني سأختار نماذج واقعيَّة من سيرته تميط اللثام عن أهمِّ لقبين استحقّهما بجدارة واقتدار، أعني لقب شيخ الإسلام والمسلمين، وصفوةَ الأولياء والصالحين، ولقب عمدةَ الفقهاء والمحدِّثين، وشيخ الشافعيَّة”. ثم طرح أمثلة على جدارته بهذين اللقبين، كموقفه من الملك بيبرس عندما هم بوضع يده على بساتين الشام واعتبارها ملكا للدولة، فوجّه إليه الإمام النووي كتابه التاريخي بعدم الاستماع إلى الذين زيّنوا له الباطل والاستيلاء على أملاك الغير، فغضب الملك بيبرس عندما قرأ كتابه، وأمر بقطع الرواتب ونزع المناصب عنه وقد تفاجأ عندما أخبروه أن ليس له راتبا ولا منصباً فاحبه وقربه منه. كما أشار معاليه إلى رفضه
طلب الملك بيبرس إصدار فتوى تبيح أخذ المال من الرعية ليستنصر بها على قتال التتار، فأصبح يقتل العلماء المعارضين حتى وصل عند الإمام النووي الذي حاوره بشدة حتى رد عليه الملك بيبرس : أُخرج من بلدي (أي دمشق)، فخرج إلى منطقة نوى، فقيل للملك لماذا لم تقتله، فقال : “كلما أردت قتله كنت أرى على عاتقه سبعين يريدون افتراسي فأمتنع مِن ذلك”. ثم تحدث معاليه عن استحقاقه لقب عمدة الفقهاء وفقيه المحدّثين، ذلك أنَّه كان جامعا بين علوم شتى، خاصة علم الحديث، وعلم الفقه، وعلم اللغة، وتتميز مؤلفاته في الفقه باشتمالها على تخريج دقيق لدرجات الأحاديث النبوية التي يستشهد بها، فضلا عن التزامه بما يعرف اليوم بمنهجية البحث، فقد التزم بها، رحمه الله، في سائر مؤلفاته التزامًا صارمًا، وعرف المراد بتلك المنهجيَّة بأنها “الصياغة الواضحة لمفردات البحث الذي يمهِّد به الباحث دراسته، ومن أهمِّ تسليط الضوء على مشكلة البحث وأسبابه، والأسئلة التي تسعى إلى الإجابة عليها، وتحرير القول في أهمِّ الأهداف التي يروم البحث تحقيقه، وبسط المقال في المنهج العلمي الذي ستتبناه الدراسة، وأخيرًا إلقاء الضوء على أهمِّ الدراسات السابقة على بحثه مع بيان الإضافة النوعيَّة التي تود الدراسة القيام بها”، وأكد بأنَّ “هذه العناصر المنهجيَّة الضروريَّة الواجبة التوافر فيما بات يعرف اليوم في أروقة الجامعات والمؤسَّسات العلميَّة الحديثة يجدها الناظر في سائر مؤلَّفات الإمام النووي حاضرةً بالقوة والفعل، مما يجعل منها مؤلَّفات علميَّة منهجيَّة رصينة ومتينة تتوافر فيها الدقة، والموضوعيَّة، والنقديَّة، والإبداعيَّة، والابتكار. إنَّ البرهنة على الحضور الواضح الجليِّ لهذه المنهجيَّة العلميَّة الصارمة في مؤلفات الإمام لا تتطلب سوى أن يلقي الناظر نظرة هادئة في تلك المقدِّمات الرائعة التي استهلَّ بها تلك المؤلَّفات، فسيجدنَّ فيها جميع عناصر البحث العلميِّ بصورة سلسلة ومترابطة.
إنَّ هذه العناصر المنهجيَّة الضروريَّة الواجبة التوافر فيما بات يعرف اليوم في أروقة الجامعات والمؤسَّسات العلميَّة الحديثة يجدها الناظر في سائر مؤلَّفات الإمام النووي حاضرةً بالقوة والفعل، مما يجعل منها مؤلَّفات علميَّة منهجيَّة رصينة ومتينة تتوافر فيها الدقة، والموضوعيَّة، والنقديَّة، والإبداعيَّة، والابتكار، وقد كتب الله لتلك المؤلفات الخلود وديمومة النهل منها والاستزادة من كنوزها واقتناعها على مرِّ العصور وكرِّ الدهور..” ثم ختم معاليه محاضرته بالقول” لا عجب أن ترتج دمشقُ وما حولها من قرى ومدنٍ بالبكاء والحزن والأسى على رحيل هذا الإمام الورع في الثلث الأخير من ليلة الأربعاء 25 رجب 676هـ عن هذه الحياة بعد أن بارك الله للأمَّة في عمره المبارك الذي لم يتجاوز السادسة والأربعين سنة.. رحم اللّه الإِمام النووي رحمة واسعة، وحشره مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وجمعنا به تحت لواء سيد الأولين والآخرين، محمد الأمين، صلى الله عليه وآله وسلَّم”.
هذا، وقد أدار المجلس العلمي الهاشمي عميد كلية الشريعة في جامعة مؤتة الأستاذ الدكتور محمود المعايطة، وحضره نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية توفيق كريشان، وسماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة، وقاضي القضاة الشيخ عبدالحافظ الربطة، وإمام الحضرة الهاشمية الدكتور أحمد الخلايلة، وقضاة الشرع الشريف، وعدد من ضباط وضباط صف القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي والأجهزة الأمنية، وعدد من الشخصيات السياسية، وأئمة وعلماء وممثلات عن القطاع النسائي
اقرأ ايضا
آخر الأخبار