تلبيةً لدعوة كريمة من لدُن دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم ترأس معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، يوم الأربعاء 3 من شهر ربيع الثاني لعام 1445هـ الموافق 18 من شهر أكتوبر لعام 2023م الجلسة العلمية الأولى للمؤتمر الدولي الثامن لدُور وهيئات الإفتاء في العالم عن “الفتوى وتحديات الألفية الثالثة”، وذلك بالعاصمة المصرية القاهرة.
هذا، وقد استهلّ معاليه رئاسته للجلسة المُعنْوَنة “مناطات التحقيق وطرائق المواجهة” بالحديث عن أهمية موضوع المؤتمر الذي ينعقد في ظرف عصيب للأمة الإسلامية والعالم أجمع نتيجة العدوان الغاشم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني على يدَي قوات الاحتلال على مرأى ومَسمع العالم، مؤكدًا تضامن مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدولي وجميع دُور وهيئات الإفتاء في العالم، وجميع الشعوب والأمم المُحبة للسلام والعدل في العالم، ومشيدًا بموقف منظمة التعاون الإسلامي الثابت من القضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية التي لن تتوانى في الدفاع عنها، وتعريف العالم بعدالتها، حتى تستعيد فلسطين جميع أراضيها المحتلة، وتقيم دولتها المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، كما ثمَّن معاليه غاليًا مواقف الدول الأعضاء بالمنظمة، وعلى رأسها جمهورية مصر العربية التي دعت إلى عقد مؤتمر عالمي للسلام للبحث عن حلٍّ عاجل لوقف العدوان الإسرائيلي على المدنيين في فلسطين المحتلة، كما ثمَّن جهود المملكة العربية السعودية التي دعت هي الأخرى إلى مؤتمر استثنائي لوزراء خارجية الدول الأعضاء بالمنظمة، أملًا في أن توقِف قوات الاحتلال هجماتها الوحشية ضد المدنيين العُزَّل.
ثم أوضح معاليه أن التحديات التي تواجه الفتوى ومؤسساتها في الألفية الثالثة التي مرَّ على حلولها ثلاثة وعشرون عامًا متعددة ومتنوعة، إذ بعضها تحديات فكرية، وبعضٌ آخَر تحديات اجتماعية، وبعضٌ ثالث تحديات ثقافية، وبعضٌ رابع تحديات اقتصادية، وبعضٌ خامس تحديات سياسية، كما أشار إلى أن هذه التحديات لن تعرف توقفًا أو تراجعًا، بل إنها في تصاعد مستمر، وتزايد متواصل، مما يجعل الحاجة ماسّة إلى تحويلها إلى فرص تمكّن الفتوى ومؤسساتها من القيام بمهامّها العظيمة المتمثلة في التوجيه، والتسديد، والترشيد من أجل تحقيق قومية الدين الحنيف، وتسديد الحياة بتعاليم الشرع الكريم. وتحقيقًا لهذا، قدّم معاليه خمس طرائق عملية لمواجهة تحديات الألفية الثالثة وتحويلها إلى فرص تخدم الفتوى، وتجعل منها أداةً مؤثرةً وحاضرةً بالقوة والفعل، وسمّى معاليه اقتراحه بالميمات الخمس، وهي: “المؤسسية، والمصداقية، والمواكبة، والمنهجية، والمهنية”. وأما المؤسسية، فنريد بها: وجوب الانتقال بالفتوى من كونها عملًا فرديًّا إلى عمل مؤسَّسيٍّ منظَّم يتجاوز الارتجالية والعشوائية والفوضى التي تحيط بها اليوم من كل حدبٍ وصوْب، ويتحقق هذا بضبط قضاياها المختلفة وتحدياتها المتراكمة ضبطًا مُحكَمًا بُغية تحديد سبل وطرائق التعامل معها تعاملًا رصينًا يقوم على صياغة تشريعات وسَنّ قوانين تميّز بين مجالات الإفتاء، بحيث يُحظَر الإفتاء الفردي في الشأن العام، ويقتصر الإفتاء فيها على المؤسسة الإفتائيّة العليا التي تضم بين جنَباتها كوكبةً من العلماء المؤهلين للإفتاء والخبراء الذين يعضدهم. وأما المصداقية، فإنها تتمثل في: محافظة دُور وهيئات الإفتاء في العالم على سمعتها، ونزاهتها، وعدالتها، وتجرّدها، والْتزامها بقول الحق، وبيان الأحكام الشرعية بطريقة مجرّدة واضحة مباشرة لا تخاف في ذلك من سَطوة الحكام ولا من تسلّط العوامّ، مما يجعل فتواها محلّ قبول وامتثال لدى الناس. وأما المواكبة، فنقصد بها: متابعة دُور وهيئات الإفتاء ما يشهده العالم من تطورات متسارعة وتحولات متصاعدة، وتغيّرات متواصلة في كافة مجالات الحياة، وبخاصة في مجال وسائل التواصل والاتصال، وتقنيات المعلومات، بحيث تستعين دور وهيئات الإفتاء بتلك الوسائل والتقنيات من أجل إيصال فتْواها إلى المُستفْتين وفقًا لما يؤثّر فيهم. على أن المواكبة: تقتضي اليقظة والانتباه وعدم الخلْط بين الثوابت والمتغيرات عند الإفتاء، كما تقتضي أن تتابع دور وهيئات الإفتاء عن كثب النوازل والمستجدات للإجابة عنها، وبيان أحكامها تمكينًا للجيل الصاعد من معرفة الأحكام الشرعية المرتبطة بتلك النوازل والمستجدات. وبالنسبة للمنهجية، أوضح معاليه: أن نجاح أي مؤسسة بل أي عمل مرهون بالْتزام أربابها أقصى مستويات المنهجية التي تبتدئ بالتخطيط السليم، والتنظيم المتميز، والتنفيذ السَّلِس، فعلى دور وهيئات الإفتاء أن تكون نموذجًا للانضباط والشفافية والتنظيم، وتبتعد عن الارتجالية والعشوائية عند تعاملها مع المستجدات والنوازل ضمانًا لصياغة فتاوى تتَّسِم بالتجرّد والموضوعية والإنصاف…”. وأما المهنية، فإنه يراد بها: الْتزام دور وهيئات الإفتاء في العالم ما يُعرف اليوم بالاحترافية بالْتزام معايير التميّز والجودة على كافة المستويات، بدءًا بمظاهر مؤسساتها وأجهزتها، ومرورًا بأسلوب تعامل مؤسساتها، مع ما يطرح عليها من تساؤلات وفقًا لمنهج الوسطية وقيَم الاعتدال والتسامح والمرونة، وانتهاءً بطريقة تعاملها مع العالم الخارجي المحيط بها بحيث تلتزم بمبادئ ومرتكزات فقه الأولويات، وفقه الموازنات، وفقه التدرّج والتيسير ورفع الحرج”.
ثم ختم تعليقه على ما قدّمه المتحدثون في الجلسة مؤكدًا على ضرورة متابعة الحوار حول هذا الموضوع من أجل بلْوَرة منهجيةٍ مقاصديّة قادرة على مواجهة ومكافحة ما ينشره أصحاب الفكر المتطرف، والمتنطِّعين من فتاوى شاذّة، وخطيرة، وذلك عبر وسائل التواصل والاتصال، وكما هو معلوم، فإن الفكر لا يقارعه إلا الفكر ، والفكر المتطرف يكافَح بالفكر المعتدل، كما يواجَه التعصب والانغلاق بالتسامح والانفتاح.
هذا، وقد لقيَت مداخلة معاليه استحسانًا كبيرًا من المشاركين والمشاركات.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار