بيان أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي: الحج تعظيم لحرمات الله وهداية إلى الطيب من القول وهداية إلى صراط الحميد

الحمد لله المنعم المتفضل، القائل في محكم التنزيل: (وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[27، سورة الحج]. والصلاة والسلام على من بعثه الله بشيرا ونذيرا نبينا محمد القائل: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، وبعد:

ففي الأشهر الحرم وأشهر الحج هذه الأيام المباركة يشدّ الحجاج رحالهم لزيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ويتوافدون لأداء فريضة الحج وقضاء المناسك في أجواء روحانية ومشاعر إيمانية، طاعة للرحمن ورضا للمنان، في أعظم المناسبات التي تجسد عالياً وحدة المسلمين المجيدة وتعظّم في النفوس معاني التضامن والإخاء، وقد جاءوا من كل فجٍّ عميقٍ متجرِّدين عن متع الدنيا راجين أن يكون ذنبهم مغفوراً وسعيهم مشكوراً وحجهم مبروراً.

وأثناء وجود الحجيج في هذه المشاعر المقدسة والديار المشرفة، وهدايةً إلى الطيب من القول وإلى صراط الحميد، فإن أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي تود تذكير الحجاج الكرام بما ينبغي أن يتحلوا به من آداب، ويمارسوه من سلوك، ويتجنبوه من محاذير وفتن أثناء أدائهم للمناسك:

أولاً: على الحجاج احترام قدسية الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، فمكة المكرمة هي أحب البقاع إلى الله عز وجل، وأعظمها فضلا وشرفاً، قال الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)[96، سورة آل عمران]، وقد ميزها الله بالأمن والأمان، فقال: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً)[125، سورة البقرة]، وقال عز وجل: (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[57، سورة القصص]، وقد طلب منا عز وجل تعظيم حرماته وشعائره، فقال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[32، سورة الحج]. وزيادة في تعظيم شأن الحرم تكفل الله عز وجل بحفظه ومعاقبة كل من يحاول الاعتداء على أمنه وأمن أهله وقاصديه، وقد ضاعف سبحانه فيه الحسنات وحاسب فيه على مجرد إرادة السيئات، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[25، سورة الحج].

ثانياً: على الحاج أن يتجنب رفع الشعارات الحزبية والطائفية والسياسية ولا يشارك في أي تجمعات مشبوهة، ويحذر كل الحذر في هذه الديار المقدسة من ارتكاب أي محظور ينقص من أجره ويوهن حجه؛ ليحظى بنيل الغفران الذي ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه)[متفق عليه]، وعليه أن يستجيب لأمر الله عز وجل: (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)[197، سورة البقرة]. والمراد بالفسوق: الخروج عن حدود الشرع بارتكاب أي فعل محظور. والمراد بالجدال: مثل ما كان يجري في الجاهلية بين القبائل من التنازع والتفاخر والتنابز بالألقاب والتماري والتخاصم، وتدخل فيها كل المناقشات والمحاورات التي تؤدي إلى التلاسن. والغاية من التحذير والنهي عن الفسوق والجدال هي: تعظيم شعائر الله وحرماته والوقوف عند حدوده، والحرص على توفير الجو الآمن في المشاعر المقدسة، ومن توحيد الله عز وجل وتعظيمه وتعظيم شعائره عدم مزج أعمال الحج المشروعة بغيرها، واستغلاله بما ليس منه، فكل هذا عبث، ودفع للحجاج إلى أعمال وأفعال لم ترد في كتاب الله عز وجل، ولا نقلت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولم يفعلها سلف هذه الأمة من الصحابة ولا من التابعين، ولا من بعدهم، وإنما هي بدع منكرة مضلة، تبطن الإساءة إلى أمن الحرم، وأمن الحج والحجاج، وتصرفهم عن أداء المناسك في أمن وطمأنينة، وتعكّر صفو الحجّ وتصرفه عمّا شرع من أجله، وتجعله بعيداً كل البعد عن قدسيته وروحانيته، وتزعج ضيوف الرحمن الذين قطعوا المسافات ليذكروا اسم الله في أيام معلومات، وتشوش عليهم وتصرفهم عن ما جاءوا من أجله إلى هذه الديار المقدسة.

ثالثاً: التعاون على البر والتقوى وتجنّب التعاون على الإثم والعدوان، فيجب على كل حاج وحاجة الالتزام بالأنظمة واللوائح والإرشادات في جميع المجالات: في الطرق والإعلام والصحة وغيرها، المكتوبة منها والمرسومة والمسموعة والمرئية، فهي قد وضعت لتسهيل أمور الحجاج ولمصلحتهم وإعانتهم لأداء نسكهم وتيسير جميع أمورهم، ولحفظ النظام الذي يرعى مصالحهم، والاستماع جيداً إلى التوجيهات التي يتوجه بها القائمون على تنظيم أعمال الحج والطوافة وتنفيذها.

رابعاً: بخصوص ما يظهر بين فينة وأخرى من ادعاءات تنتقد إدارة المملكة للحج، فأمر مرفوض، فقد بذلت المملكة العربية السعودية كل جهد ممكن فقدمت بسخاء كل ما يمكنها لحسن العناية والتنظيم وسلامة الحج، فهذا نقد غير مقبول، لا شرعاً ولا عقلاً ولا عرفاً ولا منطقاً، ولا تقوم عليه أية حجة ولا برهان، وقد صرحت حكومة المملكة العربية السعودية بأنها لم تمنع الحجاج من أية دولة من أداء الحج أو العمرة بتاتاً، وإنما هناك ضوابط موضوعة للكافة والجميع يلتزمون بها على حد سواء، والرعاية الجادة الواعية والواثقة السخية قائمة من المسؤولين بحمد الله تعالى.

وتنتهز أمانة المجمع هذه الفرصة لتتوجه بوافر الشكر وعظيم التقدير إلى حكومة المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أيده الله، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، وفقه الله، وللجنة الحج المركزية برئاسة مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، ولوزارة الحج والعمرة وزيرها معالي الدكتور محمد صالح بنتن ومختلف كوادرها، ولمؤسسات الطوافة والنقل، وكل من يقدّم خدمة لضيوف الرحمن حجاج بيت لله الحرام، كل ذلك يأتي في إطار تسخير المملكة إمكانات ضخمة جداً لخدمة المسجد الحرام وبقية مناسك الحج في عرفات ومزدلفة ومنى، وكذلك المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، وتحسين الخدمات بها خدمة لحجاج بيت الله الحرام، وزوار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتدعو أمانة المجمع المولى عز وجل أن يجزيهم جميعاً خير الجزاء ويبارك في جهودهم، ويوفقهم لكل ما فيه خير لدينهم وبلادهم وللمسلمين جميعاً.

سائلاً المولى عز وجل أن ييسر لجميع الحجاج أداء فريضة الحج في يسر وسهولة، وأن يتقبل منهم وأن يعودوا سالمين غانمين إلى ديارهم وأوطانهم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه وسار على دربهم إلى يوم الدين.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار