في كلمته في الجلسة الافتتاحية لدورة المجمع الفقهي.. دعا معاليه إلى تعاون وثيق بين المَجمَعين

بدعوة كريمة من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، المفتي العام، رئيس هيئة كبار العلماء، الرئيس العام لإدارات البحوث والدعوة والإرشاد، رئيس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، شارك معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، عضو المجمع الفقهي الإسلامي، في اجتماعات الدورة الثالثة والعشرين للمجمع الفقهي خلال الفترة الواقعة 11-13 من شهر شوال لعام 1445هـ الموافق 20-22 من شهر أبريل لعام 2024م بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية.

هذا، وقد ألقى معاليه كلمةً في الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الدورة أعرب فيها عن وافر امتنانه وعظيم ثنائه للمملكة العربية السعودية قيادةً وشعبًا على رعايتها الدائمة لرابطة العالم الإسلامي التي تعدّ أكبر منظمة شعبية في العالم الإسلامي، كما أعرب عن جزيل شكره، وفائق تقديره لمعالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، على جهوده المقدَّرة، وحرصه الأكيد على تعزيز علاقات التعاون والشراكة والتنسيق بين مجمع الفقه الإسلامي الدولي والمجمع الفقهي، مشيدًا بما تشهده الرابطة من إنجازات رائعة ومشهودة تحت قيادته المنيرة، داعيًا اللهَ له وللرابطة التوفيق والسداد. ثم اغتنم معاليه الفرصة للتذكير بمقتطفات معبِّرة ومؤثرة من الخطاب التاريخي الذي ألقاه المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- في المؤتمر التأسيسي للمجمع خلال الفترة الواقعة ما بين 26-28 من شهر شعبان لعام 1403هـ الموافق 7-9 من شهر يوليو لعام 1983م، حيث ورد في ذلك الخطاب ما نصُّه:
“.. أحيِّيكم بتحيّة الإسلام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأرحب بكم أجمل ترحيب في هذا البلد الأمين، مهْد الرسالة، وقِبلة المسلمين، وأسأل الله أن يسدّد خُطاكم، ويجعل التوفيق حليفكم.. إنّ اجتماعكم هذا يُعتبر بدايةً حقيقيّةً لمرحلة تاريخيّة هامّة من تاريخ أمّتنا الإسلامية، مرحلةٍ يتخطّى فيها شرفُ خدمة الشريعة الإسلامية حدودَ الجهود الفردية والإقليمية، ويجتاز الحدودَ السياسيّة في أول تنظيم عالميٍّ يُعبّر عن وحدة الأمّة الإسلامية في هذا المجال. إن روح العمل الجماعي هي الصفة المميزة لنجاح الأمّة الإسلامية وقُدرتها على مواجهة جميع التحدّيات، وإن المؤشرات تدلّ على أن الأمة الإسلامية قد وضعت أقدامها على طريق تصحيح المسار، والعودة إلى رحاب العقيدة في ظلّ تضامُن أبنائها. فلقد كان مؤتمر القمّة الإسلامي الثالث الذي عُقد في رحاب الكعبة المشرَّفة وما تمخَّض عنه من نتائج وقرارات، ومن بينها القرار التاريخي الذي أصدره زعماء العالم الإسلامي بإنشاء مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي نشهد اليوم افتتاح مؤتمره التأسيسي. لقد كان ذلك المؤتمر فرصةً طيبة وانطلاقةً واعية وجادّة لأمّتنا الإسلامية نحو تحقيق ما تصبُو إليه من عِزّ ومَنَعة لتشارك بفعالية وتواصل دورها الطليعي في بناء الحضارة الإنسانية، وتحقيق العدل، وتخليص الإنسان من ظُلْم الإنسان.. إننا نؤمن جميعًا -أيها الأخوة- أن الإسلام دين يخاطب العقل، ويناهض التخلّف في شتّى صوره وأشكاله، ويشجّع حرّيّة الفكر، ويستوعب منجزات العصر، ويحضُّ على متابعتها، كما أن الإسلام وهو يضع قواعد السلوك الإنساني فإنه ينظّم العلاقات الاجتماعية والدولية على أساس من الرحمة، حيث يقول الله -عزّ وجلّ- في مُحكَم التنزيل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وإنني أعتقد أن البداية السليمة لبناء وحدتنا تتمثل في نبْذ الخلافات بين المسلمين، وتصفيتها بروح الأخوة الإسلامية، عملًا بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. وقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}. كما أن البداية الحقيقية لقوّتنا تعتمد على قدرتنا على مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية العالمية بحلولٍ إسلامية مُستلْهَمة من روح الشريعة السمحة، ومتجاوبة مع احتياجات العصر. إننا نلْحظُ أنّ تفرّق المسلمين قد أدّى إلى تورّع العلماء عن مواجهة ما جَدَّ من مشكلات الحياة برأيٍ يجتمع عليه علماء المسلمين. واليوم ترون -أيها الإخوة- كثْرة الأحداث، وكثرة السؤال، وقد تراكمت المشكلات، ورغم وفْرة العلماء والفقهاء المجتهدين في كل زمان ومكان إلا أن الخَطْب جَلَلٌ، والمسئولية أمامَ الله أكبرُ من اجتهاد إنسان فرْدٍ فيما يجِدّ من الحوادث حتى يدعم هذا الاجتهاد قبول العلماء بعد استقْصاء البحث والنظر في الفقه القديم والجديد. وفي هذا الصدد، *فإن الدعوة لإنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي* تشكّل ضرورة حتْميّة في هذه المرحلة من مراحل تطوّر الأمّة الإسلامية حيث تجد فيها الإجابة الإسلامية الأصيلة لكل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد البشرية عامة، والمسلمين خاصة، وذلك يقتضي حشْد جهود فقهاء وعلماء وحكماء ومفكّري العالم الإسلامي للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات هذا العصر من واقع شريعتنا السمحة؛ لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسّك بها والْتزام حكمها {ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون}. وإننا -أيها الأخوة الكرام- لمُطالَبون جميعًا بالعمل على توحيد الأحكام في البلاد الإسلامية في كل شؤون الحياة على مقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، فذلك هو السبيل الأوْحَد لتحقيق الوحدة الإسلامية بين الشعوب المسلمة، وإننا لَنعلم أن المهمة شاقّة، وأن الأمانة ثقيلة؛ ولكنّ الأملَ فيكم كبير.. فسيروا على بركة الله، واحملوا أمانتكم، واستمدّوا العونَ من الله.. *وإنني أحمدُ اللهَ الذي أسعدني بأن أشْهَد اجتماعكم في هذا اليوم الذي تتحقق فيه أُمنيةٌ غالية طالَما تمنّيناها ويتمنّاها كل مسلم صادق الإيمان*.

وفي الختام أتوجّه إلى الله العلي القدير، ومن جوار بيته العتيق، بالدعاء أن يرزق الجميع الفقه في دينه، والعمل بشريعته، وأن يكون مستقبل أمّتنا الإسلامية خيرًا من حاضرها، وأن يُلهمنا سبيلَ الصواب وطريقَ الرشاد، وألا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنه سميع مُجيب.
والله الهادي إلى سواء السبيل..” اهـ.

وواصل معاليه كلمتَه قائلًا: “… لقد شكَّلتْ هذه الكلمات النيِّرات من جلالته -رحمه الله- منطلَقًا فكريًّا، ونِبراسًا عمليًّا لمَجمعكم المبارك، مجمع الفقه الإسلامي الدولي، إذْ إنه مُنذئذٍ لا يزال يواصل الليل بالنهار في العمل الدؤوب من أجل بيان الأحكام الشرعية في المستجدات والنوازل التي تهمّ المسلمين في جميع أنحاء المعمورة، ويعمل جاهدًا على التنسيق والتعاون مع مختلف الهيئات والمجامع والمجالس في العالم الإسلامي. وإننا في المجمع لَنؤمن إيمانًا خالصًا بأن المَجمَعين يتكاملان ويتسانَدان ويتآزَران، وأنه ليس بالإمكان أن يتصدّى مجمعٌ بمفرده للإجابة على النوازل والمستجدات المعاصرة لكثرتها ووفْرتها وتلاحُقها مما يوجب تعاون المجامع وتكاملها، ولذلك، فإنَّ الأمل معقود أن تشهد الأيام القادمات تعاونًا وثيقًا وتنسيقًا جليلًا بين المجمعين، سواءً على مستوى تنظيم المؤتمرات والندوات المشتركة، أم على مستوى دراسة النوازل والمستجدات التي تهمّ المسلمين في جميع أرجاء المعمورة، تفعيلًا لتلك الاتفاقية التاريخية التي وقّعها المَجمعان خلال شهر رمضان المبارك المنصرم من جوار بيت الله الحرام بمكة المكرمة…”

وهذا، وختم معاليه كلمته بتجديد الشكر والامتنان والعرفان والثناء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود رئيس مجلس الوزراء على ما يحظى به المجمع من دعم ورعاية منذ تأسيسه إلى يومنا.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

ترحيب وإشادة من مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي بـبيان هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بشأن عدم الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح

2 مايو، 2024|
اذهب إلى الأعلى