معالي الأمين العام يلقي خطبة عيد الأضحى بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا

ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع يوم الأحد 10 من شهر ذي الحجة لعام 1445هـ الموافق 16 من شهر يونيو لعام 2024م خُطبة عيد الأضحى المبارك بجامع السلطان أحمد شاه، بالجامعة الإسلامية العالمية، بالعاصمة الماليزية كوالالمبور.

هذا، وقد تناول معاليه في خطبته عن واقع الأمّة الإسلاميّة، والظروف العصيبة التي تمرّ بها الأمّة، قائلاً: “إنَّ واقع الأمَّة الإسلاميَّة اليوم واقعٌ استثنائيٌّ يَنْدَى له الجَبين، ويُدْمِي القلب، ويُفقِد الوَعي، فقد تكالَب عليها الأعداء، وانقلب ضدّها الأصدقاء، وتنَكَّر لها الرفقاء.. وَهنٌ لا مثيل له، وضعفٌ لا نظير له، وانهزامٌ لا شبيهَ له، بل أدواؤها مُتفاقِمة، وأزماتها متصاعدة، وتحدّياتها متواصلة”، مبيّنًا أن الدواء هو بعودة الأمّة إلى البلاغ النبويّ العظيم الذي تضمّن وصفًا لأدوية ناجعة لصنوف الأدواء والأزمات، مستشهدًا بالحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (مَثَلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ مَثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)، وفي رواية للإمام البخاري: (تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى).

وأضاف قائلاً: “إنَّ هذا البلاغَ النبويَّ الكريمَ الجامعَ المانعَ خبرٌ في لفْظه، ولكنَّه أمرٌ في معناه، ومقتضاه: أيُّها المؤمنون.. توادُّوا، وتراحموا، وتعاطفوا، وكونوا كالجسد الواحد الذي إذا أصيب عضو من أعضائه بِداءٍ أو أزمة انتفضَت بقية أعضاء الجسد لنجْدَته، والدفاع عنه، وإن المقصود بالجسد في هذا التصوير الفني الرائع هو الأمّة، والمقصود بأعضاء الجسد أبناء الأمَّة، وشعوبها، ودولها، وأما المقصود بالأدواء، فهي الأمراض، والأزمات، والكوارث، والاضطرابات، والمِحَن، والفتَن، والبلايا، والرّزايا التي تُصيب الأمّة، والمقصود بالحمّى والسهر تلك الآثار الوخيمة الناتجة من الإصابة بالأدواء والأمراض متمثلة في الهامشية، والتخلّف، والتأخر؛ وأما الأدوية القادرة على استئصال الأمراض، ومجابهة الأزمات، فهي التَّوَادُّ، والتراحم، والتعاطف”.

كما تحدث معاليه إلى ضرورة الْتزام الأمّة بهذه الأدوية الناجعة الناصعة التي مكَّنتها ذات يومٍ من إقامة حضارةٍ إنسانيّة دانتْ لها أممٌ وشعوب قرونًا عديدة، وأن ابتعاد الأمة عنها جعل منها أمة ضعيفة تائهة قد انهارت حضارتها، وغربتْ شمسُها، وأمْستْ أمةً مقهورة لا حُرمة لدمها ولا لعرضها ولا لمالها ولا لأرضها، مؤكدًا بأن كل هذه الظروف العصيبة، والأمراض المُفظِعة، والأزمات المتكاثرة، سيأتي بعده فجر مشرقٌ للأمّة لا محالة، مستدلًّا بقوله تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا))، وقوله تعالى: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)).

ثمّ تطرق معاليه إلى مكوّنات ومحتويات كل واحد من الأدوية الثلاثة، وما يحقّقه من علاج وشفاء، وهي:

الدواء الأول: التَّوَادُّ، وهو: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحقِّق السلامَ، والوِئامَ والانسجامَ والأمانَ والطمأنينةَ بين أبناء الأمة، ويحقِّق التعاون والتكامل بين شعوبها، ويعزِّز التسانُد والتقارُب بين دُوَلها، ويتجلَّى تأثيره في ابتعاد أبناء الأمة وشعوبها ودولها عن أدواء التباغُض، والتحاسُد، والتدابُر.

وأما الدواء الثاني، فإنَّه التراحُم، وهو: اسمٌ جامع -أيضًا- لكل ما يُشِيعُ الرحمةَ، والرفقَ، وينشر الإحسانَ، والبِرَّ، والإيثار، والمعروفَ بين أبناء الأمَّة، ويرسِّخ التضامُن، والتناصر، والتكافل، والتآزر بين شعوبها، ويعزِّر التواصل، والتنسيق بين دولها، ويتجلى تأثيره في ابتعادنا أفرادًا، وشعوبًا، ودولًا عن جميع أشكال القسوة، والجَوْر، والظلم، والجَشَع، والطمَع، والأنانيّة، والفظاظة.

وأما الدواء الثالث، فإنَّه التعاطُف، وهو الآخَر: اسمٌ جامع لإغاثة الملهوفين، وإعانة المحتاجين، وتفريج كرب المكروبين، ونصرة المظلومين من أبناء الأمَّة، وتضامُن شعوبها بتقاسُم الأفراح والأتْراح، واهتمام دولها بأحوال بعضهم بعضًا، والدفاع عن قضاياهم العادلة، والوقوف معهم ضد الظلم والاضطهاد والعدوان. ويتجلّى أثر هذا الدواء في ابتعاد أفراد الأمة عن التخاذل، والتغافل، واللّامُبالاة بما ينزل بشعوبها ودولها من مِحَن، وفِتَن، وقَلاقِل، واضطرابات، وابتعاد شعوبها ودولها عن التعاون مع المحتلين والغاصبين والمعتدين.

وفي ختام خُطبته دعا الأمةَ إلى الاستشفاء بهذه الأدوية في الأفكار، والسلوك، والتصرفات، والتعامل مع إخوة العقيدة والمِلّة، والبُعد عن التدابر، والتباغض، والغيبة، والتعصب لعِرقٍ أو قبيلة، كما دعا إلى تعزيز التعاون، والتكامل، والتضامن، والتساند، والتآزر ، ووضْع حدّ نهائي للتقاتُل الطائفي، والتناحُر العِرقي، والِاحتراب الأهلي، فقال: “دعُونا نعود بعد هذه الخُطبة إلى بيوتنا وشعوبنا ودُوَلنا متعاهدين بأنَّنا سنسْتَشفي بهذه الأدوية في أفكارنا، وسلوكنا، وتصرفاتنا، وتعاملنا مع إخوة العقيدة والمِلّة، فلن نحسد بعد اليوم، ولن نتدابر، ولن نتباغض، ولن نهجر، ولن نغتاب، ولن نتعصب لعِرق أو قبيلة، ولن نجشع ولن نُنافق.. سنُحبّ لأخوتنا ما نحبّ لأنفسنا من أمن وأمان واستقرار وازدهار.. ولْتتعاهد شعوبنا ودولنا بالاستشفاء بهذه الأدوية بتعزيزها التعاون، والتكامل، والتضامن، والتساند، والتآزر بينها، وبوضعها حدًّا نهائيًّا للتقاتل الطائفي، والتناحر العِرقي، والاحتراب الأهليِّ الجهَنّميِّ، وبـتَبَرُّئها التامّ من جميع أشكال التخاذل والاستسلام لصنوف الظلم والعدوان والتجويع والتدمير التي تمارَس جهارًا نهارًا ضد بعض شعوبها ودولها.. وبخاصة ما يتعرض له اليوم أطفالنا وأمهاتنا وآباؤنا وأخواتنا وإخواننا في كثير من أقطار العالم، وبخاصَّة في فلسطين المحتلة عمومًا، وغزَّة الأبِيَّة، والضِّفَّةَ، والقدس خصوصًا، من إبادة شاملة، وظلم غاشم، وعدوان سافر على مرأى ومسمع الأمّة والعالم الحُر، وذلك على أيدي حِفنة من الصهاينة المحتلين الغاصبين المتطرّفين.. ما أشدَّ منظرَ تلك الدماء الزكية التي تُسفَك كل يوم، والأعراض التي تُهتَك كل ساعة، والأموال التي تُباد ظلمًا وعدوانًا كل دقيقة!!

(اللَّهمَّ إليكَ نشكو ضَعفَ قوَّتهم، وقلَّةَ حيلَتهم، وَهَوانهم علَى النَّاسِ.. أنتَ أرحمُ الرَّاحمينَ، أنتَ ربُّ المستضعفينَ، وأنتَ ربّنا، إلى مَن تَكِلُهم؟ إلى بعيدٍ يتجَهَّمُهم أَمْ إلى عدُوٍّ ملَّكتَهُم أمرهم؟ إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليهم فلا نبالي ، غيرَ أنَّ عافيتَك هيَ أوسَعُ لهم).

 

اقرأ ايضا

آخر الأخبار