معالي الأمين العام يلقي الكلمة الرئيسة عن “أهمية المصالح” في المنتدى الدولي للشريعة بجاكرتا

بدعوة كريمة من وزارة الشؤون الدينية بجمهورية إندونيسيا، شارك معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، في المنتدى الدولي للشريعة، الذي نظّمته الوزارة خلال يومي 20-21 من شهر نوفمبر لعام 2024م بالعاصمة جاكرتا بجمهورية إندونيسيا.

هذا، وقد ألقى معاليه الكلمة الرئيسة للمنتدى عن المصالح العامة في الشريعة الإسلامية، التي استهَلَّها بتهنئة معالي الأستاذ الدكتور نصر الدين عمر على تعيينه وزيرًا للشؤون الدينية، مشيدًا بالمستوى العلمي والفكري الراقي والمتميز لمعاليه، حيث كان معاليه من قبلُ الإمام الراتب الأول لمسجد الاستقلال، وله جهوده العلمية والأكاديمية المعروفة، كما أعرب معاليه عن جزيل شكر رئيس المجمع معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، وأعضاء وخبراء المجمع لجمهورية إندونيسيا حكومةً وشعبًا على ما تقدّمه من رعاية ودعم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، معتزًّا بالشراكة الإستراتيجية بين المجمع ووزارة الشؤون الدينية، وتعدّ مشاركة المجمع في هذا المنتدى تأكيدًا وتعزيزًا لتلك الشراكة المتينة.

ثم أثنى معاليه على اللجنة التنظيمية على حُسن اختيارها عنوان المنتدى الدولي، حيث إن (دليل المصالح) يعدّ من أهم أدلّة التشريع الذي يحتاج علماء الأمّة ومفكّروها إلى توظيفه للتعامل مع نوازل ومستجدات العصر بحكمة وكفاءة، وذلك لِما يتوافر عليه هذا الدليل من مرونة وسعة تُبرز وتؤكد صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان. وأشار في هذه المناسبة إلى أهمية مراعاة المصالح سواء عند النظر في النوازل والمستجدات أم عند الترجيح بين الآراء والاجتهادات الفقهية المنسوجة حول مختلف المسائل والقضايا، مؤكدًا على أن بناء الشريعة على رعاية مصالح العباد في المَعاش والمَعاد، كما أكد ذلك الإمام ابن قيّم الجوزية في كتابه القيّم أعلام الموقِّعين عن رب العالمين بقوله: “فَإِن الشريعة مَبْناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد، فِي المَعاش والمَعاد، وهي عدلٌ كلّها، ورحمةٌ كلّها، ومصالحُ كلّها، وَحِكْمة كلّها، فَكلّ مَسْألة خرجَت عَن العَدْل إِلَى الجَوْر، وَعَن الرَّحْمَة إِلَى ضدّها، وَعَن الْمصلحَة إِلَى الْمفْسدَة، وَعَن الْحِكْمَة إِلَى الْعَبَث فليستْ من الشَّرِيعَة، وإنْ أُدخلَتْ فِيهَا بالتأويل”. وأوضح في هذه الأثناء بأن الصحابة -رضوان الله عليهم- وبخاصة الخلفاء الراشدين كانوا يوظفون دليل المصالح لتوجيه النوازل والمستجدات التي كانت تنزل بساحتهم، وذكر أمثلة لذلك، كجَمْع القرآن العظيم في مصحف واحد، وتدوين الحديث النبوي الشريف، وإضافة أذان ثانٍ على أذانِ يوم الجمعة، وغير ذلك من المسائل التي قرّروها بناءً على مراعاة المصلحة. كما أوضح أيضًا بأن المصلحة تعني جَلْب كل ما فيه منفعة، ودَرء كل ما فيه مَفسدة، وتنقسم هذه المصلحة باعتبار مصدرها إلى مصالح معتبَرة، ومصالح مُلغاة، ومصالح مُرسَلة، وتعدّ المصالح المعتبَرة المنافع التي يجب جَلْبها وتكفّلت نصوص الكتاب والسنة ببيانها والتنصيص عليها، وتشمل الأوامر، والفرائض الشرعية من أركان الإسلام، وأركان الإيمان والإحسان، وفضائل الأخلاق، وسواها. والمصالح المُلغاة وهي المفاسد التي يجب درؤها بالابتعاد عنها، وتكفّلت نصوص الكتاب والسنة ببيانها والتنصيص عليها، وتشمل جميع النواهي والمحرمات التي وردت نصوص من الكتاب والسنة في إلغائها وعدم الاعتداد بها. وأما المصالح المرسَلة، فإنها المنافع والمفاسد الواقعة بين نوعي المصالح المشار إليهما من قبل، وهذه المصالح التي لمْ يرِد نصٌّ من الكتاب والسنة بوجوب جَلْبها، أو وجوب دَرئها، مما يجعلها محلّ اجتهاد وتجديد مستمرَّين في كل العصور والدهور، ويصدُق هذا النوع من المصالح على النوازل والمستجدات التي تطرأ بين الفَيْنة والأخرى على حياة الناس في كل عصر ومِصر، ويجب على أهل العلم والاختصاص بيان حكم الشرع فيها بعد الموازنة بين المنافع والمفاسد المترتبة على اعتبارها أو إلغائها. وأشار معاليه بهذا الصدد إلى ضرورة اللجوء بالاجتهاد الجماعي عند النظر في هذه النوازل والمستجدات، وذلك اعتبارًا بكونه الاجتهاد الأكثر أمنًا وأمانًا لتوافره على آراء عدد معتبَر من أهل الاجتهاد، وذلك خلافًا للاجتهاد الفردي الذي لا يؤمَن عليه في الإلمام بكافة الجوانب المحيطة بهذه النوازل والمستجدات.

وختم معاليه حديثَه بالتعبير عن سعادته الغامرة لاهتمام وزارة الشؤون الدينية بجمهورية إندونيسيا بدراسة النوازل والمستجدات، وتسديد تديّن الناس، وترشيدهم، وتعزيزهم منهج الوسطيَّة والاعتدال والتسامح.
هذا، وقد ختم معاليه كلمته بالتأكيد على أن المجمع ماضٍ -بفضل الله وتوفيقه- في دراسة النوازل والمستجدات من خلال ندواته ومؤتمراته ودوراته، مشيدًا بموافقة دولة قطر على استضافة الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر مجلس المجمع التي ستعقد -بإذن الله- في مدينة الدوحة خلال شهر مايو القادم 2025م لدراسة العديد من النوازل والمستجدات في العبادات، والأسرة، والمعاملات المالية، وسواها.
وفي ختام حفل الافتتاح قدّم معالي الوزير درعًا تذكاريًّا لمعالي الأمين العام الذي قدَّم له بدَوره نسخةً فاخرة لكتاب قرارات وتوصيات المجمع.
هذا، وقد شارك في المنتدى وفود من المملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المغربية، وتونس، وفلسطين، وماليزيا، وبروناي.

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى