بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 123 (13/5)
بشأن القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية
(حسابات الاستثمار)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت من 7-12 شوال 1422هـ، الموافق 22-27 كانون الأول (ديسمبر) 2001م،
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية (حسابات الاستثمار) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه،
قرر ما يلي:
أولًا: تعريف المضاربة المشتركة:
المضاربة المشتركة هي المضاربة التي يعهد فيها مستثمرون عديدون -معًا أو بالتعاقب- إلى شخص طبيعي أو معنوي، باستثمار أموالهم. ويطلق له غالبًا الاستثمار بما يراه محققًا للمصلحة، وقد يقيد بنوع خاص من الاستثمار، مع الإذن له صراحة أو ضمنًا بخلط أموالهم بعضها ببعض، أو بماله، وموافقته أحيانًا على سحب أموالهم كليًّا أو جزئيًّا عند الحاجة بشروط معينة.
ثانيًا: مشروعية المضاربة المشتركة:
هذه المضاربة المشتركة مبنية على ما قرره الفقهاء من جواز تعدد أرباب الأموال، وجواز اشتراك المضارب معهم في رأس المال، وإنها لا تخرج عن صور المضاربة المشروعة في حال الالتزام فيها بالضوابط الشرعية المقررة للمضاربة، مع مراعاة ما تتطلبه طبيعة الاشتراك فيها بما لا يخرجها عن المقتضى الشرعي.
ثالثًا: أطراف المضاربة:
المستثمرون بمجموعهم هم أرباب المال، والعلاقة بينهم ـ بما فيهم المضارب إذا خلط ماله بمالهم ـ هي المشاركة. والمتعهد باستثمار أموالهم هو المضارب، سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا مثل المصارف والمؤسسات المالية. والعلاقة بينه وبينهم هي المضاربة (القراض)، لأنه هو المنوط به اتخاذ قرارات الاستثمار والإدارة والتنظيم. وإذا عهد المضارب إلى طرف ثالث بالاستثمار فإنها مضاربة ثانية بين المضارب الأول وبين مَن عُهد إليه بالاستثمار، وليست وساطة بينه وبين أرباب الأموال (أصحاب الحسابات الاستثمارية).
رابعًا: خلط الأموال في المضاربة المشتركة:
لا مانع من خلط أموال أرباب المال بعضها ببعض أو بمال المضارب، لأن ذلك يتم برضاهم صراحة أو ضمنًا، كما أنه في حالة قيام الشخص المعنوي بالمضاربة وتنظيم الاستثمار لا يخشى الإضرار ببعضهم لتعين نسبة كل واحد في رأس المال، وهذا الخلط يزيد الطاقة المالية للتوسع في النشاط وزيادة الأرباح.
خامسًا: لزوم المضاربة إلى مدة معينة:
الأصل أن المضاربة عقد غير لازم ويحق لأي من الطرفين فسخه. وهنالك حالتان لا يثبت فيهما حق الفسخ، وهما (1) إذا شرع المضارب في العمل حيث تصبح المضاربة لازمة إلى حين التنضيض الحقيقي أو الحكمي، (2) إذا تعهد رب المال أو المضارب بعدم الفسخ خلال مدة معينة فينبغي الوفاء، لما في الإخلال من عرقلة مسيرة الاستثمار خلال تلك المدة.
سادسًا: توقيت المضاربة:
لا مانع شرعًا من توقيت المضاربة باتفاق الطرفين، بحيث تنتهي بانتهاء مدتها دون اللجوء إلى طلب الفسخ من أحدهما، ويقتصر أثر التوقيت على المنع من الدخول في عمليات جديدة بعد الوقت المحدد ولا يحول ذلك دون تصفية العمليات القائمة.
سابعًا: توزيع الربح بطريقة (النمر) في المضاربة المشتركة:
لا مانع شرعًا حين توزيع الأرباح من استخدام طريقة النمر القائمة على مراعاة مبلغ كل مستثمر ومدة بقائه في الاستثمار، لأن أموال المستثمرين ساهمت كلها في تحقيق العائد حسب مقدارها ومدة بقائها فاستحقاقها حصة متناسبة مع المبلغ والزمن هو أعدل الطرق لإيصال مستحقاتهم إليهم، وإن دخول المستثمرين في المضاربة المشتركة بحسب طبيعتها موافقة ضمنًا على المبارأة عما يتعذر الوصول إليه، كما أن من طبيعة المشاركة استفادة الشريك من ربح مال شريكه، وليس في هذه الطريقة ما يقطع المشاركة في الربح، وهي مشمولة بالرضا بالنسب الشائعة الناتجة عنها.
ثامنًا: تأليف لجنة متطوعة لحماية حقوق أرباب المال (لجنة المشاركين):
حيث إن للمستثمرين (أرباب الأموال) حقوقًا على المضارب تتمثل في شروط الاستثمار المعلنة منه والموافق عليها منهم بالدخول في المضاربة المشتركة، فإنه لا مانع شرعًا من تأليف لجنة متطوعة تختار منهم لحماية تلك الحقوق، ومراقبة تنفيذ شروط المضاربة المتفق عليها دون أن تتدخل في قراراته الاستثمارية إلا عن طريق المشورة غير الملزمة للمضارب.
تاسعًا: أمين الاستثمار:
المراد بأمين الاستثمار أي مصرف أو مؤسسة مالية ذات درجة عالية في التصنيف وخبرة وملاءة مالية يعهد إليه تسلم الأموال والمستندات الممثلة للموجودات ليكون مؤتمنًا عليها، ولمنع المضارب من التصرف فيها بما يخالف شروط المضاربة. ولا مانع من ذلك شرعًا بشرط أن يكون ذلك مصرحًا به في النظام (المؤسسة والمضاربة) ليكون المساهمون على بينة، وبشرط أن لا يتدخل أمين الاستثمار في القرارات ولكن يقتصر عمله على الحفظ والتثبت من مراعاة قيود الاستثمار الشرعية والفنية.
عاشرًا: وضع معدل لربح المضاربة وحوافز للمضارب:
لا مانع شرعًا من وضع معدل متوقع للربح والنص على أنه إذا زاد الربح المتحقق عن تلك النسبة يستحق المضارب جزءًا من تلك الزيادة. وهذا بعد أن يتم تحديد نسبة ربح كل من الطرفين مهما كان مقدار الربح.
حادي عشر: تحديد المضارب في حال إدارة المضاربة من قبل الشخص المعنوي (المصرف أو المؤسسة المالية):
في حال إدارة المضاربة من قبل شخص معنوي، كالمصارف والمؤسسات المالية، فإن المضارب هو الشخص المعنوي، بصرف النظر عن أي تغيرات في الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية، ولا أثر على علاقة أرباب المال بالمضارب إذا حصل تغير في أي منها ما دام متفقا مع النظام المعلن والمقبول بالدخول في المضاربة المشتركة، كما لا تتأثر المضاربة بالاندماج بين الشخص المعنوي المدير لها مع شخص معنوي آخر. وإذا استقل أحد فروع الشخص المعنوي وصارت له شخصية معنوية مغايرة فإنه يحق لأرباب المال الخروج من المضاربة ولو لم تنته مدتها.
وبما أن الشخص المعنوي يدير المضاربة من خلال موظفيه وعماله فإنه يتحمل نفقاتهم، كما يتحمل جميع النفقات غير المباشرة لأنها تُغطى بجزء من حصته من الربح. ولا تتحمل المضاربة إلا النفقات المباشرة التي تخصها، وكذلك نفقات ما لا يجب على المضارب عمله، مثل مَن يستعين بهم من خارج جهازه الوظيفي.
ثاني عشر: الضمان في المضاربة، وحكم ضمان المضارب:
المضارب أمين ولا يضمن ما يقع من خسارة أو تلف إلا بالتعدي أو التقصير بما يشمل مخالفة الشروط الشرعية أو قيود الاستثمار المحددة التي تم الدخول على أساسها. ويستوي في هذا الحكم المضاربة الفردية والمشتركة. ولا يتغير بدعوى قياسها على الإجارة المشتركة، أو بالاشتراط والالتزام. ولا مانع من ضمان الطرف الثالث طبقًا لما ورد في قرار المجمع رقم 30 (4/5) فقرة 9.
والله أعلم؛؛
اقرأ ايضا
آخر الأخبار