قرار بشأن إعلان التعايش الكريم في ظل الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 229 (23/13)
بشأن إعلان التعايش الكريم في ظل الإسلام

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، المنعقد في دورته الثالثة والعشرين بالمدينة المنورة، خلال الفترة من: 19-23 صفر 1440هـ، الموافق: 28 أكتوبر- ا نوفمبر 2018م.

ونظرًا لما تمر به الأمة من مشكلات من الداخل، وما تواجه من تحديات من الخارج، أصدر مجلس المجمع إعلانًا بعنوان:

(التعايش الكريم في ظل الإسلام)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

دين الإسلام هو الدين الخاتم، وشريعته خاتمة الشرائع السماوية، دعوة إلى توحيد الله D، غايتها وهدفها الأساس كما هي غاية الرسالات السماوية، خير البشرية وسعادتها في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[1]، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ)[2].

وإيمانًا منا نحن أعضاء مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، المنعقد في دورته الثالثة والعشرين بالمدينة المنورة، خلال الفترة من: 19-23 صفر 1440هـ، الموافق: 28 أكتوبر – 1نوفمبر 2018م، بأهمية المبادئ والقيم التي جاء بها الإسلام، هذه جملة منها في هذا الإعلان، ما أحوج البشرية لها، وما أشد حاجات المجتمعات الإنسانية إليها، اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة (يثرب)، وكتب بين أهلها وفئاتها المتعددة كتابًا ينظم العلاقات فيما بينها، وذكر صلى الله عليه وسلم فيه جملة من المبادئ الإسلامية الكبرى، وفيما يلي استعراض لأهم هذه المبادئ:

  1. إن دعوة الإسلام دعوة عامة، ورسوله صلى الله عليه وسلم، مرسل إلى الناس كافة، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[3]، ولعمومية الرسالة الإسلامية، كانت الدعوة إلى الإسلام من الواجبات، وكان طريق إبلاغها الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، بعيدا عن الغلظة والجفاء، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[4].
  2. والإنسان في النظر الإسلامي، هو المستخلف في أرض الله، كرمه الله E روحًا وجسدًا، لا يجوز إيذاؤه أو احتقاره أو إهانته، حيًّا أو ميتًا، قالتعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً﴾[5]، وقال صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حيًّا)[6]، وكل المخلوقات مسخرة لخدمة الإنسان بتسخير الله تعالى، قال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾[7]، وقال سبحانه: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[8]، وقد اهتم الإسلام بالإنسان جسدًا وعقلًا وروحًا، حتى يتمكن من تحقيق واجبات الاستخلاف على هذه الأرض.
  3. وقد كلف الله تعالى الإنسان باتباع شرائعه التي حملها الأنبياء والرسل، وبحسب موقفه منها يتقرر مصيره في الحياة الدنيا واليوم الآخر، قال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (*) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾[9].
  4. ومن هنا اهتم العلماء بتقسيم أحكام الشريعة لبيان شمولها وتغطيتها لكل أحوال الإنسان وعلاقاته المختلفة إلى ثلاثة أقسام: الأول: اعتقادي، والثاني: أخلاقي، والثالث: عملي، ويتضمن العبادات والمعاملات.
  5. ولا فرق في الإسلام بين بني الإنسان بسبب اللون، أو الجنس، أواللسان، فهم جميعا من أصل واحد، أب واحد وأم واحدة، (آدم وحواء)، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[10]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ عز وجل يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[11] فَلَيْسَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ فَضْلٌ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ فَضْلٌ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضٍ وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى»[12].
  6. كما أنه لا فرق بين الذكر والأنثى في الكرامة الإنسانية وأصل التكاليف الشرعية، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[13]، وقال صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال)[14]، والخطاب بأيها الناس، وأيها المؤمنون، تشمل الذكر والأنثى.
  7. إن من أركان إيمان المسلم إيمانه بسائر الأنبياء والرسل، وبالكتب المنزلة عليهم، واحترامهم وتعظيمهم، وإيمانه بأنهم جميعا مرسلون من عند الله للدعوة إلى توحيده سبحانه وعبادته، وأنه لا يجوز للمسلم التفرقة بين أحد من أنبياء الله ورسله، قال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾[15]، وقد دعا الإسلام إلى حوار أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾[16].
  8. إن الدخول في الإسلام يتم بحرية تامة، دون إكراه مادي أو معنوي أواستغلال لحاجات من توجه إليهم الدعوة، قال تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[17]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[18].
  9. إن نفس الإنسان في الإسلام مصونة معصومة، وإن قتل نفس واحدة في الإسلام كقتل الناس جميعا، وإحياء نفس كإحياء الناس جميعا وهو ما كان عليه الأمر في الديانات الإلهية جميعها، قال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾[19].
  10. وقد حرم الإسلام البغي وندد به أيما تنديد، كما حرم العدوان على الآخرين واعتبره من الإفساد في الأرض وهو من أعظم الجرائم في الإسلام، قال تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾[20]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[21]، ولعظم جرم الإفساد، كان العقاب عليه متناسبًا معه، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[22]، وقد تجلى ذلك في حدي الحرابة والبغي.
  11. والأسرة في الإسلام هي أساس بناء المجتمع لا يجوز الاعتداء عليها أوالإساءة إليها، تقوم بالزواج المبني على السكن والمودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[23].
  12. والسلام هو شعار بارز من شعارات الإسلام، وهو أساس العلاقة مع الآخرين، وإن البر مع الآخرين المسالمين من خصائصه، قال تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (*) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[24]، وقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[25]، لذا جاء التشريع الإسلامي للجهاد وسيلة لرد العدوان والدفاع عن البلاد ولإزالة كل الحواجز التي تقف في وجه الناس والإيمان بالله تعالي ودينه الخاتم،وكذلك لنصرة المظلومين الذين يمنعون من الإيمان بالله تعالي قال سبحانه ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾[26]، وإزالة الحواجز حتي لا تكون فتنة ويكون الدين لله، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[27]، فالجهاد في الإسلام لا يكون إلا لرد العدوان وإزالة الحواجز التي تعيق الناس عن الدخول في دين الله وحماية المستضعفين في الأرض.
  13. وإن الاعتداء على الغير، نفسا ومالا وعرضا، لا يباح بغير حق، وإن رد الاعتداء للدفاع عن الدين والنفس والعرض والمال، لا يكون إلا بالمثل، قال تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ﴾[28]، وقال تعالى: ﴿إِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ۖ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾[29].
  14. وإن الجنوح إلى السلام العادل الذي يحفظ الحقوق مع الأعداء مطلب مهم في الإسلام: قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[30]، وإن الغدر والخيانة من المحرمات فيه، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾[31].
  15. ومن الأمور الواضحة في هذا الدين العظيم تنديده بكل صور ما يسمى بالإرهاب في هذه الأيام، من قتل للأبرياء واعتداء على الأسر، واستباحة للقرى والمدن، والأموال والأعراض بصور بشعة يندى لها جبين الإنسانية، وكذلك الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك، وكذا التفجيرات التي تحدث داخل المساجد، وإذا كان الإسلام ضد كل هذه الجرائم والأعمال، فوصفه بها من الظلم والعدوان، ومن هنا يجب القيام بحملة إعلامية واسعة تبين حقائق هذا الدين وريادته الكبرى التي فيها خير الإنسانية في الدنيا والآخرة، ويجب أن ينعكس ذلك على مناهج التربية والتعليم.
  16. والرحمة والحلم والعفو والصفح والتسامح والرفق والصدق، من صفات رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، والمسلمون مطالبون بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم، وبالتخلق بما كان عليه من كريم الصفات في تعاملهم، سواء فيما بينهم أو مع الآخرين، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[32]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ﴾[33]، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾[34].
  17. التوسط والاعتدال والتوازن، هو المسلك الواجب على المسلمين في كل أمورهم، وإن التطرف والغلو جريمة محرمة، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾[35]، (ومَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْه)[36]، وتتجلى هذه القيم (التوسط والاعتدال والتوازن)، في عدد من المظاهر التي ينادي بها شرع الله، فغايته ظاهرة في جمعه بين المادة والروح، قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾[37] وبين المصلحة العامة والخاصة، وبين الجزاء الدنيوي والأخروي، فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ L، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا)[38].
  18. والتعاون بين بني الإنسان هو الصلة العملية للعلاقة بين أتباعه والآخرين، والتعاون هدفه خير البشرية، وإن اختلاف الدين واللون والجنس، لا يمنع من الدعوة إلى التعاون، ولا يضعف من شأنها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[39].
  19. وإن لغير المسلمين في بلاد المسلمين الحقوق التي للمسلمين، ولهم حرية البقاء على أديانهم وعقائدهم، وأداء شعائرهم، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[40]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[41]، والعهد النبوي أو وثيقة المدينة المنورة، الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمجتمع المدينة المنورة، أساسًا لتنظيم العلاقات بين مكونات المدينة بعد الهجرة إليها وإقامة مجتمع الإسلام ودولته فيها، هو تأكيد لهذا المبدأ السامي، وغيره من المبادئ التي جاء بها الإسلام، ومن هنا تأتي أهمية الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن لبناء اجتماعي سليم، وقد تكرر في التطبيق العملي في الفتوحات الإسلامية الأولى، القول: (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)، وأن الجزية كانت مقابل الحماية، فقد رد أبو عبيدة عامر بن الجراح الجزية التي أخذها من أهل حمص بعد فتحها إلى حين يتمكن من حمايتهم، كما انسحب جيش المسلمين من سمرقند بعد أن دخلوها بحكم القضاء، لما تبين أنه لم يعرض عليهم الإسلام ويخيرهم ويمهلهم، تطبيقًا لقواعد الجهاد في الإسلام، ومن هنا اهتم الإسلام بحقوق الأقليات غير الإسلامية في المجتمع المسلم، ودعا إلي تركهم وما يؤمنون وحرم الاعتداء على كنائسهم وأماكن عبادتهم وإعطائهم حرية الاعتقاد والبقاء على أديانهم، كما اهتم بمواطنة الأقليات المسلمة في بلاد الغير إسلامية شريطة المحافظة على هويتهم الخاصة.
  20. والإدارة الإسلامية في المدينة المنورة مثال على ذلك، ويتجلى ذلك في الكتاب الذي كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم عند مقدمه إلى المدينة، والذي أعطى لليهود فيه الأمان على دينهم وأموالهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (وأن لليهود دينهم)[42].
  21. وهو دعوة إلى العدل، واحترام حقوق الآخرين، دونما نظر لدين أوجنس أو لون أو لسان، فالظلم محرم حتى مع الأعداء، قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾[43]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[44]، وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا)[45].
  22. وإن الاعتصام بالله والوحدة والتعاون بين المسلمين، هي حصن المسلمين الحصين، وهي مصدر سعادتهم وإسعادهم في الدنيا والآخرة، وإن البعد عن الله وفرقتهم، هي طريق بلائهم، وسبب شقائهم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾[46]، وقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[47]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[48]، إن التعاون والتضامن فيما بين المسلمين، علميا واقتصاديا وعسكريا، هو ضمانة قوتهم، ووسيلة إغنائهم ورخاء شعوبهم، ومصدر استقراراهم وازدهارهم وأمان بلادهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[49]، وقد اهتم الإسلام بحقوق الجار، مهما كان معتقده، فحث على إكرامه ودعا إلى ذلك قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾[50]، وقال صلى الله عليه وسلم: (واللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللّ