معاليه يؤكّد: وضَع الشرع للاستثمار مقاصدَ ساميَة، وأحكامًا عامّةً ومبادئَ ثابتة، تحكُم مسائله وقضاياه
6 يونيو، 2024
 | 

ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، الكلمة الافتتاحية في ملتقى الجامعة القاسمية في الاقتصاد الإسلامي عن “الاستثمار عبر منصات التداول الإلكترونيّة: التطبيقات والتحديات واستشراف المستقبل” الذي نظّمه مركز الشارقة للاقتصاد الإسلامي يوم الأربعاء 28 من شهر ذي القعدة 1445هـ الموافق 5 من شهر يونيو 2024م بمدينة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة.
هذا، وكان عنوان كلمة معاليه: “نظرةٌ هادئة في الحلول المستفادة من الشريعة في التعاملات بالأسهم والمؤشرات عبر منصات التداول الإلكترونية”، وقد استهلّها معاليه بالتعبير عن وافر شكره، وعظيم ثنائه لدولة الإمارات العربية المتحدة، قيادةً وشعبًا، على ما يحظى به الاقتصاد الإسلامي في عموم الإمارات من عناية كبيرة، كما أعرب عن جليل امتنانه، وفائق تقديره لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم إمارة الشارقة، حفظه الله ورعاه، على ما يخص به العلم والفكر والثقافة والتراث من رعاية تفُوق كل وصف، وعلى ما يُولِي التعليم خاصة من اعتناء مبارك، واهتمام مشهود، مما جعل إمارة الشارقة جديرةً بأن تسمى بكل اقتدار (إمارة العلم والفكر والثقافة والتراث)، عسى الله أن يحفظ سموّه، وإخوانه الأجلّاء حكام الإمارات، والشعب الإماراتي الكريم. ثم هنَّأ معاليه الجامعة القاسمية رئيس الجامعة سعادة الأستاذ جمال الطريفي، ومدير الجامعة سعادة الأستاذ الدكتور عوّاد الخلف، ومدير مركز الشارقة للاقتصاد الإسلامي سعادة الدكتور ياسر حسن الحوسني، على ما تشهده الجامعة والمركز من تطور مطَّرد، وتقدم حثيث في كافة المجالات، وبخاصة في النوعية المتميزة لخرّيجيها الذين ينتمون إلى أقطار شتّى من أنحاء العالم، فضلًا عن دقّة وحسن اختيار عنوان هذا الملتقى الذي يعد انعكاسًا لاهتمام المركز بالجانب التطبيقي والتنزيلي للاقتصاد الإسلامي في الواقع.

ثم تحدث معاليه عن مصطلح الاستثمار في النظريّة الإسلاميّة بوصفه مفهومًا يعني “ذلك التوظيف المسؤول الواعي الهادف للمال بشكل مباشر وغير مباشر في نشاط اقتصاديٍّ لا يتعارض مع أحكام الشريعة ومبادئها، وذلك بغية الحصول على عائد منه يستعين به على القيام بمهمة الاستخلاف في الأرض، وعمارة الكون”، موضحًا بأن الاستثمار يعدُّ في الإسلام “تصرُّفًا مهمًّا من التصرفات التي أَوْلاها الإسلام كريم العناية، وعظيم الاهتمام، وذلك باعتباره وسيلةً من وسائل المحافظة على أحد المقاصد الشرعيَّة الكليَّة والمصالح الضروريَّة، وهو مقصد حفظ المال”.

 

كما تحدث عن المبادئ العامة والقواعد الكلية التي توجِّه أساليب الاستثمار، وتسدِّد وسائله، وترشِّد مجالاته، ومن أهمها المرونة، والسعة، والقدرة على المواكَبة، فقال: “إنه من رحمة الله على العباد أن جعل تلك النصوص الشرعية الواردة إزاء الاستثمار نصوصًا تتَّسِم بالمرونة، والسعة، والصلاحيَّة لكل زمان ومكان، فضلًا عن القدرة على المواكَبة، والتطور، والترقِّي، والنهوض، وتحقيق السعادة والفلاح والصلاح للإنسان في كل زمان ومكان”.
وأما أساليب الاستثمار ووسائله ومجالاته التي تشهد يومًا بعد يومٍ تجدُّدًا في نوعها، وتطوُّرًا في كَمِّها، وتغيُّرًا في كَيْفها، ولم تعرفْ ولن تعرفَ تلك الأساليب والوسائل والمجالات توقُّفًا في النمو، أو تراجعًا في الانتشار، أو تَقَهْقُرًا في التوسُّع، بل تزايدًا في الأدوات، وتكاثرًا في المجالات، لذلك: “إنَّ المسؤوليّةَ الفكريّةَ المُلقاةَ على عاتق المؤتمَنين على القيام بواجب التبليغ والتبيين من علماء الأمَّة ومفكِّريها أضْحَت اليوم أعظَم من أي وقت مضى توجيهًا لمستجداته، وتسديدًا لمستحدثاته، وترشيدًا لمتغيِّراته، وذلك في ضوء الأصول العامَّة للشريعة، والمقاصد السامية، والقواعد الكليَّة، والمآلات المعتبَرة للأفعال إقدامًا وإحجامًا، كما باتَتِ الحاجة العلميَّة إلى تعزيز التعاون والتلاقي والتكامل بين علماء الأديان وعلماء العمران أمَسَّ وأشدَّ من أيِّ زمنٍ انقضى، وذلك نظرًا لغَلَبة التعقيد والتداخل والتشابُك على تلك الأساليب”. ثم أوضح معاليه بأن صياغة الحلول والاستجابة للتغيرات والتطورات تكون “على هديٍ من مراعاة المبادئ، والقواعد، والمقاصد، والمآلات، والضوابط، وفي ضوء ما يقدِّمه أهل العلم بالمال والاقتصاد من تصوُّر وتحليل وتحقيق يمكن صياغة تلك الحلول الموْسومة بالحلول الشرعيَّة، وهي الحلول المستفادة من أحكام الشريعة، ومبادئها، وقواعدها، ومقاصدها، وضوابطها لكل أسلوب مستجدّ، ولكل مجال مستحدَث”.
وأكد معاليه بأنه يجب أن تكون تلك الحلول منبثقة عن مراعاةٍ أمينة رصينة لِما وضعتْه الشريعة من مقاصد خاصَّة بالمال، وتتمثل تلك المقاصد في أمور خمسة، فقال: ” وهي رواج المال بدَيْمُومة دوَرانه بين أيدي أكثر من يمكن من الناس، ووضوح طُرق تحصيله وكَسْبه بالإبعاد عن الضرر والغَرَر، والعدل فيه بتحصيله بوجهٍ غير ظالم، وإثباته لصاحبه الحق بوجْهٍ لا خطر فيه، وتحقيق الرفاهة الشاملة منه للفرد والمجتمع والعالم”، مؤكدًا بأن هذه المقاصد الخاصَّة بالمال تعد الإطار الناظم للاستثمار بأدواته ومجالاته، كما تعد الميزان الذي ينبغي أن تعرض عليها اجتهادات العلماء في مستجدات أساليب ومجالات وأدوات الاستثمار، ويُضاف إليها مقصد مراعاة اعتبار مآلات الأفعال، ويعني الالْتفات والاعتداد للآثار “المترتبة على الأساليب الاستثماريَّة المستحدَثة في المِلَّة من حيث كونها أساليب جالبة لمنفعة معتبرة شرعًا، ودارئة لمفسدة معتبرة شرعًا”.

ثم أشار معاليه إلى الطريقة الأنسب لحل التعقيد والتشابك الذي تتَّسِم به هذه المشكلات، فقال: ” إنَّ الصياغة الآمنة المتينة والرصينة لتلك الحلول باتتْ منحصرةً في أرْوِقة المجامع الفقهيّة الجامعة العريقة التي يتكون أعضاؤها من أكابر علماء العصر المختصِّين في علوم الشريعة، والمتخصصين في علوم العمران والطبيعة الذين يتكاملون ويتعاونون ويتشاورون في اختيار أنْجَع الحلول وأنْصَعها وأشملها وأدقِّها وأقدرها، انطلاقًا من اختصاصاتهم المختلفة، وتخصصاتهم المتنوعة، ويُعَدُّ مجمعكم مجمعَ الفقه الإسلاميِّ الدوليَّ أهمَّ مجمع معاصرٍ لا يأْلُو جُهدًا في القيام بهذا الاجتهاد الموسوم بالاجتهاد الجماعي”.

وبناءً على ما أكّده معاليه من الدور الكبير لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، فقد أشار لعدد من القرارات الرصينة التاريخية بهذا الخصوص، فقال: “ويعدُّ القرار ذو الرقم 63/1/7 أهمَّ قرار فقهيٍّ معاصر تضمّن حلولًا واضحة للتعامل بالأسهم وبالمؤشرات.. وبالنظر في ذلك القرار نجده تضمّن خطوطًا عريضة للحلول المستفادة من الشريعة في التعاملات بالأسهم والمؤشرات عمومًا، ويجد الناظر فيه تحكيمًا للأصول العامة للشريعة متمثلًا في الاستناد إلى دليل الاستصحاب للأصل العامّ الثابت فيما يتعلق بالمعاملات على التعامل بالأسهم بوصفه معاملة من المعاملات المستحدثة في الملَّة، فينطبق عليه ابتداءً الأصل العامّ الذي ينصُّ على أنَّ الأصل في المعاملات الحِلُّ، وقد نصَّ القرار على هذا بقوله: (تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمرٌ جائزٌ)، كما يجد الناظر في ذلك القرار تقريرًا واضحًا لأحكام الشريعة الخاصة بالعقود والمعاملات من حيث توافر الأركان والشروط، إذْ قيَّد مشروعيَّة التعامل بالأسهم والمؤشرات بشرط ألا يكون الغرض الأساس من الشركة التعامل بالمحظورات كالربا والبيوع المحرَّمة، فإذا كان ذاك غرضها لم يَجُزِ الإسهامُ فيها شرعًا، وقد نصَّ القرار على هذا الشرط بقوله: (لا خلاف في حُرمة الإسهام في شركات غرضُها الأساسي محرَّم، كالتعامل بالربا، أو إنتاج المحرمات، أو المتاجَرة بها.. والأصل حُرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانًا بالمحرّمات كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسيَّة مشروعة)”.
وختم معاليه كلمتَه بقوله: “ولَئِن كان ما سبق توضيحًا وتحريرًا لرأي مجمع الفقه الإسلاميِّ الدوليِّ في التعامل والاستثمار بالأسهم والمؤشرات، فإنَّه يمكننا تبيين حكم الشرع في الاستثمار بالأسهم والمؤشرات عبر منصات التداول الإلكترونيَّة، مقرِّرين منذ البداية بأن القول بعدم جواز الاستثمار بالمؤشرات شرعًا يترتب عليه تلقائيًّا تجاوز الحديث عن حكم الاستثمار بالمؤشرات عبر منصات التداول الإلكترونيَّة، وذلك اعتبارًا بأنَّه لا فرق بين الاستثمار بتلك المؤشرات عبر التداول العاديِّ من خلال السماسرة، والاستثمار بها عبر منصات التداول الإلكترونيَّة التي لا تعدو أن تكون عبارة عن المواقع والأجهزة الإلكترونيَّة (=الإنترنت والكمبيوتر والهواتف الذكية) التي يتم خلالها شراء وبيع المؤشرات، وبيع العملات، وبيع الأسهم وسواها، وبناءً عليه، فإنَّ بيان حكم الشرع في الاستثمار عبر منصات التداول الإلكترونيَّة يقتصر على الاستثمار بالأسهم عبر تلك المنصات، ونبادر إلى تقرير القول إنَّ قرار المجمع ذا الرقم 52/3/6 بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة يمكن تطبيقه وتنزيله على هذه المنصات التي تعدُّ نوعًا من أنواع آلات الاتصال الحديثة، وبالتالي، فإنَّه لا محظور من الاستثمار عبرها ما دامت الأركان والشروط الواجبة التوافر في العقود متوافرة فيها من وجود العاقدين، والمعقود عليه، والمعقود به، وتطابق الإيجاب والقبول والموالاة بينهما حسب العُرف المستقر في مثلها، فضلًا عن التأكد من مدى مراعاة مقاصد الشرع الخاصة بالمال التي أسلفنا القول فيها من قبل، وهي: الرواج، والعدل، والوضوح، والإثبات، والرفاهة الشاملة”.
هذا، وقد ناقش الملتقى خلال جلساته أربعة محاور عن الاستثمار بالأسهم والمؤشرات عبر منصات التداول الإلكترونيَّة، والاستثمار بالعملات الرقمية والفوركس عبر منصات التداول الإلكترونيَّة، والتجارب المعاصرة والتطبيقات الذكية في مجال الاستثمار عبر منصات التداول الإلكترونيَّة، والتحديات الرقابية والقانونية في مجال الاستثمار عبر منصات التداول الإلكترونيَّة.
واختتمت أعمال الملتقى ببيان ختامي تضمن أهم توصيات الملتقى.

 

 

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى