في كلمته في مؤتمر الإفتاء بالقاهرة قال معاليه: إنّ انهيار قيمة الأخلاق في بِنْية النظام العالمي المعاصر يقف وراء تمادي الكيان الصهيوني في تجويع وتقْتيل أطفال وحرائر وشيوخ فلسطين المحتلة بلا رادع!
29 يوليو، 2024
 |  | 

شارك معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام للمجمع، في أعمال المؤتمر العالمي التاسع الذي نظمته الأمانة العامَّة لدور وهيئات الإفتاء في العالم عن “الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع” يومي الاثنين والثلاثاء 23- 24 من شهر محرم لعام 1446هـ الموافق 30-29 من يوليو 2024م، بمدينة القاهرة بجمهورية مصر العربية.
هذا، وقد القى معاليه كلمةً في الجلسة الافتتاحية نيابةً عن الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، واستهلها بقوله: “من بوَّابة الحرمين الشريفين، حيث منظمةُ التعاون الإسلاميِّ، والأمانةُ العامةُ لمجمع الفقه الإسلامي الدوليِّ، من مدينة جدَّة المحروسة بالمملكة العربية السعودية، أنقل إليكم تحيات معالي السيد حسين طه إبراهيم، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، وتحيات معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد، رئيس المجمع، وتحيات أصحاب المعالي والسماحة والفضيلة علماءِ الأمَّة ومفكِّريها، أعضاء المجمع وخبراءه ومنسوبيه”، ثم أعرب عن شكر وامتنان المنظمة وأجهزتها لفخامة السيد عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهوريّة مصر العربية، على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر المبارك، ولحكومته الرشيدة، ولشعب مصر العظيم على كرم الضيافة، وحفاوة الترحاب، داعين الله أن يديم على أرض الكنانة الأمن والأمان والاستقرار والازدهار.
ثم تحدث معاليه عن أهمية موضوع المؤتمر في ضوء ما يمُوج العالم من تطورات وتغيرات وتقلّبات، فقال: “إنّ مؤتمركم هذا ينعقد في الوقت الذي يشهد فيه العالَم تطوراتٍ مذهلةً في الفكر والسلوك، وتغيُّراتٍ متلاحقةً في المفاهيم والمنطلَقات، وتقلّباتٍ متصاعدة في المواقف والموازين، وتحدِّياتٍ محيِّرةً في عالم القيَم والأفكار والمبادئ، وفوق كلِّ ذلك، فإنّه يعاني صراعًا مُتَّقِدًا بين الحقِّ والباطل، وبين النور والظلام، وبين الرحمة والقسوة، وبين العدل والجَور، مما أدَّى إلى نُشُوب حروبٍ جهنّميَّة، وصراعات دمَويَّة في أرجائه، لا تفْتأ تحصد أرواح الأبرياء من النساء والولدان والشيبان، وتقضي على الثمرات والممتلكات، وتطال جهارًا نهارًا القيَمَ والمبادئ…”، ثم أردف قائلًا: ” إنّ صمود الأمَّة الإسلاميَّة اليوم شعوبًا ومجتمعاتٍ ودوَلًا أمام كل ما سبق ذِكره أعلاه من صنوف المآسي والكوارث يكون بالْتفاف أبنائها حول أمِّ القِيَم، وعمادِ التقدم، وأساسِ التحضُّر، إنها قيمةُ الأخلاق، أكرِمْ بها قيمةً، وأعظِمْ بها أساسًا للتطور والنهضة والرقيّ”.
وأشار معاليه إلى أهمية قيمة الأخلاق التي وصفها بأنها هي: “النور الذي يُستضاء به في ظلمات الظلْم والقهْر والجَوْر والطغيان والبغْي، وهي الشعاع الذي يُستنار به في خِضَمِّ الفتن والمِحَن والابتلاءات والإكراهات، وهي البلْسم الذي يُستشفى به عند تكاثر الأوجاع وتعاظُم الأدواء، وهي المَلاذ الآمن من الإلحاد، والجحود، والتِّيهِ، والهوان الحضاري، بل إنها فوق كل ذلك سبب الانتصارات، ومفتاح الإنجازات، وأساس الإبداعات، والاختراعات، والمُنقِذ من الأوهام والخرافات…”.

ثم أوضَح ما كان لقيمة الأخلاق من أثر باهرٍ في دخول الناس في الإسلام أفواجًا، واستقرار العالم، فقال: “اسألوا التاريخَ، والتاريخُ خيرُ شاهد، أنّ دينَنا الحنيفَ لم ينتشر بسيف ولا برصاص، بل بهذه القيمة الفذَّة العظيمة التي جعلتِ الناسَ في مشارق الأرض ومغاربها يدخلون في دين الله أفواجًا، اسألوا التاريخَ والتاريخُ خير شاهد أن الحضارة التي سعدت البشريَّة في ظلها ذات يوم، وانتشر التسامح والتعاون والتضامن والتآزر في أرجائها كانت حضارة انبثقت وقامت على هذه القيمة، قيمة الأخلاق.. اسألوا التاريخ، والتاريخ خير شاهد أن الحضارات التي قامت ثم انهارت، وظهرَت ثم أفَلَت كان سبب ذلك كله انهيار هذه القيمة وضُمُورها في أرجائها، ذلك لأنَّها هي الروح التي تغذّي الحضارات، القوة والمناعة، ويؤدي انهيارها فقدانها تلك القوة والمناعة…”.
وأكد معاليه إلى أن قيمة الأخلاق “باتت اليوم مهدَّدة، ومطارَدة أكثر من أي وقت مضى، فذِكرها في المحافل والمنتديات والمؤتمرات مَدعاةٌ إلى تحامل الجائرين، وتسلّط المتجبّرين، واشمِئْزاز الظالمين العابثين بالحقوق، والضالعين في الاعتداء على الحُرُمات والمقدَّسات، وما أحداث افتتاحية دورة أولمبياد باريس عنكم ببعيد حيث طال الانحلال الأخلاقي صورةَ يسُوع المسيح عليه السلام!! نعم، إن انهيار قيمة الأخلاق في بنْية النظام العالمي المُعاصِر هو الذي جعل العالَم اليوم يتفرّج بدمٍ بارد على ما يتعرض له ليل نهار أطفال فلسطين من قتل وتقْتيل وتجويع على أيدي الصهاينة! نعم، إن هشاشةَ مكانة هذه القيمة في نفوس المتحكمين في العالم المغلوب على أمره هي التي جعلت العالم الحُرَّ يشاهد بلا إحساس ما تتعرض له حرائر فلسطين من هَتْك، وعدوان. أجل، إنَّ هوان هذه القيمة على المستكبرين في الأرض هو الذي جعل العالم البائس المسكين يتفرج على ما يعانيه شيوخ فلسطين من صنوف المِحَن والإِحَن والتشريد. بل إن غياب هذه القيمة في وعي الصهاينة المعتدين هو الذي جعلهم -ولا يزالون- يتمادون في تفجير المشافي، ودور العبادة، والجامعات والمدارس، وتدمير البنى التحتية والفوقيَّة نهارًا جهارًا على المرضى والعجَزة والمسنّين…”.
وجدَّد معاليه دعوة المنظمة قائلًا: “إنَّ منظمة التعاون الإسلاميِّ تجدِّد دعوتها الأمَّة الإسلاميَّة والعالم الحُرَّ إلى المسارعة إلى وضْع حدٍّ للاحتلال البغيض والظلْم الغاشم الذي تتعرض له فلسطين المحتلة منذ عقود على أيدي حِفْنة من الصهاينة المتطرفين الذين تجرَّدوا من كل معاني الإنسانيَّة والرحمة والعدل، كما أنَّها تجدِّد دعوتها المنظمات والمؤسسات الدوليَّة، وعلى رأسها الأزهر الشريف، إلى التعاون والتضامن من أجل مواجهة التحدِّيات التي تواجهها القيَم والمبادئ في هذا العصر، وذلك من خلال تعزيز قيمة الأخلاق في نفوس الناشئة، وتضمين المناهج والمقررات الدراسيَّة القيَم والمُثُل الخالدة، وتربية الأجيال على التمسُّك بها وتمثُّلها في حياتهم”.
وفي ختام كلمته قال: “إن المنظمة إذْ تهنّئ جمهورية مصر العربية قيادةً وشعبًا ممثلة في دار الإفتاء المصرية على هذا المؤتمر الآنِيّ المبارك، فإنَّها تدعو مخلصة دُور وهيئات الإفتاء في العالم إلى تعزيز الوعى بقيمة الأخلاق بإبراز مكانتها، ومركزيّتها، وأهميتها في نهوض الأمم وتقدّم الشعوب وتحقيق الاستقرار والتطور والتقدم. وأيًّا ما كان الأمر، فإنَّ المنظمة واثقة بأن وعد الله آتٍ لا محالة، وأنّ نصره المبين لعباده المؤمنين قادمٌ لا مناص، وأن الاحتلال والبغي والطغيان زائلٌ قريبًا بإذن الله، ويومئذٍ سيفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو الغالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.
ثم ختم معاليه بعرض جملة مختارة من قصائد أحمد شوقي قائلا: “رحمك الله يا أمير الشعراء، وحكيم البلغاء، يا أحمد شوقي.. فما أصدق ما قلتَ، وفُهْتَ، وبُحْتَ:

صلاحُ أمْرِكَ للأخلاقِ مرجِعُه … فقَوِّمِ النفْسَ بالأخلاق تسْتقِمِ

**
وليس بعامر بُنيانُ قومٍ … إذا أخلاقهم كانت خرابًا

**
وإذا أصيب القومُ في أخلاقهمْ … فأقِمْ عليهم مَأْتمًا وعَوِيلَا

**
بنيتَ لهم من الأخلاق رُكنًا … فخانوا الرُّكنَ فانهدمَ اضْطِرابَا
وكان جنابُهم فيها مَهيبًا … ولَلأخلاقُ أجدَرُ أن تُهابَا

**
وإذا الأخلاقُ كانت سُلَّمَا … نالتِ النجمَ يدُ المُلتمسِ

**
كذا الناسُ بالأخلاقِ يبقى صلاحُهم … ويَذهبُ عنهم أمرُهم حين تَذْهبُ

**
إنّما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيت … فإنْ هُمُ ذهبَتْ أخلاقُهمْ ذَهبُوا”

اقرأ ايضا

آخر الأخبار

اذهب إلى الأعلى