الحمد لله القائل في مُحكم تنزيله: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العَالمِينَ) [آل عمران، ٩٧]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وقدوةً للمتقين، وإمامًا للمرسلين، القائل: ” ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير “. [ رواه الإمام أحمد والطبراني]. وبعد:
فإنَّ مجمع الفقه الإسلاميِّ الدوليَّ برئاسته، وأمانته، وأعضائه، وخبرائه إذْ يستقبلون موسم حجِّ عام ١٤٤٢هـ يستذكرون ما خصّ المولى، عزَّ وجلَّ، البيت العتيق من فضائل عظيمة زمانًا ومكانًا؛ إذ إنَّه يُعدُّ أحبَّ البقاع إليه عزَّ شأنُه، كما يعدُّ أولاها طهارةً، وأمنًا، ومعاذًا، ومهابةً، واستقرارًا، وإجلالاً، قال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً للنّاس وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). [البقرة: 125]. وقال سبحانه: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ
بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج: ٢٦]. وقال سبحانه وتعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا). [آل عمران: 97]. وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ). [ الروم:67].
إنّ المحافظة على تلكم الخصائص السامية التي يختصُّ بها بيت الله الحرام تُعدُّ من آكد الواجبات، كما أنّ القيام بواجب التطهير وتوفير الأمن والأمان، وتعظيم الشعائر يعدُّ من أقدس الفرائض، وأجلِّها على مرِّ العصور وكرِّ الدهور.
ومن هنا، فإنّ المواظبة والمداومة على تطهير هذا البيت العظيم بغسله، وتعطيره، وصيانته من الأوبئة، والأمراض، والأدران امتثالٌ للمقررات الشرعيَّة الخالدة، وتحقيقٌ لمقاصد الشريعة الإسلاميَّة الغرّاء، والتزامٌ بأجلِّ القُرُباتِ، وأعظمِ العبادات، وأرفع الطاعات عند الله جلَّ جلاله.
حقًّا، إنَّه من نافلة القول أنَّ العالم اليوم يمرُّ بظروف استثنائيَّة صحيَّة طارئة بسبب انتشار غير مسبوق لجائحة كورونا، تلك الجائحة التي زرعت الخوف والفزع والهلع في كل مكان، وقضت على أنفس كثيرة، وعطّلت السير والحركة في الأقطار، وأثَّرت تأثيرًا بالغًا في جميع مناحي الحياة.
وعلى الرغم من تلكم الجهود العلميَّة والعمليَّة الجبَّارة التي بذلتها ولا تزال تبذلها الدُّول والأمم في جميع أنحاء المعمورة من أجل مكافحة هذه الجائحة، والحدِّ من انتشارها، غير أنَّ الحقيقة المرَّة هي أنًّ الجائحة لمّا تتم السيطرة عليها، إذ إنَّها ما فَتِئت تواصل انتشارها في كثير من الأرجاء، بل إنَّها تتحوَّر سلالاتُها، وتتصاعد موجاتُها بين الفينة والأخرى.
انطلاقًا مما دأبت عليه المملكة العربيَّة السعوديَّة التي شرَّفها الله تعالى باحتضان الحرمين الشريفين من تقديم أرقى وسائل الراحة والأمن والأمان للحجيج والمعتمرين والزائرين الذين يفدون إلى هذه الأراضي المباركة كل عام، فيؤدون شعائرهم في يسرٍ يفوق كلَّ وصف، وفي سهولةٍ يعجز اللسان عن بيانها؛ واعتبارًا بثقة فقهاء الأمَّة وعلمائها ومفكريها من جميع أنحاء البسيطة في إخلاص وتفاني تلك القيادة الرشيدة في حماية هذه البقاع الطاهرة، والمحافظة عليها؛ بل اعتدادًا بتلك الدقَّة والحِكمة والحِنكة التي تميّزت بها القرارات التي اتخذَتها تلكم القيادة للحدِّ من انتشار الجائحة، قيامًا بمسؤوليَّتها أمام ربِّها جلَّ جلاله، وتحقيقًا لتعليمات دينِها السَّامية، وتبرئةً لذِمَّتها أمام التاريخ، لهذا، فإنَّ مجمع الفقه الإسلاميِّ الدوليَّ، برئاسته، وأمانته، وعلمائه الثقات الذين يمثِّلون الأمَّة في جميع الأقطار والأمصار، يغتنمون هذه المناسبة الكريمة ليؤكِّدوا للشعوب الإسلاميَّة والمجتمعات المسلمة في جميع أنحاء البسيطة على رصانة وحصافة ذلك القرار الذي اتخذته حكومة المملكة العربيَّة السعوديَّة المتمثِّل في السماح لعددٍ محدودٍ من المواطنين والمقيمين لأداء فريضة الحجِّ لهذا العام (١٤٤٢هـ)، وليؤكِّدوا أيضًا على كون ذلك القرار قرارًا حكيمًا يتفق مع مقرَّرات الشريعة الإسلاميَّة الكبرى، ويحقِّق المقاصد الشَّرعيَّة العليا، خاصَّة مقصدي حفظ الدين، وحفظ النفس.
نعم، إنَّ تنظيم فريضة الحجِّ تتحقَّقُ به المحافظةُ المرجوَّة على مقصد حفظِ الدّين، كما أنَّ السماح لعددٍ محدودٍ لأداء هذه الشعيرة في هذا العام في ضوء الظروف الصحيَّة الاستثنائيَّة في الوقت الراهن تتحقّق به المحافظة المنشودة على مقصد حفظِ النفس.
وبناء عليه، فإنَّ مجمع الفقه الإسلاميِّ الدوليَّ الذي يمثِّل المرجعيَّة الفقهيَّة العالميَّة الأولى لدول العالم الإسلاميِّ والمجتمعات المسلمة يدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى احترام هذا القرار الصائب، كما يدعو أولئكم الحجيج الذين سيمنُّ الله عليهم لأداء هذه الفريضة العظيمة هذا العام إلى الالتزام التامِّ بكافَّة التوجيهات الصحيَّة الموفَّقة، والإرشادات الاحترازيَّة المحكَمة الصادرة من السلطات المعنية أثناء أدائهم لمناسك الحج.
وختامًا، إنَّ مجمع الفقه الإسلاميِّ الدوليَّ، برئاسته، وأمانته، وأعضائه، وخبرائه، ينتهزون هذه السانحة الطيِّبة ليعربوا عن شكرهم الجزيل، وتقديرهم العميق للجهود الجبَّارة الدؤوب التي ما برحَت تبذلها حكومة المملكة العربيَّة السُّعوديَّة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أيَّده الله، وولي عهده الأمين صاحب السموِّ الملكيِّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، وفَّقه الله، في عمارة الحرمين الشريفين، وخدمة قاصديهما من الحجَّاج والمعتمرين والزوَّار، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأدام عليهم وعلى الشعب السُّعوديِّ الأبيِّ نعمة الأمن والأمان والاستقرار، وتقبَّل الله من الحجيج حجَّهم، وجعله حجًا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا، وتجارة لن تبور.
الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
جدة في يوم الثلاثاء: ٠٥ذي القعدة ١٤٤٢هـ
الموافق ١٥ يونيو ٢٠٢١م
اقرأ ايضا
آخر الأخبار