
ألقى معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، الكلمة الرئيسة يوم الثلاثاء07 ذي الحجة 1446هـ الموافق 3 يونيو 2025م، وذلك في المؤتمر العلمي الدولي “المذهب الشافعي في عصر الرَّقْمَنة”، الذي نظّمته جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية (يونيسا UNISSA) في بُروناي دار السلام، بحضور نخبة من العلماء والباحثين.
وفي مستهلّ كلمته، عبّر معاليه عن بالغ شكره وامتنانه لحكومة وشعب بروناي على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مثمِّنًا دعم حضرة صاحب الجلالة السلطان حاج حسن البلقية للعلم والعلماء، وللاعتدال الديني، وللتميّز الأكاديمي، ومُشيدًا بجهود المنظمين في اختيار موضوع على قدرٍ كبير من الأهمية والراهنيّة.
ثم استعرض معاليه أثَر الرقْمنة على التعليم ونقْل المعرفة، موضحًا أن الوصول إلى التراث العلمي الإسلامي أصبح اليوم -بفضل الله ثم بفضل التقنيات الرقمية- متاحًا للجميع بضغطة زِرّ، بعد أن كان حبيس المكتبات والمخطوطات. وأكد أن هذا التحوّل يتيح فُرصًا غير مسبوقة لحفظ التراث ونشْره، وتوسيع دائرة الاستفادة منه، وجذب الأجيال الشابّة عبر وسائط تفاعلية متعددة اللغات، فضلًا عن تطوير البحث المقارن بين المذاهب.
وانطلاقًا من هذه المُعطيات، شدّد معاليه على أن الرقمنة أصبحت واقعًا حتْميًا لا مَفَرَّ منه، بما تحمِله من فُرص واسعة وتحديات كبيرة أمام المذهب الشافعي خاصة، والفقه الإسلامي عامة، داعيًا إلى التعامل معها بحكمة وانضباط حتى تكون أداة لخدمة العلم الشرعي، لا وسيلةً لتشْويهه أو إضعافه.
وأشار في هذه الأثناء إلى ما يتميّز به الفقه الإسلامي عمومًا والمذهب الشافعي خصوصًا من مرونة وانفتاح، مستشهدًا بما عُرف عن الإمام الشافعي -رحمه الله- من اجتهادات (قديمة) في العراق، وأخرى (جديدة) في مصر، مما يعكس قدرة المذهب الشافعي على التكيّف مع اختلاف البيئات والأزمنة والأوضاع. واعتبر أن توظيف الرقمنة لخدمة المذهب ينسجم مع هذه المنهجية المَرِنة التي تستوعب الواقع وتتعامل معه بوَعي.
وفي المقابل، حذّر معاليه من أبرز تحديات الرقمنة، ومنها ضعف التحقق من صحة المحتوى المنشور، وخطر تبسيط المسائل الفقهية بما يُخِلّ بعُمقها، واستمرار حواجز اللغة، إضافة إلى احتمالية ضعف الصلة العلمية والروحية بين الطالب وأستاذه بسبب الإفراط في الاعتماد على المنصات الرقمية، مذكِّرًا بما قاله الإمام الشافعي في قصيدته الشهيرة:
أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا بِسِتَّةٍ *** سَأُنْبِيكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ
ذَكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلْغَةٌ *** وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطُولُ زَمانِ
وفي هذا الإطار، دعا معاليه الجامعات، وخاصة الإسلامية منها، إلى إدراج مادة دراسية خاصة تعرّف الطلبة بالمواقع والتطبيقات والمكتبات الرقمية، وتدرّبهم على الاستفادة القصوى منها في تقريب المعاني، وتحليل النصوص، ودراسة الفتاوى، ومقارنة الآراء، وتخريج الأحاديث، وغيرها من الوسائل التي تختصر الوقت والجهد.
وأوضح في خِضَمّ ذلك بأن الإجابة عن سؤال المؤتمر المركَّز المتمثّل: “هل الرقمنة صديقٌ أَمْ عدوٌّ للمذهب الشافعي؟”، تعتمد على كيفية توظيفها؛ فإن استُخدمت بوَعيٍ وضوابط علمية كانت صديقًا يُثْري نشْر العلم ويحفظ أصالته، وإن أُهمِلَت الضوابط تحوّلت إلى عدوٍّ ينشر أنصاف الحقائق، ويضعف المنهجية الرصينة.
هذا، وقد اختتم معاليه كلمتَه بالدعوة إلى وضع أُطُر استراتيجية تضمَن جودة المحتوى الرقمي، وتأهيل العلماء والطلاب في مهارات التعامل مع التقنية، وترجمة وتبسيط المؤلفات الكلاسيكية بأسلوب مسؤول، وإنشاء منصّات تجمع بين الأصالة العلمية وأدوات العصر الحديث، مؤكدًا أن الرقمنة ليست خيارًا بل حقيقة، وأن المطلوب هو تبَنِّيها بحكمة مُستَوْحاة من أصول المذهب ورُوح التجديد، ليَظلَّ المذهب الشافعي حيًّا وفاعلًا في عصر الرقمنة.
اقرأ ايضا
آخر الأخبار










